الشرطة الدنماركية... التمييز العرقي واقع رغم النفي

02 ابريل 2022
نماذج صادمة لدنماركيين تعرضوا لمضايقات الشرطة (العربي الجديد)
+ الخط -

في الدنمارك، يمكن أن توقف الشرطة رجالاً من أصول شرق أوسطية وأفريقية في أي وقت، وقد تطلب بحسب وقائع ينقلها شهود من بعض الموقوفين نزع جواربهم والوقوف عراة في البرد بحجة إجراء تفتيش. وقد توجه لهم إهانات وتعابير نابية ومذلة تشكل بعض نماذج ممارسات رجال الأمن ضدهم، كما لا تتردد في توقيف أشخاص غير بيض يقودون سيارات حديثة حتى حين يوصلون أطفالهم إلى الروضة. وهذه أمثلة فقط لمجموعة ممارسات تستند إلى تصنيف عرقي لدنماركيين من أصول مهاجرة تتراوح أعمارهم بين 18 و48 عاماً، بحسب ما يفيد تقرير حديث أصدره "المركز الدنماركي لحقوق الإنسان" عن "التمييز العرقي" وسط شرطة البلاد. 
في المقابل، تنفي أجهزة الأمن حصول هذه الممارسات، لكن ما عرضه "المركز الدنماركي لحقوق الإنسان" يستند إلى آلاف التوقيفات التي حصلت على أساس اللون ومقابلات مع بعض من تعرضوا لتمييز، وإلى أقوال عدد كبير منهم إنّهم لم ينالوا البراءة إلّا في حال كانوا أوقفوا بحجة إجراء تفتيش روتيني بحثاً عن مواد مخدرة.  
ويطرح التقرير الحقوقي نماذج صادمة لمواطنين غير بيض ولدت غالبيتهم في الدنمارك، ويورد: "يجبر المواطنون غير البيض على الوقوف في الشارع مجردين من الأحذية في درجات حرارة شديدة البرودة، وقد يجري توقيفهم في طريقهم إلى العمل أو المنزل، ويقال لبعضهم أنهم موقوفون بتهمة حيازة سلاح لا وجود له في الأساس". 
وهذه ليست المرة الأولى التي ينقل فيها تقرير في الدنمارك شهادات لأشخاص يتعرضون لتمييز عرقي من رجال شرطة، لكنها المرة الأولى التي يوثق فيها هذا الكم الكبير من الممارسات في وقت حساس يشهد سجالات واسعة عن العنصرية الأوروبية والتمييز بين اللاجئين القادمين من أوكرانيا وأولئك من خارج أوروبا. 

"منهجية في التمييز"
وما يثير قلق المتخصصين الحقوقيين أن التمييز زاد بشكل كبير، وهو ما كشفته مراجعة "المركز الدنماركي لحقوق الإنسان" لنحو 270 ألف توقيف، ومقارنته بين 2.5 مليون تهمة وجهت في البلاد خلال الفترة بين عامي 2009 و2019. وأوضحت خلاصات النتائج وجود "منهجية في التمييز" إذ يزداد خطر توجيه اتهامات من دون أن تؤدي إلى صدور أحكام بإدانات، وصولاً إلى نسبة 27 في المائة لدى الرجال الموقوفين من أصول مهاجرة، ونحو 45 في المائة لدى الأحفاد، أو من هم من أصول مهاجرة بالنسبة لأحد الوالدين، وبعضهم من زيجات مختلطة لأمهات دنماركيات. أما النسبة ذاتها لدى الدنماركيين الأصليين فلا تتجاوز 11 في المائة، علماً أن الشرطة الدنماركية تنفي دائماً تعمدها استهداف من هم من أصول غير غربية، خصوصاً أولئك الذين تظهر ملامحهم أنهم من الشرق الأوسط وأفريقيا. 

