العدوان على جنين... مشاهد رعب وصمود لن ينساها الأهالي

06 يوليو 2023
انتقم الاحتلال من البشر والشجر والحجر في مخيم جنين (ناصر آشتيه/ Getty)
+ الخط -

على مدار يومين عاش أكثر من خمسة عشر ألف فلسطيني يقطنون في مخيم جنين والأحياء المجاورة، شمالي الضفة الغربية، تحت القصف المتواصل من طائرات الاحتلال الإسرائيلي والتفجيرات التي نفذها أكثر من ألف جندي اجتاحوا المخيم لمحاولة القضاء على عناصر المقاومة ضمن الأذرع العسكرية التابعة لحركات الجهاد الإسلامي وحماس وفتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ما خلّف مشاهد لن تنسى.
انسحبت كل قوات الاحتلال على وقع انفجار عشرات العبوات الناسفة المحلية الصنع في آلياتها، ثم اعترفت بمقتل أحد جنودها، لكن المقاومة أكدت أن الحصيلة أكبر من ذلك بكثير. ونتج عن العدوان الواسع سقوط 12 شهيداً، بينهم 5 أطفال، وأكثر من 140 جريحاً، بينهم نحو 30 في حال حرجة، توزعوا على المستشفيات في جنين ونابلس.
وجد أشرف نصري صعوبة بالغة في دخول منزله الذي يقع في حارة الدمج، وسط مخيم جنين، بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي. وعاين آثار الدمار الكبير الذي أحدثه الاحتلال، لكنه يؤكد أن هذه الخسارة "يمكن تعويضها بمقابل عدم خسارة أي مقاوم".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفيما جمعت جرافات الاحتلال مركبات محطمة أمام مدخل منزل نصري في حي الدمج، ساعده شبان في إزاحة بعضها قليلاً من أجل إحداث ثغرة ساعدته في الدخول إليه مع خمسة من أفراد أسرته.
يقول نصري لـ"العربي الجديد": "صدمنا ما شاهدناه، ولم نعتقد للوهلة الأولى بأننا في بيتنا الذي بدا كأن زلزالاً أصابه ودمّر كل محتوياته بشكل كبير. وقد أحدث جنود الاحتلال فتحات في معظم جدرانه استخدمها القناصة لإطلاق النار على كل من يتحرك في الخارج، كما جرى تكسير كل الأثاث والأجهزة الكهربائية، وتمزيق الملابس بعد رميها على الأرض، فبات لا يمكن ارتداؤها".
يضيف: "لا قيمة للحجارة ومحتويات البيت، وكل شيء يهون أمام إصبع أصغر مقاوم. يمكن تعويض الحجارة والأثاث بسهولة، لكن لو خسرنا مقاومين، فهذه كارثة حقيقية".
ويروي عبد الرحمن العامر، قريب الشهيد أحمد العامر الذي أردي برصاص الاحتلال في المخيم، لـ"العربي الجديد"، أن مجموعات للتواصل الاجتماعي نشرت اسم ابن عمه أحمد ضمن قائمة المصابين الذين اشتبكوا مع قوات الاحتلال، فاتصل بهاتفه من دون أن يحصل على رد قبل أن يبلغه شخص بأن ابن عمه أحمد نقل إلى مستشفى جنين الحكومي، وهو في حال الخطر".
وتعاظمت المأساة حين لم تفلح محاولات بذلها عبد الرحمن وشبان آخرون في الوصول إلى مستشفى جنين بسبب كثافة النيران والقصف والتفجيرات. وحين استطاع عبد الرحمن فعل ذلك إثر خروجه مع عائلته مع مئات من العائلات الأخرى من بيوتهم بعدما أجبرهم الاحتلال على ذلك، توجه فوراً إلى ثلاجات الموتى في المستشفى، لكنه لم يجد ابن عمه، ثم علم لاحقاً أن أحمد نقل برفقة خمسة شهداء آخرين إلى خارج مدينة جنين بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن الثلاجات وتعطلها. وبعدها عانق عبد الرحمن الشهيد أحمد حين كان يوارى الثرى مع باقي شهداء العدوان".

