عقب تعرّض أعداد من عناصر الأمن العراقي لضغوط وتهديدات قبلية بهدف منعهم من تنفيذ مهامهم، التي تتعلق في الغالب بمكافحة عصابات المخدّرات والتهريب والجريمة المنظمة، اتّخذت الحكومة العراقية إجراءات "رادعة" ضدّ تلك العشائر لحماية عناصر الأمن من سلطتها.
وأتت هذه الإجراءات بعد تردّد عدد من الضباط وعناصر الأمن في تنفيذ واجبات أمنية معينة.
واليوم الأحد، كشف مدير شؤون العشائر في وزارة الداخلية العراقية اللواء ناصر النوري عن إعداد ورقة عمل تهدف إلى الحدّ من الابتزاز وما يُعرَف بـ"الدكّة العشائرية" ضدّ عناصر الأمن، تضمّنت إجراءات وصفتها بـ"الصارمة" في حقّ مرتكبيها.
وقال النوري، في تصريحات صحافية، إنّ "الورقة تضمّنت محاكمة أيّ شخص يرسل ما يسمّى بالكوامة (أفراد مسلحين من عشيرته) إلى أيّ ضابط أو منتسب نفّذ أمر ملاحقة لعصابات المخدّرات أو السطو وغيرها ضمن الواجب الرسمي المكلف به، ومطالبته بدفع مبالغ مالية إذا ما نفّذ الواجب، أو تسبب بقتل أو جرح أيّ من أفراد العصابة".
وتحدّث المسؤول العراقي عن "إصدار توجيهات لقيادات الشرطة في المحافظات بإصدار مذكرات قبض في حقّ كلّ من يبتز الضباط والمنتسبين الأمنيين عشائرياً"، مشيراً إلى أنّ "الورقة شدّدت من ضمن إحدى نقاطها على عدم تهجير أقارب الجاني، لكون القاتل هو مَن يتحمّل وحده التبعات القانونية والعشائرية وليس أقاربه".
وأوضح النوري أنّ مديريته مُنحت "صلاحيات موازية لصلاحيات قائد الشرطة لاتّخاذ الإجراءات القانونية بحقّ مرتكبي عمليات الابتزاز"، مشيراً إلى أنّه "تمّ تنفيذ عدد من الزيارات الميدانية لشيوخ العشائر، وإطلاعهم على دورهم في الحدّ من تلك التصرفات والنزاعات العشائرية، وأن يعملوا على إشاعة الأمن والأمان المجتمعي".
وذكر ضابط رفيع المستوى في وزارة الداخلية العراقية، لـ"العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أنّ "الوزارة بدأت فعلاً بالتحرّك لحماية عناصرها من تهديدات عشائرية طاولت بعضهم خلال تأدية مهامهم". وأضاف أنّ "التهديد أو حتى التلويح بقوة العشائر سوف تكون تهمته الاعتداء على موظف خلال تأدية مهامه الرسمية، وتصل عقوبتها إلى السجن ثلاث سنوات".
وأشار الضابط إلى أنّ "ما لا يقلّ عن 200 عنصر أمن تعرّضوا في العام الماضي إلى تهديدات تحت غطاء العشيرة، بسبب تأدية مهامهم القانونية". وأوضح أنّ "بعض منازل الضباط وأفراد الأمن تعرّضت لإطلاق نار ورمي رسائل تهديد بسبب مشاركتهم في عمليات ضدّ عصابات إجرامية"، مؤكداً أنّ "التحرّك الحالي لحماية أفراد الأمن سوف يكون مشدّداً كأحد أوجه الإرهاب".
وتابع الضابط نفسه أنّ "كلّ ذلك أثّر على عمل الأمن في ملاحقة تلك العصابات، وباتت له تأثيرات سلبية على ملاحقة العصابات"، مشيراً إلى أنّ "بغداد والبصرة تتصدّران المناطق التي يتعرّض فيها أفراد الأمن للتهديد تحت غطاء العشيرة".
و"الدكّة العشائرية" هي قيام مسلّحين ينتمون إلى قبيلة معيّنة بتهديد أسرة تنتمي إلى قبيلة ثانية في بيتها عبر إطلاق نار بمختلف الأسلحة، وإلقاء قنابل يدوية أحياناً، وذلك كتحذير شديد اللهجة بهدف دفعها إلى التفاوض لتسوية خلاف. وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدَف، فإنّ الأمور تتفاقم إلى وقوع ضحايا من الطرفَين.
ونشطت الدكّات العشائرية في العراق بعد عام 2003 مع اجتياح العراق، وهي ظاهرة تعكس قوة نفوذ وسلطة العشائر واللجوء إليها لفضّ النزاعات بدلاً من اللجوء إلى سلطة الدولة.
وقد أصدر العراق، قبل أكثر من عامَين، قانوناً يعدّ الدكّة العشائرية إحدى جرائم الترويع، ويقرّ التعامل معها عبر قانون مكافحة الإرهاب للحدّ من انتشارها في المجتمع، إلا أنّ ذلك لم ينهِ الظاهرة.