أثار إعلان جمعية تنظيم الأسرة في الصين (منظمة حكومية) عن تدخّلها في عمليات إجهاض النساء غير المتزوجات ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية. وجاء في المادة التاسعة من تقرير الجمعية، الذي نشر على موقعها الإلكتروني في 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، أنه سيتم بذل جهود خاصة للتصدي لشواغل الصحة الإنجابية لمجموعات محددة، وستكون هناك حملات خاصة للتدخل عندما تسعى النساء غير المتزوجات والمراهقات إلى الإجهاض، ومن أجل تعزيز القيم التقليدية وتشجيع المواطنين على إنجاب المزيد من الأطفال. أمر اعتبره مراقبون تشجيعاً على الحمل خارج إطار الزواج. وبررت الجمعية قرارها قائلة إنه يهدف إلى تحسين الصحة الإنجابية، ويأتي ضمن حزمة من برامج الصحة العامة التجريبية لتشجيع الصينيين على إنجاب أكثر من طفل واحد، بعد تدني معدلات المواليد الجدد خلال الأعوام الماضية إلى مستويات قياسية.
وقال حقوقيون في البلاد إنه نظراً إلى تاريخ الصين الحافل بتقييد الحقوق الإنجابية للمرأة والاستقلال الجسدي من خلال وسائل وتدابير غير آدمية، فإن هذا الأمر مدعاة للقلق. وبحسب بيانات رسمية، فإن إجمالي حالات الإجهاض في الصين بلغ 9.5 ملايين خلال السنوات الخمس الماضية، وما يقرب من نصف النساء اللواتي أجهضن تقل أعمارهن عن 25 عاماً، وتعتبر الصين واحدة من أكثر الدول التي تشهد عمليات إجهاض على مستوى العالم.
دروس تثقيفية
كيف تخطّط جمعية تنظيم الأسرة للتدخل في مسألة الإجهاض؟ وهل تلقى العاملون في القطاع الطبي أية توجيهات سياسية جديدة لوقف عمليات الإجهاض للنساء غير المتزوجات؟ تقول الطبيبة في مستشفى التوليد المركزي في العاصمة بكين لو مي وانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الدائرة التي تعمل فيها لم تتلق أي توجيهات في هذا الشأن، لكنها توقعت أن يكون الأمر مجرد دروس تثقيفية للشبان والشابات من أجل معالجة حالات الحمل غير المرغوب فيه، وتحسين الصحة الإنجابية وجودة الخصوبة، لافتة إلى أن ذلك لا يعني بالضرورة حظر الإجهاض بالقوة. تضيف أن جمعية تنظيم الأسرة دأبت خلال الفترة الأخيرة على إطلاق برامج صحية تهدف إلى معالجة مشكلة الإجهاض، من خلال تعزيز ثقافة أسرية إيجابية للأزواج تدعو دائماً إلى توفير رعاية صحية أفضل للنساء قبل الولادة وبعدها، وتشجع كلا الوالدين على تقاسم مسؤولية رعاية الأطفال، والقضاء على الممارسات التقليدية التي ظهرت في المجتمع الصيني بعد سياسات تحديد النسل، مثل إجهاض الأجنة الإناث طمعاً في الذكور، أو إجهاض الأجنة في حالات الحمل خارج إطار الزواج.
وكان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية قد أعربوا عن مخاوفهم من أن يتسبب القرار الجديد بمشاكل اجتماعية، بسبب احتمال إجبار النساء على الاحتفاظ بالجنين حتى لو تم الحمل من دون تخطيط مسبق. وكتبت شو نينغ على صفحتها على موقع "ويبو" (المعادل الصيني لموقع تويتر): "ماذا لو لم تكن المرأة مستعدة نفسياً وذهنياً لرعاية الطفل؟ وكيف ستتصرف لو لم يعترف الأب بابنه... من سيعيل الطفل؟".
أما سان شيانغ فتسأل إن كانت الجمعية ستتكفل بحضانة الأطفال في حال عدم قدرة الزوجات على تحمل أعباء وتكاليف الرعاية.
مخاوف من الانتحار
وفي ما يتعلق بتداعيات ذلك على المجتمع الصيني والمفاهيم الخاصة بالزواج والأسرة والعادات الاجتماعية، يقول الباحث في مركز "دا شينغ" للصحة النفسية وو جيانغ، لـ"العربي الجديد"، إن "إجبار النساء على الاحتفاظ بجنين غير مرغوب فيه قد يؤدي إلى عواقب كبيرة تتجاوز مسألة الحرص على الصحة الإنجابية، لأن ذلك يعني خلق مناخ نفسي قد يدفع بعض الفتيات، خصوصاً صغار السن، إلى الانتحار".
ويوضح أنّ هناك انعكاسات خطيرة قد تؤدي إلى تناحر مجتمعي، وخصوصاً في الريف الصيني الذي ما زال يحافظ على هامش من الثقافة التقليدية الرافضة للإنجاب خارج منظومة الزواج، وبالتالي، فإنّ منع الفتيات من الإجهاض في مثل هذه الحالات قد يؤدي إلى مشاكل أسرية قد تصل إلى حد القتل. ويلفت إلى أنّ ما يجب التركيز عليه هو تقليل نسبة الحمل غير المرغوب فيه وليس منع الإجهاض، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة الأسرة والاحترام المتبادل بين الجنسين وتقديم المزيد من الحوافز المادية والضمانات للشباب من أجل الإقبال على الزواج من دون التفكير بالتكاليف الباهظة لرعاية الأطفال.
ويخشى العديد من الشباب الصينيين إنجاب الأطفال بسبب تكاليف رعايتهم المرتفعة، بالإضافة إلى المخاوف من نقص دعم رعاية الأطفال من الحكومة، وصعوبة الحصول على الرعاية الطبية اللازمة أثناء جائحة كورونا. وكانت السلطات الصينية قد خففت، في مايو/ أيار من العام الماضي، القيود الخاصة بسياسات تحديد النسل، الأمر الذي سمح للأزواج بإنجاب ثلاثة أطفال. وجاءت هذه الخطوة بعد انخفاض معدل المواليد الجدد إلى مستويات قياسية، حيث بلغ عدد المواليد الجدد في الصين 12 مليوناً خلال عام 2020، بنسبة انخفاض 15 في المائة مقارنة بالعام السابق، وهو أدنى مستوى في تاريخ الصين منذ ستة عقود. وقد أرجع خبراء في الصحة الإنجابية تدني نسبة المواليد الجدد إلى الانخفاض المستمر في عدد النساء في سنّ الإنجاب، وذلك كنتيجة حتمية لاختلال التوازن بين الجنسين، وعزوف عدد كبير من الشباب عن الزواج لأسباب لها علاقة بالظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة.