يعتبر الطلاق من بين التحديات التي تواجه الأسر في محافظة درعا السورية، وتسجّل المحاكم عدداً قياسياً من القضايا والأحكام، كما تمتد الحالات إلى أسر تعيش خارج البلاد.
يشكل تزايد عدد حالات الطلاق في محافظة درعا جنوب سورية تحدياً للأسر والمجتمع الذي يتمتع بخصوصية محافظة إلى حدّ كبير. وبحسب المكتب الوطني للإحصاء التابع للنظام السوري، بلغ عدد عقود الزواج في المحافظة 5931 وحالات الطلاق 359 عام 2010 حين كان عدد سكانه يقدّر بمليون. أما في عام 2022 فبلغ عدد عقود الزواج 13.329 وحالات الطلاق 2714 من أصل 1.2 مليون.
يقول قاضٍ شرعي في محكمتي بصرى الشام والمسيفرة لـ"العربي الجديد": "ارتفعت نسبة الطلاق إلى 45 في المائة بعد الحرب مقارنة بـ20 في المائة قبلها، ما يعني أن الطلاق تحوّل إلى ظاهرة كبيرة بسبب الفقر والبطالة والخيانة الزوجية وقلّة الوعي، وغياب الاستقرار وانتشار المخدرات، وعدم تأهيل الزوجين في شكل مناسب".
ويخبر المحامي محمد المقداد "العربي الجديد" أن عشرات دعاوى الطلاق تسجّل يومياً في المحكمة، ومعظمها لزيجات في الأشهر أو السنوات الأولى، ويقول: "تحوّل المجتمع إلى أنثوي بالمفهوم العددي، إذ تظهر الإحصاءات تزايد عدد الإناث مقارنة بالذكور بعد هجرة الشباب بحثاً عن واقع أفضل، أو مقتل أو اختفاء عدد كبير منهم خلال الحرب".
وتتحدث مديرة مركز أمل للمناصرة، أمل السلامات، لـ"العربي الجديد"، عن أن "المجتمعات هجينة في سورية، ولم تطوّر تجاربها الخاصة، كما تتأثر سلباً بالحداثة التي أفقدتها جزءاً مهماً من قيمها الاجتماعية والدينية التي تحكم العلاقة بين الزوج والزوجة، كما وسّعت مواقع التواصل الاجتماعي دائرة التفاعل مع العالم الخارجي، ومزجت بين الأفكار الواقعية وتلك الخيالية، وكرّست صورة نمطية للرجل والمرأة غريبة عن المجتمع. الناس ينسون أن جهازاً كاملاً يقف خلف هذه الصور المصطنعة لطمس قيم المجتمع، وتعميم أخرى تجعل الزوجين يرفضان واقعهما".
وحول ارتفاع نسب الطلاق بين أبناء محافظة درعا في بلدان اللجوء تقول السلامات: "هناك فارق شاسع بين المجتمعات الشرقية والغربية على صعيد العادات والتقاليد والمعتقدات، فالمجتمع الغربي يتعامل مع العائلة كأفراد يحظون بحماية القانون، أما المجتمع الشرقي فيتعامل مع الأسرة ككتلة واحدة ذات حريات محدودة. هكذا تنشأ في حياة العائلات الشرقية بالخارج خلافات تتزامن مع صعوبة الاندماج، ورغبة الطرفين، خصوصاً المرأة، في الحصول على الحقوق الفردية، فيصبح الطلاق هو الخيار الأسهل".
تروي زينة البالغة 23 سنة، وهي طالبة جامعية من محافظة درعا، لـ"العربي الجديد"، أنها تعرفت إلى زوجها السابق من خلال أهله حين كانوا نازحين في محافظة مجاورة، وكان لا يزال يؤدي الخدمة العسكرية حينها فاستمرت فترة خطوبتهما أربع سنوات حتى أنهى الخدمة العسكرية حين كان يبلغ 32 سنة. وتقول: "في يوم زفافنا تزوجت أختي رنا حين كانت في سن الـ 16 من شقيق زوجي البالغ 20 سنة، وسكنا جميعاً في نفس المنزل مع والد زوجي ووالدته وأخته التي مات زوجها خلال الحرب ولديها ثلاث بنات، فتحوّل المنزل إلى سجن لا نملك فيه أي نوع من الحرية أو الاستقلالية أو القدرة على اتخاذ قرار، إذ تتدخل العائلة في كل تفاصيل الأكل واللباس، وحتى الخروج من المنزل".
تضيف: "كان زوجي وشقيقه لا يعملان، واعتمد الجميع على الوالد الذي كان يتكفل بالحدّ الأدنى لمصاريفنا، ورزقت شقيقتي بطفلة بعد أقل من عام، لكنها لم تستطع التحمل، فانفصلت عن زوجها، ما أوجد خلافاً بيني وبين زوجي وأهله في شأن طريقة التعامل مع أختي، ثم انتهت علاقتي مع زوجي بالطلاق بعد ثلاثة أشهر من طلاق أختي، وتحوّلت حياتنا إلى جحيم لأن المجتمع لا يرحم".
