العراق: التسول "مهنة" الموظفين

20 يناير 2021
تتسول حاملة ولدها في بغداد (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

خلال السير في شوارع بغداد، يلفت الانتباه عدد المتسولين الذي يبدو أنه يزداد خلال الأشهر العشرة الأخيرة. يراه كثيرون من سكان هذه المدينة "أمراً طبيعياً"، إذ يواصل عدد العاطلين من العمل الارتفاع بالتوازي مع ارتفاع الأسعار والغلاء، خصوصاً مع قرار الحكومة العراقية خفض قيمة الدينار مقابل الدولار، ما يزيد الطين بلة. وباتت بغداد، باعتبارها المركز الإداري والتجاري والاقتصادي وأكثر مدن العراق ازدحاماً وحركة، تجذب سكان محافظات أخرى لامتهان التسول.


وعلى الرغم من أنّ العديد من الناس يجدون في التسول مهنة مربحة ومريحة في آنٍ واحد، لكنّ هناك من يتخذها لتدبير معيشته عند الحاجة، بحسب ما يروي نزار العقابي، الذي يقول إنّه مُطّلع على أحوال كثيرين من الذين يتسولون في بغداد.


خولة وزهرة وأم فاضل وعبود وجواد وعدد من الأسماء، يذكرها العقابي لكونه يسكن ويملك محلاً لبيع الأدوات الكهربائية منذ نحو 30 سنة، في منطقة العلاوي، وسط بغداد، التي ينتشر فيها عدد غير قليل من المتسولين. لكن "بدأت وجوه غير مألوفة بالظهور منذ أشهر وانضمت إلى المتسولين"، وفق قوله. ويضيف، في حديث لـ"العربي الجديد": "التسول ليس أمراً جديداً. جميعنا نعلم أنّ هناك من يحتمل أن يظهر ضعيفاً أمام الناس لكسب عطفهم، وبذلك يحصل على المال من دون جهد، لكن يبدو أنّ الأمر اختلف في الأشهر الأخيرة. أعتقد أنّ هناك من أجبرتهم ظروفهم على التسول. تداعيات كورونا، وعدم وجود وظائف للشباب، وارتفاع عدد السكان، ومشاكل كثيرة تدفع البعض إلى ذلك".


مطلع يناير/ كانون الثاني الجاري، قالت وزارة التخطيط العراقية، في بيان، إنّ ما يقرب من ربع سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر نتيجة للظروف التي تمرّ بها البلاد، مبينة أنّ نسبة الفقر في نهاية العام 2019 هي 20 في المائة. لكن مع دخول العراق في نفق الأزمة المزدوجة، جائحة كورونا وما رافقها من أزمة مالية بسبب تراجع أسعار النفط، ارتفعت نسبة الفقر في البلاد إلى ما يقرب من 25 في المائة، ليصبح العدد الكلي هو 9 ملايين و600 ألف. ويتوقع مسؤول بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن ترتفع نسبة الفقر في البلاد لحدود الثلاثين في المائة، في حال استمرت تأثيرات كورونا والأزمة المالية بالعراق إلى نهاية العام الحالي. 

 

 


ويعتبر عاطلون من العمل، بينهم مفيد حسن، الأشخاص الموظفين من المحظوظين، كونهم يحصلون على راتب شهري، وهو ما يدفع ملايين الباحثين عن العمل إلى الحصول على وظيفة حكومية. ويقول مفيد حسن، لـ"العربي الجديد": "بدأ التسول يأخذ حيزاً من تفكيري، لم يعد هناك أيّ حلّ. لا توجد وظائف في القطاع الحكومي أو الخاص، ولا أملك ما يساعدني على تأسيس مشروع خاص". يضيف: "هناك عاطلون من العمل اتخذوا من التسول مهنة لهم بسبب عدم وجود وظائف، بالإضافة إلى ما نمرّ به من ظروف اقتصادية صعبة. وما يؤكد كلامي هو ازدياد عدد المتسولين الذين باتوا يملأون عاصمتنا بغداد".


وبينما يُعتبر الموظف في المؤسسات الحكومية صاحب حظ كبير بالنسبة للعاطلين من العمل، إلا أنّ بعض العاملين في وزارات مختلفة يقولون إنّ رواتبهم لا تكفيهم. ويؤكد سهيل الحسن، الذي يعمل موظفاً في وزارة التربية براتب يصل لنحو 500 دولار، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّه يمارس عملاً حراً إضافياً يُمكّنه من سداد نفقات أسرته. ويكشف الحسن أن "هناك موظفين لجأوا إلى التسول، ربما كان هذا خبراً غريباً، لكنه حصل بالفعل. أعلم أنّ بعضهم يتسولون في مناطق لا يعرفهم فيها أحد". ويتابع: "هناك موظفون يعتمدون بشكل كلي على الراتب الشهري، ويحرصون على تقنين إنفاقهم بحسب قدرتهم، لكن الحال لم يعد يطاق بعد ارتفاع الأسعار مع خفض سعر صرف الدينار مقابل الدولار".


ليس سهيل الحسن وحده من يقول إنّ عراقيين يتسولون في مناطق لا يعرفهم فيها أحد، بل يوافقه الرأي الباحث الاجتماعي والناشط مع منظمات المجتمع المدني شاكر الدوري، الذي يقول لـ"العربي الجديد": "اطلعت على حالات لأشخاص قدموا من محافظات أخرى إلى بغداد للتسول، في حين أن مظهرهم لا يعكس أنهم بحاجة للتسول". ويضيف: "ما تأكدت منه أن بعضهم يمارس التسول لأول مرة. هذا الأمر يمكّنني من التأكد من أنّهم يأتون إلى بغداد من أجل التسول لسببين، الأول أنهم غرباء لا يعرفهم أحد، وبذلك يحافظون على نظرة الناس إليهم في مناطق سكنهم، والثاني أنّ بغداد تُعتبر المركز المزدحم بالناس والأعمال والتجار والمصالح المختلفة، ما يجعل التسول فيها سهلاً ومربحاً". وبحسب الدوري، فإنّ بعض من تحدث معهم أكد أنّه يتسول لفترة من الوقت، تستمر ليومين أو ثلاثة، ثم يعود لأهله وينفق عليهم ما جناه. ويضيف: "إنهم يشعرون بحزنٍ شديد بسبب لجوئهم الى التسول، ويؤكدون أنّ الحلّ يكمن باللجوء إلى التسول ولو بشكلٍ موقت. وكان قرار تخفيض سعر صرف الدينار قد تسبّب بخسائر كبيرة لبعضهم ممن ديونه تُحتسب بالدولار".


وكان وزير المالية العراقي، علي عبد الأمير علاوي، قد أعلن في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اعتماد سعر جديد للدينار العراقي أمام الدولار، بواقع 1450 ديناراً، ضمن ما وصفها بالسياسة الإصلاحية للحكومة التي ستعتمدها خلال موازنة 2021.