تزخر مواقع التواصل الاجتماعي في روسيا بقصص ركاب فوجئوا حين استقلوا سيارات أجرة بأن السائقين لا يتفاعلون معهم، واكتشفوا لاحقاً أنهم من الصم والبكم، ووجدوا داخل السيارة إعلاناً يُفيد بذلك، وإخطاراً مسبقاً عن هذا الأمر ضمن تطبيقات استدعاء سيارات الأجرة.
تكتب فتاة عن تجربتها في منصة "دزين" الروسية: "جلست في السيارة، ورحبت كفتاة مهذبة بالسائق، وأبلغته وجهتي لكنني لم أسمع أي رد منه، بل ساد الصمت في حين لم تشغل أي موسيقى. وحين رفعت عيني رأيت لافتة كتب عليها بأحرف كبيرة عبارة ينقلكم سائق أصم أو ضعيف السمع. كيف يحصل الأشخاص الصم والبكم على رخص قيادة؟ علماً أنني لست ضدهم، لكن ماذا سيحصل إذا تطلب الأمر أن أشرح لهم الطريق أو أشير إلى طريق أقصر؟".
لكن تشغيل الصم والبكم كسائقين لا يتعارض مع قواعد السير في روسيا التي تسمح بأن يحصلوا على رخص لقيادة السيارات الخفيفة، حتى من دون استخدام جهاز للسمع، إذ تقتصر الفحوص الطبية اللازمة لاستخراج رخصة قيادة على اختبار حاسة البصر، والتأكد من عدم معاناة السائق من الإدمان، أو إصابته بأمراض عقلية.
وتشير بيانات أصدرها تطبيق "ياندكس غو" في منتصف العام الماضي، إلى أنه يتعامل مع أكثر من 2500 سائق أصم وأبكم، بعدما باتوا يستطيعون ممارسة هذا العمل بفضل التكنولوجيا الحديثة التي تسمح باستدعائهم والحصول على خدماتهم كسائقين من دون إجراء اتصال هاتفي، والتنقل باستخدام أنظمة الملاحة وتحديد المواقع.
ويشيد رئيس نقابة سائقي سيارات الأجرة في موسكو، نيقولاي كودولوف، بتجربة تشغيل الصم والبكم كسائقين، ومنحهم فرصاً للعمل والاندماج في المجتمع، تمهيداً لتحسين ظروف عيشهم. ويقول لـ"العربي الجديد": "هذه تجربة جيدة لتوفير فرص عمل للصم والبكم كي يحصلوا على مصادر رزق، ولا يشعروا بالتالي بأنهم مهمشون ولا يستطيعون تلبية احتياجاتهم من خلال مجهودهم الشخصي. والتطبيقات الحديثة التي تتضمنها الهواتف الخلوية تجعل الراكب يعرف مسبقاً بأن السائق أصم وأبكم، ما يعني أنه يستطيع أن يلغي الرحلة إذا كان لا يناسبه ركوب سيارة يقودها شخص أصم أو أبكم"، علماً أن تطبيق ياندكس غو يسمح للصم والبكم بالعمل في الفئتين الاقتصادية والمريحة، ولكن ليس في سيارات الفئات الفارهة".
ويوضح أن "السائقين الصم والبكم لا يواجهون أي تمييز على صعيد الأجور الممنوحة لهم مقابل الخدمات التي يقدمونها، فهم ينقلون الركاب بالتعريفات نفسها التي يتقاضاها باقي السائقين، علماً أن سائق سيارة أجرة في موسكو يكسب عائدات يومية تتراوح بين 3 و6 آلاف روبل (40 و80 دولاراً)، بحسب عدد ساعات العمل، وقيادته سيارة يملكها أو يستأجرها".
وباعتبار أن عمل الصم والبكم كسائقين يظهر إرادتهم الكبيرة في العمل وإثبات الذات، وإصرارهم على تحدي عقبات الإعاقة، تهتم وسائل إعلام بعرض قصصهم التي يتابعها جمهور واسع.
وتناول موقع "تي إس إن 24" المحلي في مدينة تولا التي تبعد نحو 200 كيلومتر جنوب موسكو، قصة سائق في الـ50 من العمر يدعى أنطون كان فقد حاسة السمع خلال طفولته، لكنه اتبع طوال عمره نمط حياة نشيطا من خلال التعليم والعمل، ثم انتقل في السنوات الأخيرة للعمل كسائق سيارة أجرة بعدما اشترى سيارة من طراز "هيونداي سولاريس"، وبدأ يدفع أقساطها.
ويؤكد: "يعجبني العمل كسائق سيارة أجرة. اشتريت سيارة بالتقسيط على خمس سنوات، وستصبح ملكي بعد أربع سنوات. ليس العمل كسائق صعباً، ويتعامل الركاب معي باحترام غالباً، وأنا مهذب معهم أيضاً. وعموماً أبدأ عملي عند الساعة الخامسة صباحاً، وقد أكرر جولاتي بين الساعة الخامسة والسابعة مساءً".
وتروّج شركة "ياندكس غو" لعمل الصم والبكم كسائقين. ويظهر مقطع دعائي نشرته على موقع "يوتيوب" شاباً في الـ23 من العمر يدعى أنطون أيضاً ويتحدر من مدينة ساراتوف (جنوب)، يبدي بلغة الإشارة سروره بالعمل كسائق أجرة بسبب الجدول المريح، والمردود المادي الجيد الذي يحصل عليه.
ويقول عن تجربته: "يكتب لي الركاب للاستفسار عن كيفية سماع أصم دوي صفارة سيارة إسعاف؟ صحيح أنني لا أسمع، لكنني أتمتع بقدرة على التفاعل بسرعة أكبر ممن يملكون حاسة سمع. وإذا تواجدت سيارة إسعاف قربي أرى ضوء الصافرة، وكذلك أذا كانت السيارات الأخرى تفسح الطريق أمامها. أيضاً يتمتع الأصم بحاسة بصر قوية".
وفي غياب إحصاءات دقيقة لعدد الصم والبكم في روسيا نظراً إلى اختلاف التعريفات المستخدمة في تحديدهم، وعدم توضيح ما إذا كانت تقتصر على من فقدوا حاسة السمع كلياً أم لا، تشير تقديرات اتحاد عموم روسيا للصم إلى أن أكثر من 300 ألف شخص في البلاد يستخدمون لغة الإشارة كلغة تعبير أساسية لهم.