استمع إلى الملخص
- تعاني الأسر من أوضاع اقتصادية صعبة نتيجة التهجير وتدمير المنازل، مما يزيد من صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية للأطفال، ويؤدي الإغلاق الإسرائيلي للمعابر إلى سوء التغذية ونقص المناعة.
- يشير الخبراء إلى أن العدوان يحرم الأمهات والأطفال من حقوقهم الأساسية، ويزيد من حالات الإجهاض والولادة المبكرة، ويعقد تسجيل الأطفال في المؤسسات المعنية.
لم تستطع الفلسطينية التي تعيش في غزة افتكار أبو ناموس التي نزحت مع أسرتها منذ نحو عام تسجيل رضيعها يزن في المؤسسات المعنية بتوفير متطلبات العناية بالأطفال، وفي مقدمها الحليب والحفاضات والفيتامينات، جراء تعقيدات التسجيل التي تفرضها التأثيرات السلبية للعدوان الإسرائيلي.
وتواجه الأمهات، ومعهن الأطفال الرضع الذين وُلدوا خلال العدوان المتواصل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أزمات عدة بسبب النقص الشديد في أدوات الرعاية الصحية، وأيضاً تعقيدات الاستهداف الإسرائيلي المباشر للمؤسسات الصحية والحكومية والبلديات التي تمنع استصدار أوراق رسمية لنحو 4500 طفل يُولدون شهرياً في غزة، ما يمنع تسجيل الأطفال في المؤسسات الخيرية المحلية والأجنبية، في وقت يزيد نزوح مليوني فلسطيني يتكدسون في مناطق محددة النقص والعوز في ظل شح الإمكانيات والمساعدات التي تتأثر أيضاً بالإغلاق الإسرائيلي التام للمعابر، ومنع دخول المواد الغذائية والأدوية والمستهلكات الطبية والمساعدات الإنسانية.
وتترافق تحديات الأمهات والأطفال الرضع مع معاناة مئات آلاف الأسر من الأوضاع الاقتصادية الصعبة بتأثير تهجيرهم من منازلهم وتدمير مناطقهم السكنية، وخسارة مصادر دخلهم الأساسية، والشح الشديد في المواد الغذائية والخضار والفواكه.
وتقول افتكار(37 عاماً) لـ"العربي الجديد": "واجهت صعوبات كبيرة في تسجيل طفلي الذي وضعته في مستشفى بمدينة رفح جنوبي غزة، بسبب فقدان المعلومات والبرامج الخاصة بالتسجيل جراء قصف المنشآت الرسمية، ثم استطعت استصدار شهادة ميلاد بعد ثلاثة أشهر من الولادة، لكن لم استطع تسجيل طفلي في أي مؤسسة للإفادة من الخدمات".
تتابع: "يترافق عدم القدرة على الحصول على المساعدات الإغاثة الخاصة بالأطفال مع غلاء الأسعار، إذ تضاعفت أسعار الحليب المصنّع والحفاضات الصحية في وقت يعاني زوجي من أوضاع اقتصادية صعبة بعد تدمير محل بيع الملابس الذي يعمل فيه بنظام المياومة".
من جهتها، تخبر سعاد عبد الحق "العربي الجديد" أنها نزحت مع أسرتها حين كانت في الشهر الثاني من الحمل، وتعرضت لصعوبات في الحمل والآم بسبب الخوف والقلق جراء الأحزمة النارية التي استهدفت حي الشيخ رضوان شمالي غزة، وما تلاه من نزوح متكرر.
وتتحدث عن الظروف غير الطبيعية التي مرت بها خلال الحمل عبر عيشها بعيداً عن والدتها ووالدة زوجها اللتين اعتادتا مشاركتها هذه الفترة، ونزوحها والمعاناة من قلّة الإمكانيات وصعوبات تسجيل رضيعها سعد للإفادة من المتطلبات الأساسية التي يجب أن تتوفر لأي طفل في بداية حياته، في وقت شهدت أسعار الكميات الشحيحة الموجودة في الأسواق ارتفاعاً جنونياً.
وتشير إلى أن المعضلة الأكثر قسوة التي تواجهها مع أفراد أسرتها الخمسة وباقي الأسر الفلسطينية تتمثل في النقص الحاد في المواد الغذائية بفعل منع دخولها وإغلاق المعابر، ما تسبب في سوء التغذية وفقدان المقومات الأساسية لرفد طفلها بالمناعة اللازمة في مراحل نموه الأساسية.
