العراقيون يعتمدون على الآبار بعد جفاف الأنهر

07 اغسطس 2022
محاولة لتوفير المياه بحدّها الأدنى من إحدى الآبار (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يُسجَّل تفاقم في أزمة المياه بالعراق في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يؤثّر سلباً على صعد مختلفة. وفي محاولة لتسيير أمورهم، ولو بحلول مؤقتة، يلجأ عراقيون إلى حفر الآبار.

مرّة أخرى يلجأ العراقيون إلى حفر الآبار أو اعتماد آبار متروكة لتلافي جزء من نقص المياه أو انقطاعها عن حقولهم وقراهم، في محاولة لإبقاء أسرهم ومواشيهم وبعض مزروعاتهم على قيد الحياة. وتتوزّع عمليات الحفر في مناطق لم تعد محصورة بتلك التي لا يجتازها نهرا دجلة والفرات، بل تشمل كذلك مناطق السهل الخصب جنوبي العراق وشرقيه. ويأتي ذلك في ظاهرة غير مسبوقة نتيجة شحّ المياه وارتفاع درجات الحرارة وازدياد حاجة المزروعات والماشية والسكان إلى المياه.

وتفيد تقارير رسمية عراقية بأنّ 100 في المائة من مياه نهر الفرات تأتي من خارج البلاد، وما نسبته 67 في المائة من مياه نهر دجلة تأتي من الخارج، الأمر الذي يؤكد أنّ السبب الأبرز للأزمة المائية التي يعاني منها العراق هو عدم حصوله على استحقاقاته المائية الكاملة لنهرَي دجلة والفرات من تركيا وإيران اللتَين تُعَدّان دولتَي المنبع واللتَين شيّدتا عدداً من السدود. وكانت إيران قد عمدت من جهتها إلى تغيير مجرى أنهر لتُنهي بذلك الحياة في مناطق عراقية شاسعة مجاورة لها تعتمد منذ مئات السنين على مياه تلك الأنهر.

في محافظة ديالى المجاورة لإيران، فإنّ المياه لم تعد تصل إلى أبرز أنهرها المعروف بنهر ديالى ومنبعه إيران، الأمر الذي تسبّب في دفع مزارعين كثيرين إلى التخلّي عن مهنتهم، وبالتالي إلى "موت" مزارعهم وبساتينهم. لكنّ كثيرين منهم لجأوا إلى اعتماد الآبار "للإبقاء على مصدر معيشة بسيط"، بحسب ما يقول هادي السعدي لـ"العربي الجديد". ويشير إلى أنّ أسرته "تملك مئات الدونمات (الدونم يعادل 2500 متر مربّع) من المزارع التي كانت مصدر المعيشة الوحيدة لنا".

يضيف السعدي أنّ "مزارع أسرتي التي ورثها والدي وأعمامي عن أجدادهم لم تعد تُزرَع منذ سنوات بسبب شحّ المياه، علماً أنّ البساتين التي نملك كبيرة وتتخطّى مساحاتها مجتمعة 300 دونم تحوي أفضل أنواع أشجار الفاكهة. لكنّ نحو 60 في المائة منها ماتت". ويشير إلى أنّه "عاماً بعد آخر، نعمد إلى حفر آبار جديدة لريّ ما تبقّى من هذه الأشجار".

والزراعة وتربية الماشية ورثتهما عائلات عديدة تعيش في مناطق ريفية، بعضها ناءٍ، وبالتالي لا يمكن فيها الاستغناء عن المزروعات والماشية والدواجن خصوصاً لتوفير احتياجات الغذاء اليومي. وهذا أمر من الممكن رصده في قرية حاج صالح الواقعة في محافظة كركوك شمالي البلاد، حيث تعتني فاطمة قادر ببضعة رؤوس أبقار وماعز ومجموعة من الدجاج والبطّ في حظيرتها الملاصقة لمنزلها.
وتقول قادر لـ"العربي الجديد" إنّ "سكان هذه القرية سوف يهجرونها في حال نفدت المياه الجوفية". وفاطمة التي فقدت زوجها قبل أربعة أعوام على أثر إصابته بمرض عضال، يعينها اليوم في تربية حيواناتها ولداها اللذان ما زالا يتابعان تعليمهما في المرحلة الثانوية. تضيف قادر: "لست في حاجة إلى مساعدة في إدارة العمل في تربية ماشيتي، فأنا معتادة على ذلك. وأنا أبيع ما أنتجه يومياً من حليب وبيض، لكنّ كلّ ذلك مهدّد بالزوال".