أما سوزان (35 سنة)، وهي مُدرِّسة وأم لطفلين، فتقول لـ"العربي الجديد": "تزوجت خلال سنوات الحرب القاسية وقبلت التنازل عن كل مستحقاتي، ولم أطلب شيئاً خارج إمكانات زوجي الذي كان مقاتلاً في الجيش الحر، وقبلت أن أسكن مع أهله. وبعد إصدار التسويات مع قوات النظام عام 2018 لم تقبل تلك لزوجي الذي ظلّ مطلوباً أمنياً فأقنعته بضرورة الهجرة، واستدنت مبلغاً مالياً من أهلي وأختي لمساعدته في تأمين تكاليف خروجه باعتباره كما يقولون رأس مالنا. بعدها عشنا أشهراً مليئة بالترقب والخوف على حياته، بعدما سلك طريق لبنان بشكل غير نظامي للوصول إلى ليبيا ثم عبر البحر إلى إيطاليا ومنها إلى ألمانيا".
تضيف: "بعدما حصل على اللجوء نسجت الأحلام، وانتظرت بفارغ الصبر أن يجري لمّ الشمل، وتخيّلت أننا سنجتمع مع طفلينا ونبدأ حياة جديدة، ثم اكتشفنا بعد ثلاث سنوات أنه متزوج من ألمانية، ولم ينفذ أي إجراءات للمّ الشمل. حينها أدركت حجم الخذلان، ورغم أن جميع أفراد عائلتي وقفوا في صفي، كان الانفصال أمراً لا بدّ منه كي أعود إلى بيت أهلي مع طفلي، لينتهي حلمي بكابوس".
وتتعدد أسباب الطلاق بين السوريين في أوروبا. وفي حالة فراس (37 سنة) الذي يتحدر من درعا البلد، وهو أب لطفل لم يتجاوز السادسة من العمر، طلبت زوجته الطلاق منه بعد زواج دام 4 سنوات، وذلك بعد 4 أشهر من وصولهما مع الطفل إلى هولندا.
ويقول فراس لـ"العربي الجديد": "بعد أشهر من الاستقرار في هولندا، وبدء دورات الاندماج، تعرفت زوجتي إلى مجموعة من السيدات العربيات والسوريات المسؤولات عن النساء العربيات في هذه الدورات، ثم بدأ أبسط نقاش أجريه معها يحتد ويصل أحياناً إلى المقاطعة لفترة يومين أو ثلاثة أيام. لم تعد تعجبها عاداتنا وتقاليدنا، وباتت تهاجمني بالحديث في أي مناسبة. وفي نهاية المطاف طلبت مني الطلاق الذي أصرّت عليه حتى حققت طلبها مع رفض أن تحتضن ابننا".
يضيف: "أنا لست ضد تحرر المرأة، خصوصاً أنني درست الحقوق ونشطت في مجال حقوق المرأة تحديداً، لكن ما تحصل عليه النساء السوريات في بلدان اللجوء يتعدى حدود الحقوق إلى نوع من اعتبار الرجال الشرقيين أعداء أحياناً، ونسيان أنهن شرقيات".
ويربط كثير من أهالي المحافظة النسبة العالية للطلاق إلى عام 2018 الذي شهد سيطرة جيش النظام السوري على المحافظة في ظل أوضاع اقتصادية سيئة، وانتشار البطالة والفوضى الكبيرة.
ويذكر باحث اجتماعي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية لـ"العربي الجديد" أن "سيطرة الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري على درعا أغلقت العديد من المؤسسات والمبادرات والجمعيات التي كانت تعتبر الدخل الرئيسي والوحيد لأسر كثيرة في ظل انتشار البطالة الواسعة، ما أدى إلى حدوث مشاكل كبيرة بدأت بخلافات على المتطلبات اليومية ثم تطوّرت إلى عنف أسري انتهى بطلاق أحياناً".
ويؤكد الباحث أن "انتشار الزواج المبكر والبحبوحة قبل هذه الفترة جعل عدداً من الشبان يبحثون عن المتعة وتعاطي المخدرات. ومع سيطرة الجيش والأمن السوري على المناطق وتنفيذه حملات لملاحقة المطلوبين أمنياً أو لتأدية الخدمة العسكرية، هرب عدد كبير من الرجال والشبان من المحافظة، وكان نصيب عائلاتهم من التشرّد كبيرا وحصول غالبية نسائهم على طلاق".
وعموماً تبقى نسب الطلاق وأرقامها غير دقيقة في درعا، كما الحال في كل سورية، نتيجة تعمد النظام إهمال الحقائق وطمسها، لكن محامين وقضاة يجمعون على أن النسبة قد تصل إلى 50 في المائة.