الصورة
يصعب تعويض الخسائر لكن المعنويات قوية (ناصر آشتيه/ Getty)
يصعب تعويض الخسائر لكن المعنويات قوية (ناصر آشتيه/ Getty)

من جهتها، لم تتمالك الحاجة بدرية الطوسي نفسها من البكاء وهي تطل من شرفة منزلها على المخيم بعدما تأكدت من انتهاء العدوان، وتقول لـ"العربي الجديد": "لا يمكن وصف ما جرى. أعادني ما حصل بالذاكرة أكثر من عشرين سنة إلى الوراء حين هدمت جرافات الاحتلال المخيم على رؤوسنا عام 2002 خلال عملية السور الواقي. وما جرى خلال اليومين الماضيين يشبه تماماً تلك الأحداث".
واحتل جنود الاحتلال الشقة العلوية للمبنى الذي تقطنه بدرية باعتباره يطل على حي الهدف، غربي مخيم جنين، ودهموا كل الشقق وصادروا الأجهزة الخليوية، وقطعوا شبكة الإنترنت، لكنها رفضت الخروج من منزلها في الليلة التي شهدت نزوح أكثر من 500 عائلة تحت تهديد قصف طائرات الاحتلال، وبقيت مع حفيدتها الطالبة في جامعة النجاح بنابلس. وتقول: "قلت لحفيدتي التي تحمل اسمي، لن أكرر النكبة، ولن أترك البيت، وأقنعتها بذلك بعد جدال، ومرت الأمور على خير".
وتجدد الجدة والحفيدة البيعة للمقاومة "فالمخيم داس مجدداً على رقاب جنود الاحتلال ومرّغ أنوفهم بالتراب. وأكبر دليل على ذلك، الجنون الذي سيطر عليهم وجعلهم ينتقمون من البشر والشجر والحجر بسبب فشلهم في القضاء على المقاومة".

الصورة
أحدث جنود الاحتلال فتحات في جدران منازل لإطلاق النار(عصام ريماوي/ الأناضول)
أحدث جنود الاحتلال فتحات في جدران منازل لإطلاق النار(عصام ريماوي/ الأناضول)

أيضاً تعرضت الطواقم الطبية لاعتداءات متعمدة من جنود الاحتلال الإسرائيلي. يقول الناطق باسم مستشفى ابن سينا التخصصي في جنين الدكتور توفيق الشوبكي لـ"العربي الجديد": "أعتبر هذا الاجتياح الأكبر والأخطر منذ سنوات طويلة، ووصل إلى المستشفى نحو عشرين مصاباً خلال الساعات الثلاث الأولى من العملية العسكرية الإسرائيلية، ثم أعلن استشهاد ثلاثة منهم، علماً أن الإصابات تركزت في الرأس والصدر بهدف القتل".
ويلفت الشوبكي إلى أن قناصة الاحتلال تعمّدوا استهداف المسعفين التابعين لوزارة الصحة والهلال الأحمر الفلسطيني ومسؤولي مستشفى ابن سينا، سواء خلال محاولاتهم الوصول إلى مصابين أو إخلاء عائلات خلال نزوحها.
وأشار الشوبكي إلى اقتحام آليات وشاحنات الاحتلال، الثلاثاء الماضي، باحة مستشفى ابن سينا وإطلاقها النار على مجموعة شبان كانوا موجودين هناك، ما أدى إلى جرح ثلاثة منهم.

وكان اللواء أكرم الرجوب، محافظ جنين، قد قال إن "حجم الخسائر جراء القصف الإسرائيلي في مخيم جنين كبير جداً، وكله يتعلق بالبنى التحتية على مستوى الكهرباء والمياه والصرف الصحي".
وتابع: "اقتحم الجيش الإسرائيلي المخيم من بيت إلى بيت، وجميعها متلاصقة، لذا دمر الجدران للوصول إلى بيوت أخرى اقتحمها. ليس من السهل حصر الأضرار خلال فترة قصيرة".
ويتوقع أن تواجه جنين آثاراً اقتصادية على المديين القصير والبعيد من خلال تعطل حياة الناس وخدماتهم، والتأثير في حركة الشراء والتسوّق، وتحديداً من أهالي الداخل المحتل الذين تعتمد عليهم جنين كرافد مادي وتجاري أساسي، باعتبار أن العلاقة الاقتصادية مبنية على أساس اجتماعي في جنين مع الداخل، بحسب ما قال الخبير الاقتصادي وأمين سر الاتحاد العام للاقتصاديين في جنين نصر عطياني لـ"العربي الجديد".

المساهمون