تواصلت عمليات البحث عن ناجين في اليوم الثالث على الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية فجر الإثنين الماضي، وتزامن ذلك مع ارتفاع عدد الضحايا في سورية بشكل مطرد. ويتوقع أن يرتفع عدد القتلى في شكل كبير بسبب وجود مئات من العائلات تحت أنقاض الأبنية والمنازل المدمرة، وبطء عمليات رفع الأنقاض نتيجة افتقاد المعدات المناسبة، خاصة في الشمال السوري، ما يظهر الحاجة الملحة لتلقي مساعدات من الخارج لهذا البلد المنكوب أصلاً بعد 12 عاماً من الحرب.
وقد وصلت بعض المساعدات على متن رحلات جوية الى مطاري حلب ودمشق لإغاثة المناطق المنكوبة الخاضعة لسيطرة النظام، لكن مناطق شمال غربي سورية لم تتلقَ أية مساعدات بعد ثلاثة أيام من الكارثة، باستثناء وصول فريق تقني مصري إلى منطقة جنديرس بعفرين من أجل تقييم الأضرار، وتقديم مشورة في شأن عمليات رفع الأنقاض.
يوضح محمد سلو من "الدفاع المدني السوري" لـ"العربي الجديد" أن الوفد المصري الذي يضم أطباء وخبراء في عمليات الإنقاذ دخل من طريق تركيا. وطالب الأمم المتحدة بالتحرك العاجل لتقديم مساعدات ملحة لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، مشدداً على أن التأخير يتسبب في مزيد من الوفيات.
وحول قرار الأمم المتحدة تعليق إرسال المساعدات بسبب تضرر الطرق على الحدود بين تركيا وسورية، تساءل سلو عن كيفية وصول جثث سوريين من تركيا يومياً عبر المعابر في مقابل عدم إدخال أية مساعدات، ودخول الوفد المصري عبر الحدود مع تركيا، ما يشير إلى تعمّد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التقاعس عن تنفيذ واجباتها تجاه المنكوبين بالزلزال في شمالي غربي سورية.
من جهته، يقول رئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس لـ"العربي الجديد" أن "معبر باب الهوى كان معطلاً، ما دفع الأمم المتحدة الى تعليق إدخال مساعدات، لكن تركيا سمحت اليوم الأربعاء بدخول مساعدات عبر معابر باب الهوى وباب السلامة والراعي إلى الشمال السوري، لذا نطالب الدول والمنظمات الدولية بالتحرك العاجل والفوري لنجدة أهلنا المنكوبين في ريفي إدلب وحلب. ونحن نتواصل مع الدول والمنظمات الدولية، ونطالبهم بتوفير معدات واحتياجات سريعة".
بدوره، يؤكد مصدر في "الدفاع المدني السوري" لـ"العربي الجديد" أن عدم إدخال مساعدات إلى المنطقة زاد عدد الضحايا ومعاناة المصابين في المستشفيات التي تفتقر أصلاً إلى الدعم".
وتشير معلومات الى أن الطريق الذي يصل بين مطار أنطاكيا ومدينة الريحانية الحدودية مع سورية مدمّر بشكل شبه كامل بسبب الزلزال، لكن يمكن استعمال ممرات أخرى لإيصال مساعدات.
أيضاً يؤكد مدير العلاقات العامة في معبر باب الهوى مازن علوش، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عدم إدخال أية مساعدات قدمتها منظمات دولية أو إقليمية من هذا المعبر إلى شمال غربي سورية، ويشير إلى أن "المعبر يكتفي حالياً باستقبال جثامين الضحايا السوريين الذين سقطوا جراء الزلزال في تركيا من أجل دفنهم في بلدهم".
وعن سبب منع الجانب التركي إدخال مساعدات عبر المعبر، يقول: "نعلم أن تركيا منكوبة بالزلزال، ومنشغلة بمواجهة الكارثة في أراضيها، لكن ذلك لا يبرر حجب المساعدات عن الجانب السوري الذي لا تقارن إمكاناته بتلك التي للدولة التركية".
أيضاً يتساءل محمد مراد، وهو ناشط في منظمة إنسانية تعمل بين جنوبي تركيا وشمالي سورية، في حديثه لـ"العربي الجديد" عن أسباب عدم تقديم النظام السوري مساعدات "عبر الخطوط" الى المناطق المنكوبة في الشمال السوري، تنفيذاَ لقرار مجلس الأمن الأخير رقم 2642 الخاص بإدخال مساعدات عبر الحدود. ويشير إلى وصول مئات من الأطنان من المساعدات إلى مطاري حلب ودمشق خلال اليومين الماضيين. ويقول: "آلاف الأشخاص ما زالوا تحت الأنقاض أو مشردين في الشوارع في ظل درجات حرارة متدنية، ما قد يتسبب في مزيد من الوفيات نتيجة عدم الإسراع في توفير مساعدات ملحة، علماً أن حجم الكارثة أكبر بكثير من إمكانات الجهات المحلية العاملة في الشمال السوري".
وبين المساعدات التي وصلت إلى مناطق النظام السوري عبر مطاري دمشق وحلب، 650 طناً من المواد الغذائية قدمتها الحكومة العراقية، وأخرى من الإمارات والجزائر ومصر وليبيا والأردن والهند. كما أعلنت سلطنة عمان بدء تسيير جسر جوي لنقل مواد طبية وإغاثية إلى سورية للمساعدة في مواجهة تداعيات الزلزال.
وفي مؤتمر صحافي عقده اليوم الأربعاء، أعلن مسؤول إدارة الأزمات في المفوضية الأوروبية، يانيز لينارتشيتش، تفعيل آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي بعدما تلقت طلباً للمساعدة من حكومة النظام السوري، وأكد أن الدول الأعضاء "متحمسة للمساهمة في تلبية هذا الطلب".
وشدد على أن "المفوضية تشجّع دول الاتحاد الأوروبي على الاستجابة لطلب سورية الحصول على معدات طبية وأغذية، مع مراقبة آليات التنفيذ لتأكيد عدم استخدام حكومة النظام السوري الخاضعة للعقوبات أية مساعدات لأغراض أخرى".
ويطالب القرار 2642 الذي أصدره مجلس الأمن حكومة النظام السوري بتمرير جزء من المساعدات الى مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرتها، في ما يسمى بمساعدات "عبر الخطوط"، لكن النظام لم يفعل ذلك حتى الآن.
الى ذلك، حث ممثل الائتلاف الوطني السوري في فرنسا، نور الدين اللبّاد، باريس على تقديم مساعدات إنسانية عاجلة لإنقاذ ضحايا الزلزال في ظل النقص الحاد في المعدات والآليات التي لا تكفي للتعامل مع العدد الكبير من الأبنية المهدمة، ووجود آلاف العالقين تحت الأنقاض، فيما أكدت إدارة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية اهتمام الرئيس إيمانويل ماكرون الكبير بالملف.
في السياق، أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن لندن ستقدم مساعدة عاجلة قيمتها 800 ألف جنيه إسترليني (961 ألف دولار) إلى منظمة "الدفاع المدني السوري" (الخوذ البيضاء).
وتقتصر عمليات الإغاثة حالياً في الشمال السوري على المنظمات المحلية مثل "الدفاع المدني السوري"، وفريق "ملهم التطوعي"، ومنظمة "غراس النهضة"، ومنظمة "أسرة"، ومجموعة "هذي حياتي" التطوعية.