الصين: طوق نجاة لتلاميذ خاملين

07 أكتوبر 2022
استفاد تلاميذ متخلفون عن الدراسة من المدارس الخاصة الجديدة (وانغ لوزهو/ Getty)
+ الخط -

أطلقت مراكز تعليمية خاصة في الصين مشروعاً يضم عشرات المدارس لاستيعاب وإعادة تأهيل تلاميذ لم يستطيعوا استكمال دراستهم النظامية، بسبب تدني درجاتهم أو رسوبهم، أو أسباب أخرى تتعلق بمواجهتهم صعوبات في التعليم
ويقول القائمون على المشروع إن "أطفالاً كثيرين يعانون من صعوبات في التعلم يتعرضون غالباً لسوء فهم من آبائهم ومعلميهم الذين يعتبرونهم متهربين من الدراسة، أو تلاميذ سيئين بسبب علاماتهم الضعيفة". 
ويعزو هؤلاء مشكلات هذه الفئة من التلاميذ إلى نقص التثقيف الأسري والنمو العصبي والاضطرابات النفسية والعوامل البيئة المحيطة. ويوضحون أن أعراض عقبات التعلم تتراوح بين صعوبة القراءة والخلل في الكتابة، واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، وصولاً إلى تأخر النمو العقلي أحياناً. 
وقد استقبل المشروع حوالى 1500 تلميذ في كل من المركز المتخصصة التي تتوزع على 12 مقاطعة ومنطقة خلال الفصل الأول من العام الحالي، وهي تقدم خدمات متنوعة تشمل العلاج النفسي، وتنمية المهارات، وتأهيل الطلاب كي يصبحوا متفوقين وفاعلين في المجتمع.
يقول لين جين وانغ، وهو والد طفل في الـ12 من العمر اضطر إلى ترك الدراسة مبكراً بسبب معاناته من صعوبات في النطق، لـ"العربي الجديد": "تمنح هذه المدارس فرصاً ذهبية لطلاب لم تسمح الظروف بأن يستكملوا تعليمهم. وقد عانى ابني منذ صغره من صعوبة في النطق، وتجميع الجمل خلال وقت طويل، ما تسبب في مشكلات كثيرة له، مثل التنمر من أبناء جيله، وشعوره بالحرج في كل مرة يتحدث فيها أمام الآخرين. كما أصيب بيأس وإحباط أثّرا على شخصيته وسلوكه، وحصلت الصدمة حين تلقينا إشعاراً من مدرسته الابتدائية في مقاطعة لياونينغ بأنه لا يمكن أن يستمر في التعليم، بحجة أن دائرتها الصحية صنفته بأنه يعاني من إعاقة من الدرجة الثانية". 
يضيف: "لازم ابني المنزل ثلاث سنوات، من دون أن يخرج منه إلا قليلاً، وحين سمعنا بافتتاح مدرسة خاصة في المقاطعة لاستيعاب الطلاب المتخلفين عن الدراسة ارتأينا تسجيله، وهو في تحسن مستمر حالياً، وبات نطقه للكلمات أكثر وضوحاً".
من جهتها، تقول آن شو يانغ، وهي أم لتلميذ طردته مدرسة في مدينة شيامن بحجة أن علاماته متدنية بسبب البطء في الاستيعاب، لـ"العربي الجديد": "بعد عامين من طرد ابني، لم أتخيل أن يحالفه الحظ مجدداً لاستكمال دراسته. ومثلت المدرسة الخاصة طوق نجاة حقيقياً، وأعادت إليه الثقة بنفسه. ومع مرور الوقت بات أكثر إقبالاً على التعلم، وأخبرنا أساتذته أنه يمكن أن يستكمل دراسته المتوسطة والثانوية حين يستكمل المناهج المقررة في مدرسته".

ورداً على سؤال عن طبيعة عمل المدارس الخاصة، والفئة المستهدفة، والخدمات التي تقدمها، ودورها في إعادة تأهيل فئات قد تترك على الهامش في مجتمعات أخرى، يقول مسؤول العلاقات العامة في مدرسة جيلين المتخصصة دا سون، لـ"العربي الجديد": "تتبع المدارس القطاع الخاص، لكنها تتلقى دعماً حكومياً في نفس الوقت، وتعترف وزارة التعليم بشهاداتها، وهدفها الأول إعادة تأهيل الطلاب الذين تخلفوا عن مسارهم التعليمي لأسباب صحية، أو بسبب قصور في الاستيعاب والتحصيل العلمي. وهي تمنح أولوية للتلاميذ الصغار في المرحلة الابتدائية، والذين تحاول إنجاز مهمات تأهيلهم مبكراً من أجل إلحاقهم بالصفوف المتوسطة والثانوية".

تعكس المدارس الخاصة حاجة مجتمعية ملحة (Getty)
تعكس المدارس الخاصة حاجة مجتمعية ملحّة (Getty)

يضيف: "تنتشر هذه المدارس في عدد من المقاطعات الصينية، وجرى وضع خطة استراتيجية لجعل خدماتها التعليمية متاحة في كل منطقة، خصوصاً أن الإقبال على التسجيل كان كثيفاً ومفاجئاً، وعكس حاجة مجتمعية ملحة لفئة مهمشة لم يُنظر إليها في شكل مثالي".
وإذا كانت هذه المدارس تندرج ضمن خطة وطنية لرفد القوة العاملة في ظل شبح شيخوخة المجتمع الصيني، يقول دا سون: "لا يمكن استبعاد شبح الشيخوخة، وتأثيرها على القوة العاملة في ظل تدني معدلات المواليد الجديد وعزوف الأجيال الجديدة عن الإنجاب، لكن المشروع يتبع القطاع الخاص، ولا توجيهات حكومية مسبقة في شأنه، لكن ذلك لا يمنع أنه قد يشكل إعادة تأهيل فئة تعتبر خاملة في مجتمعات أخرى، وإضافة كبيرة لسوق العمل في المستقبل، خصوصاً أن من يتخرجون من هذه المدارس يمكن أن يواصلوا دراستهم ويندمجوا بطريقة طبيعية في المجتمع".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وخلال السنوات الأخيرة، شهدت الصين انحساراً كبيراً في نسبة الشباب بالمجتمع. وبلغ عدد المواليد الجدد 12 مليوناً عام 2020، بانخفاض نسبته 15 في المائة مقارنة بالعام السابق، وهو أدنى مستوى في تاريخ الصين منذ ستة عقود. أما عدد المسنين في البلاد خلال العام الماضي فبلغ 255 مليوناً، ويتوقع أن يصل عدد الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً إلى 300 مليون بحلول عام 2025، ما يمثل نحو 20 في المائة من إجمالي عدد السكان. من هنا حذّر خبراء من أزمة ديموغرافية، ودعوا الحكومة إلى تقديم مزيد من الحوافز للسكان من أجل حثهم على الإنجاب لضمان وفرة القوة العاملة اللازمة التي تضمن الحفاظ على مسيرة التنمية والمكانة الاقتصادية للصين.

المساهمون