فجوة كبيرة 
وتحدث رجال في الشهادات التي نقلها تقرير "المركز الدنماركي لحقوق الإنسان" عن توقيفهم عشرات المرات، بينها 90 مرة لأحدهم خلال عامين فقط. ورغم أنه جرت تبرئتهم أو التخلي عن ملاحقتهم قضائياً، لكنّ الإجراءات أشعرتهم بمرارة كبيرة خصوصاً أنهم مندمجون في شكل كبير في المجتمع، وبعضهم في مراحل جامعية عليا، ويشغل آخرون مناصب مديرين وموظفين كبار في القطاعين الخاص والعام. 
وعموماً، يتجنب غالبية الرجال من أصول غير دنماركية، خصوصاً من فئة الشباب منهم، اقتناء سيارات حديثة، بحسب ما أبلغوا الدراسة التي أجراها "المركز الدنماركي لحقوق الإنسان". وروى أحدهم، وهو نائب مدير، أنه أراد اقتناء سيارة من طراز "بي أم دبليو" أو "مرسيدس"، لكنه انتهى بشراء سيارة "سكودا" كي يتفادى احتمال توقيفه كما تفعل الشرطة مع أولئك الذين يقودون سيارات حديثة. 

انتقادات لممارسات الشرطة الدنماركية (العربي الجديد)
انتقادات لممارسات الشرطة الدنماركية (العربي الجديد)

وبدلاً من ذلك، يقتني هؤلاء الشباب سيارات ليست قديمة جداً، كي لا يجري خلطها أيضاً مع تلك التي يقودها مروجو المخدرات الذين استهدفتهم توقيفات كثيرة خلال العقد الأخير. ويتعلم الشبان من أصول مهاجرة نوعاً من"الشيفرة" تتعلق بما يجب أن يرتدوه من ألبسة وأي سيارات يجب أن يتجنبوا اقتناءها. 
واتفقت شهادات الشباب أيضاً على أنهم يتجنبون "الموضة" الخاصة بهم بين أقرانهم الدنماركيين، مثل ارتداء سترات بعينها. ويقول أحدهم: "حين أقود السيارة أنزع قبعة البايسبول وسترتي كي لا أثير انتباه الشرطة"، علماً أن هؤلاء الشباب هم من المقتدرين وأصحاب مراكز وأعمال، لكن الفجوة بينهم وبين من هم في سنهم من محيطهم الدنماركي تزداد. وقد أبلغ بعض الطلاب الجامعيين غير البيض زملاءهم الدنماركيين بالتمييز الذي يتعرضون له والذي يؤدي إلى توقيفهم، وأصيبوا بصدمة لعلمهم بأن أحداً من هؤلاء الزملاء لم يوقف مرة واحدة في حياته. 
ويعلّق رئيس قسم المساواة في المعاملة العرقية بـ "المركز الدنماركي لحقوق الإنسان" راسموس بريغر بالقول: "لا شك في أن تحليل الأرقام التي تأخذ في الاعتبار العمر والظروف الاجتماعية والاقتصادية، يثبت وجود فجوة كبيرة بين الدنماركيين ومن هم من أصول مهاجرة في تعامل الشرطة معهم". وجاء ذلك في تصريحات نقلتها الصحافة الدنماركية بعد إعلان نتائج الدراسة التي احتوت على أرقام ونماذج كثيرة  كشفت أن التمييز بات مشكلة كبيرة في المجتمع.

وطالب الباحث المتخصص في عمل الشرطة بجامعة لوند (جنوب السويد)، ديفيد سوسدال، بضرورة أخذ النتائج على محمل الجد، "لأن المؤشرات والأرقام تكشف وجود مشاكل لدى الشرطة الدنماركية". واعتبر في تصريح أدلى به لصحيفة "بوليتيكن" أن "التحيز في التهم والاعتقالات يؤدي إلى حال انعدام الثقة بالشرطة، ومصاعب في تأدية عملها، وبينها إيجاد شهود لحل بعض القضايا". وشدد على ضرورة أن تتعامل الشرطة الوطنية مع تقرير "المركز الدنماركي لحقوق الإنسان" باعتباره فرصة للتحقيق في مدى تأثير التمييز على عملها. 
وبين الشهادات التي حظيت بإجماع الشباب الذين شاركوا في التقرير سماعهم كلمات نابية وتحقير لأصولهم وديانتهم أثناء تفتيشهم وتوقيفهم. وقال بعضهم: "ينعتنا رجال الشرطة الدنماركيون بالقرود ويتهكمون على ديننا". 

يتجنب المهاجرون "الموضة" بين أقرانهم الدنماركيين (العربي الجديد)
يتجنب المهاجرون "الموضة" الخاصة بهم بين أقرانهم الدنماركيين (العربي الجديد)

شهادات عن الممارسات
وبالنسبة إلى معدي التقرير، يعتبر أسوأ ما يتعرض له الرجال المعنيون، وبعضهم طلاب وموظفين دائمين، توقيفهم مرات، وتجريدهم من الملابس كلها أمام المارة بحجة فحصهم بحثاً عن مخدرات وسلاح. 
وليس العنف الجسدي بالضرب مستبعداً من الشهادات التي أدلى بها مشاركون في الدراسة، وبعضهم لأنهم أبلغوا شفوياً عن أسمائهم وعناوينهم، علماً أن هذا الإجراء هو المعمول فيه قانونياً في الدنمارك. ويصف شاب في الـ 26 من العمر نزع شرطيان حذاءه في البرد الشديد بالقول: "يرفعنا الشرطيون عالياً ويلقوننا على الأرض ثم يكبلوننا ويصرخون في وجهنا أمام المارة. إنه أمر مؤلم جداً أن يستمر الوضع هكذا فترة نصف ساعة". 
ويتحدث الشابان الجامعيان كريم (27 عاماً) وإبراهيم (26 عاماً) عن تعريتهما أمام المارة. وهذه الشهادات ليست بلا أدلة، فالمركز الحقوقي أكدها بعدما اطلع على التقارير الإلزامية للشرطة عن كل توقيف، وقارنها بالشهادات لتوثيقها. 

ثقة معدومة بالشرطة (العربي الجديد)
ثقة معدومة بالشرطة (العربي الجديد)

دفاع الشرطة
وتصرّ الشرطة على أنها لا تتبنى سياسة التمييز العرقي التي تشدد على أنها "مشكلة موجودة في الدنمارك". وعلّق قسم الموارد البشرية في شرطة كوبنهاغن على نتائج الدراسة الحقوقية بأنه "لدينا ثقة كبيرة في أن موظفينا يتصرفون في شكل احترافي، وبناءً على معايير موضوعية. ونحن نولي اهتماماً بمنع التمييز، ونتعامل أيضاً مع النقد بجدية ونحقق بانتظام في ممارساتنا". 

لكن ذلك لم يمنع دعوة "المركز الدنماركي لحقوق الإنسان" الشرطة إلى "إعداد دليل وطني حول كيفية منع عناصرها من التمييز، والعمل لجمع البيانات التحليلية في شكل مستمر لكشف ما إذا كان هناك تمييز في التوقيف"، علماً أن الشرطة تقول إنها "لا تسجل المواطنين على أساس الخلفية العرقية، وأن الإرشادات الحالية جيدة بدرجة كافية لمنع التمييز". 
يذكر أن السويد والنرويج اعترفتا بوجود مشكلة تمييز في حق المواطنين من أصول مهاجرة. وأدخلت شرطتهما تعديلات، وتطبقان منذ أعوام منهجاً للتخلص من التمييز بالكامل في عمل موظفيهما. وجاء ذلك بعدما أفضت دراسات إلى نتائج مشابهة لتلك التي أجراها المركز الحقوقي الدنماركي، والتي تعتبر الأولى في البلاد على صعيد العمق والشمولية. 

المساهمون