أيضاً، يقول عمار الشيخ ديب لـ"العربي الجديد": "واجهت كل أنواع الأزمات منذ أن وُلد طفلي أنس في الأشهر الأولى للعدوان الإسرائيلي، إذ عانت زوجتي من نقص المواد الغذائية في مدينة غزة قبل النزوح إلى المحافظات الجنوبية، ثم إلى المحافظات الوسطى، وأيضاً من سوء الرعاية نتيجة الاستهداف الإسرائيلي المباشر للمنظومة الصحية وتدميرها بشكل شبه تام، ما انعكس سلباً على رعاية طفلنا في لحظات حساسة تتطلب المزيد من العناية في مختلف المجالات".
ويشير إلى أن أسرته تعرضت لأزمات عدة بسبب عدم القدرة على إنجاز أوراق طفله، إذ لم يستطع إصدار شهادة ميلاد لطفله قبل إغلاق المعبر، ما حرمه من مغادرة القطاع، كما لم يستطع إدخاله في الكشوفات الخاصة بتقديم المساعدات الغذائية والصحية ومتطلبات الرعاية اللازمة، بحجة وجود أعداد هائلة من النازحين وضعف الإمكانيات والمساعدات الواردة إلى القطاع.
ويشدد على أهمية إيلاء الفئات الهشة، وفي مقدمها الأطفال الرضع وأمهاتهم، الرعاية اللازمة في هذه الفترة المهمة والحساسة التي يفترض أن تساهم مباشرة في نضوج الطفل وسلامته، وأيضاً تسهيل عمليات التسجيل سواء في المستشفيات والمؤسسات الرسمية والإنسانية المحلية والدولية التي تقدم العون لكل شرائح المجتمع.
وتلفت أخصائية الأطفال مروة غنيم، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى حساسية مراحل الحمل والولادة والرضاعة التي تتطلب مستويات عالية من الحرص والرعاية والاهتمام بكل الجوانب الجسدية والصحية والنفسية، وتأمين الغذاء المتكامل والمتنوع لمساعدة الأم على الولادة بأمان ورعاية طفلها بشكل طبيعي".
تتابع: "حرم العدوان الأمهات والأطفال من كل حقوقهم بدءاً بالحق في الحياة، فأكثر من 72% من المدنيين الذين استشهدوا وأصيبوا وفقدوا هم من النساء والأطفال تحديداً، وأيضاً من الحق في المأوى والأمان والاستقرار والحياة الكريمة والقدرة على الحصول على المأكل والمشرب والعلاج والرعاية".
وتوضح أن "فقدان الأم عناصر غذائية أساسية يهدد حياة الطفل ويضعف مناعته، ما يزيد فرص الإصابة وسط النقص الحاد في الأدوية والمستهلكات الطبية. وقد زادت حالات الإجهاض والولادة المبكرة منذ بدء العدوان، وأيضاً حالات النزيف جراء الأوضاع الصعبة والمرهقة للسيدات في ظل النزوح المتكرر والحياة القاسية وغير المستقرة التي تفتقر إلى أدنى مقومات الراحة والخصوصية، فضلاً عن الاضطرابات النفسية التي أصبن بها جراء الخوف والقلق المتواصلين".
وتتحدث أيضاً عن الآثار السلبية لصعوبة تسجيل الأطفال في المؤسسات التي توفر الاحتياجات الأساسية في ظل نقص المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية التي تتضمن العناصر والمعادن والفيتامينات اللازمة لنمو الطفل ورعاية الأم، أو غلاء أسعارها بدرجات غير مسبوقة في وقت تعاني فيه الأسر الفلسطينية من أوضاع اقتصادية صعبة. وهذه التحديات تهدد حياة الطفل ونموه الطبيعي".
وتواجه نحو 60 ألف امرأة فلسطينية حامل العديد من التحديات خلال فترة حملهن الصعب، ما يجعلهن أمام خيارات صعبة حتى بعد الولادة، في حين يصطدم الأطفال حديثي الولادة في أيامهم الأولى بنقص سبل الرعاية والعلاج والمتطلبات الأساسية بالتزامن مع الشح الشديد في عدد الحضانات نتيجة الاستهداف الإسرائيلي للمستشفيات ومراكز وأقسام الرعاية.