ما زال جُرح عائلة الطفل الفلسطيني محمد صلاح البالغ من العمر 13 عاماً الذي قتله جنود الاحتلال الإسرائيلي، مساء الثلاثاء الماضي، جنوب غربيّ بلدة الخضر جنوب بيت لحم في جنوب الضفة الغربية، مفتوحاً، علماً أنّه نكأ جراح عائلات أخرى في بيت لحم التي قتل الاحتلال أطفالها بطريقة مشابهة، من أمثال أمجد أبو سلطان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويُطرح السؤال عن استهداف قوات الاحتلال الأطفال الفلسطينيين بكمائن لتصفيتهم.
وبينما يزعم الاحتلال أنّ صلاح قذف جنوده في المكان بـ"المولوتوف"، ينفي الأمر عمّ الشهيد أبو صلاح. ويتحدّث لـ"العربي الجديد" مستنكراً إعدام ابن شقيقه "بدمٍ بارد من دون أن يكون (الفتى) قد شكّل أدنى أشكال الخطر على جنود الاحتلال". ويقول أبو صلاح: "كان في إمكانهم إطلاق النار في الهواء، في حال ثبوت التهمة التي تشير إلى أن محمد شكّل تهديداً لقوات الاحتلال بالفعل"، متسائلاً: "ما الذي أنجزه هؤلاء الجنود بقتلهم طفلاً؟". يضيف العمّ: "لقد احترق قلب والدَيه وجُنّ جنون أخواته الخمس وأخوَيه".
في حدود الساعة السابعة من مساء الثلاثاء الماضي في 22 فبراير/ شباط الجاري، كان الشهيد محمد صلاح بالقرب من منطقة حاجز النشاش، تحديداً بالقرب من جدار الضم والتوسع الذي أقامه الاحتلال لتفسيخ روابط الأرض الفلسطينية. هناك تقيم ابنة عمته، وقد أخبر والده بتوجهه أولاً إلى منطقة بوابة الخضر التي تفصلها عن مكان استشهاده نحو كيلومتر واحد.
ويوضح عمّ الفتى الشهيد أنّه "عندما أخبر محمد أباه بأنّه يتوجّه مع أصحابه إلى البوابة، شتم والده البوابة، قائلاً: ما لنا ومال الذهاب إلى تلك المنطقة؟!". يضيف أنّ "تلك المنطقة معروفة بالمواجهات مع الاحتلال، وقد تكون غير آمنة في بعض الأوقات بسبب تمركز جنود الاحتلال في برج عسكري على بعد كيلومتر منها، بالإضافة إلى تحركات دورياته في المنطقة الفاصلة ما بين بوابة الخضر والجدار، وصولاً إلى حاجز النشاش (نهاية بلدة الخضر غرباً) والتفافاً إلى مدينة بيت جالا من الجهة الأخرى من جدار الفصل العنصري".
بحسب رواية الاحتلال، فإنّ محمد صلاح ألقى زجاجة "مولوتوف" حارقة على جنوده الذين ردّوا بإطلاق رصاصة أردته على الفور، إذ أصيب مباشرةً في منطقة الظهر. ويسأل العمّ: "لو صحّت رواية الاحتلال، فكيف لزجاجة مولوتوف أن تتجاوز علوّ الجدار الذي نعرف جميعاً ارتفاعه الكبير في منطقة الخضر؟"، مضيفاً: "كذلك بلغنا أنّ جنود الاحتلال كانوا يغطّون أنفسهم ولباسهم العسكري بأقمشة تمويه، وهذا يعني أنّ محمد استدُرج وأُحكم كمين لقتله". ويتابع: "ماذا فعل الطفل ليُقتَل بهذه الطريقة؟!".
وفي السياق نفسه، أكّد شهود عيان لعائلة الشهيد أنّ جنود الاحتلال ادّعوا بعد قتله محاولة تقديم الإسعافات الأولية له. وبحسب العائلة، فإنّ ضباط الاحتلال، وعقب استشهاد ابنها، حاولوا الإشارة إلى أنّ محمد صلاح كان أحد "المخرّبين" بحسب وصف الاحتلال، وقد قُتل في كمين مُحكم غربي بلدة الخضر.
يحاول العمّ المكلوم لملمة جراحه، فيما يصبّ غضبه على الاحتلال وروايته التي يصفها بـ"المضللة". ويبدي استغرابه وإعجابه بتماسك والد الطفل رزق صلاح (في الأربعينيات من عمره) فيما يؤكد أنّ حال والدته مريم (في الثلاثينيات من عمرها) "سيّئ"، وخصوصاً أنّها أُدخلت إلى المستشفى مرّات عدّة، علماً بأنّ نساء العائلة يحاولنَ مساندتها وتوفير الدعم النفسي لها. ويلفت أبو صلاح إلى أنّ "أخواته وإخوته سيفتقدون مشاكسة محمد ومشاحاناتهم".
ومحمد صلاح كان اجتماعياً ومحبوباً ونشيطاً ويساعد عائلته، وهو في الصفّ السابع في مدرسة "سعيد بن العاص" في بلدة الخضر. لكنّ رصاص الاحتلال أنهى كلّ شيء. وتذكّر حادثة قتل صلاح بقتل الاحتلال الطفل أمجد أبو سلطان في الخريف الماضي، واستهداف الطفل محمود صلاح قبل نحو عامَين وإصابته بالرصاص المتفجر في قدمه، الأمر الذي أدّى إلى بترها.
وبحسب عمّ الطفل أبو صلاح، "ثمّة قواسم مشتركة بين كلّ الحوادث، ولا سيّما طريقة الاستهداف والمواقع ومحاولات الاستدراج التي يقوم بها ضباط الاحتلال واستخباراته، وذلك في استهداف بات واضحاً لأطفال منطقة بيت لحم، وتحديداً أطفال المناطق الساخنة في مواجهتها مع الاحتلال". فتلك المناطق تشكّل الأطراف المختلفة جغرافياً لحدود مدينة بيت لحم مع مدينتَي القدس والخليل وحدود جدار الضم والتوسع العنصري والمستوطنات الجاثمة على أراضيها وشارع القدس-الخليل الذي حوّل الاحتلال مسافة منه إلى جزء من شارع 60، وهو شارع التفافي يخدم المستوطنين في مناطق واسعة في الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. وهذه المناطق على سبيل المثال، لا الحصر: بلدة الخضر، ومنطقة بئر عونة، ومنطقة حاجز "DCO" المقام غربي مدينة بيت جالا، ومخيّم عايدة غرباً، ومخيّم الدهيشة جنوباً، ومنطقة الحاجز الشمالي وسط مدينة بيت لحم.