وتشير قادر إلى أنّه "في السابق، كانت المياه تصل إلى قريتنا عبر مشروع المياه الحكومي من خلال ساقية تفي بالغرض في ما يخصّ ريّ المزارع وتوفير المشرب للحيوانات وكلّ احتياجات قريتنا والقرى الأخرى المجاورة. لكنّ مياه المشروع انقطعت قبل أعوام وبتنا نعتمد على الآبار". وتتابع أنّ "البئر التي حفرناها قبل عامَين جفّت، وقد عمدنا أخيراً إلى حفر بئر جديدة تبعد مسافة أكثر من 100 متر عن منزلنا. وفي حال جفّت المياه الجوفية من دون إمكانية توفير آبار جديدة، قد نرحل إلى قرية أخرى".

الصورة
قناة ري في العراق (حيدر محمد علي/ فرانس برس)
كانت هذه قناة ريّ في وقت سابق ليس ببعيد (حيدر محمد علي/ فرانس برس)

من جهته، يرى المزارع منشد هزاع الذي يسكن في محافظة صلاح الدين شمالي البلاد، أنّ "اعتماد وسائل الزراعة الحديثة نعمة"، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّها "أنقذت أسرتي ومزرعتي البسيطة وحيواناتي". ويعيش هزاع عند أطراف قرية كانت تعتمد على الزراعة قبل أكثر من قرنَين، إذ كانت تصل إليها المياه للزراعة والريّ والاستخدامات اليومية بالنسبة إلى سكان القرية من نهر دجلة عبر ساقية تمتدّ على خمسة كيلومترات. لكنّ انخفاض منسوب مياه النهر وتغيّر مساره قليلاً تسبّب في قطع المياه عن الساقية، وقد فشلت محاولات إحيائها خصوصاً مع هجر المزارعين بمعظمهم الزراعة في الأعوام الأخيرة".

لكنّ هزاع يؤكد أنّه مستمرّ في عمله في مزرعته الصغيرة التي تبلغ خمسة دونمات، ورعاية ماشيته من خلال الاعتماد على الآبار، مضيفاً "لم نعرف جفافاً مثل الذي نعيشه هذا العام. فهو يزداد عاماً بعد آخر. وقد جفّت البئر التي استخدمها في ريّ المزروعات وإسقاء الماشية، لكنّني حفرت قبل أيام بئراً أخرى".

ويلفت هزاع إلى أنّ "المختصّ في حفر الآبار قال لي إنّ البئر الجديدة سوف تكفي لأقلّ من عام قبل أن تنضب، وبالتالي سوف يتوجّب عليّ حفر واحدة جديدة في منطقة أخرى قريبة". ويتابع أنّه من خلال "عملية التنقيط والزراعة المغطّاة، نجحت في استغلال مياه الآبار بالشكل الذي يمكّنني من الإبقاء على مزرعتي. كذلك عمدت إلى اعتماد إلى إسقاء ماشيتي عبر أحواض خاصة تفادياً لهدر المياه".

في سياق متصل، يوضح حسين فاضل أنّ "حفر الآبار ليس مهمة سهلة، فالأمر يتطلب خبرة ودراية واستخدام أجهزة معينة خاصة بالحفر العميق". ويقول فاضل الذي يعمل في حفر الآبار ويملك جهازاً خاصاً لذلك، لـ"العربي الجديد"، إنّه يرتكز على نقاط عدّة عند اختيار موقع البئر. ويشرح أنّه "من المهم أوّلاً معرفة ما يوجد في داخل الأرض، ربّما شبكات اتصالات أو أخرى للكهرباء أو أنابيب نفط أو غاز وغير ذلك. كذلك لا بدّ من التأكّد من احتواء الموقع المقصود مياهاً جوفية، بالإضافة إلى كميّة تلك المياه ونوعيتها وجودتها، وذلك ممكن من خلال الاطّلاع على نوع التربة وتركيبتها وتفاصيل أخرى. وفي بعض الأحيان، أستعين بمتخصص في المساحة".

ويشير فاضل إلى أنّه حفر، منذ مطلع العام الجاري وحتى شهر يونيو/ حزيران منه، 120 بئراً، فيما حفر في العام الماضي 159 بئراً، وهو الأمر الذي يؤكد بحسب ما يقول أنّ "العام الحالي شهد زيادة كبيرة في الطلب على الآبار". يضيف أنّ "أكثر المواقع التي حفرت فيها آباراً تقع عند أطراف بغداد الجنوبية والغربية، وفي محافظات بابل والنجف والكوت والأنبار"، ويتابع أنّ "ثمّة مواقع تحتوي على كميات هائلة من المياه الجوفية التي لا يستغرق الحفر فيها سوى وقت قصير، ومن الممكن الاستفادة منها في زراعة مساحات واسعة، خصوصاً في مناطق وسط العراق وشماله وغربه بخلاف مناطق عدّة تتوفّر فيها المياه على عمق كبير جداً وتتطلّب وقتاً أطول ومجهوداً أكبر في الحفر".

المساهمون