تتضخّم الأزمة الإنسانية في السودان بسرعة ككرة ثلج متدحرجة، بعدما تجاوز عدد المهجّرين 3.1 ملايين شخص، من بينهم نحو 740 ألفاً لجأوا إلى دول الجوار في أقلّ من ثلاثة أشهر، بحسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة الأخيرة.
وتُلقي الحرب التي اندلعت في 15 إبريل/ نيسان الماضي، ما بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" بظلال قاتمة على الوضع الإنساني في البلاد التي كانت في الأساس تستقبل 3.2 ملايين نازح في إقليم دارفور (في بيانات عام 2022 الماضي) إلى جانب 1.1 مليون لاجئ من دول الجوار.
وهكذا أتى النزاع الأخير ليضيف عبئاً آخر إلى المعاناة الإنسانية السودانية، بحسب ما أكّدته المنظمة الدولية للهجرة في تقريرها الأخير الصادر في 11 يوليو/ تموز الجاري. فقد بلغ عدد النازحين داخلياً منذ بداية الصراع الأخير مليونَين و414 ألفاً و625 نازحاً، بالإضافة إلى 737 ألفاً و801 لاجئ فار إلى خارج البلاد، أي ما مجموعه ثلاثة ملايين و152 ألفاً و426 شخصاً.
ومقارنة بإجمالي عدد النازحين واللاجئين قبل نحو شهر، فإنّ العدد ارتفع بنحو مليون، إذ سُجّل في 13 يونيو/ حزيران الماضي نزوح ولجوء نحو 2.2 مليون شخص.
وتعكس هذه الأرقام تسارع الأزمة الإنسانية في البلاد، وبالتالي فإنّ استمرارها لأشهر أخرى من شأنه أن يضيف ملايين أخرى إلى أعداد النازحين واللاجئين الحالية.
كذلك فإنّ 24.7 مليون سوداني في حاجة إلى مساعدة إنسانية، وهو رقم يوازي أكثر من نصف عدد سكان البلاد البالغ أكثر من 45 مليون نسمة.
خريطة التهجير
تتركّز الاشتباكات حالياً في ولاية الخرطوم، وإقليم دارفور بولاياته الخمس، وفي ولايتَين من إقليم كردفان المكوّن من ثلاث ولايات.
لكنّ خريطة منظمة الهجرة الدولية تُبيّن أنّ عدداً قليلاً فقط من ولايات السودان نجا من هذه الاشتباكات، من إجمالي 18 ولاية. والولايات الناجية هي سنار والجزيرة وغرب كردفان.
وبناءً على خريطة الاشتباكات، فإنّ ولاية الخرطوم شهدت أكبر نسبة نزوح، يليها إقليم دارفور، خصوصاً ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة الحدودية مع تشاد، والولاية الشمالية الحدودية مع مصر التي انطلقت منها الأحداث بعد اقتحام قاعدة مروي الجوية.
ووفقاً لمركز الخبراء العرب للخدمات الصحافية ودراسات الرأي العام (مستقل)، فإنّ العمق الاجتماعي في القرى والولايات وفّر حاضنة اجتماعية للنازحين، إذ تمّت استضافة كثيرين منهم لدى أقاربهم، فيما اتّجهت مجموعات إلى استئجار مساكن منفصلة، الأمر الذي يفسّر عدم إقامة مخيمات للنازحين في خارج الخرطوم. أضاف المركز أنّ أكثر المدن استضافة للنازحين كانت بورت سودان في ولاية البحر الأحمر، وحلفا ودنقلا في الولاية الشمالية، وعطبرة في ولاية نهر النيل.
أمّا حركة اللجوء فتركّزت نحو مصر مع أكثر من 255 ألف لاجئ، تلتها تشاد مع نحو 240 ألف لاجئ، ثمّ دولة جنوب السودان مع أكثر من 160 ألف لاجئ، وإثيوبيا مع أكثر من 62 ألف لاجئ، وجمهورية أفريقيا مع نحو 17 ألف لاجئ، وليبيا مع نحو ثلاثة آلاف لاجئ، فيما لم يسجل أيّ لجوء إلى إريتريا.
مستشفيات منهوبة ودراسة معطلة
ولا تقتصر مظاهر الأزمة الإنسانية في السودان على النزوح واللجوء هرباً من نيران الحرب، إذ إنّ اقتحام المستشفيات ونهب المحال التجارية وتوقيف الدراسة وحرق السجلات الإدارية والقضائية صارت هي الأخرى جزءاً من المأساة السودانية.
وبحسب آخر الإحصائيات المتوفّرة عن مركز الخبراء العرب، فإنّ عدد المستشفيات العامة والخاصة العاملة في الخرطوم انخفض 58 في المائة في يونيو الماضي، علماً أنّه كان 63 في المائة في مايو الذي سبقه.
ومن إجمالي 134 مستشفى في الخرطوم قبل اندلاع الاشتباكات، لم يتبقَّ إلا 79 مستشفى لتقديم الخدمات للمرضى، في الشهر الماضي.
من جهة أخرى، عُلّقت امتحانات الشهادة العامة (البكالوريا) وذلك للمرّة الأولى في تاريخ السودان، منذ انطلاقها في العام 1838، أي قبل استقلال البلاد في 1956. وبالتالي بات مصير نحو 560 ألف تلميذ مجهولاً في ظلّ هذا الوضع، بحسب مركز الخبراء العرب.
كذلك توقّفت الدراسة في الجامعات، وطاول النهب والحرق أكثر من 45 مؤسسة جامعية في كلّ أنحاء البلاد، خصوصاً بعد إتلاف الوثائق الرسمية للطلاب البالغ عددهم نحو 600 ألف. وهذا أمر يجعل مستقبل الطلاب الجامعيين مهدداً بالضياع، لا سيّما بالنسبة إلى الطلاب العرب والأفارقة الذين يرغبون في استكمال دراستهم في بلدانهم أو في الخارج، من قبيل الطلاب الصوماليين.
أمّا على الصعيد التجاري-الغذائي الذي يمسّ حياة كلّ سوداني، ففقد سُرق نحو 118 ألف محلّ تجاري و21 سوقاً، من بينها ستّة أسواق مركزية. كذلك تبيّن تقديرات مركز الخبراء العرب أنّ 70 في المائة من المصانع والمؤسسات الإنتاجية في ولاية الخرطوم هي في حالة شلل.
وإلى جانب كلّ ذلك، تنتشر سرقة السيارات التي تُنقَل إلى دارفور وتُباع في ليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، وفقاً لبيانات مركز الخبراء العرب الذي يلفت إلى تسجيل 47 ألف بلاغ لسيارات مسروقة.
وتتواصل الاشتباكات ما بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" بالأسلحة الثقيلة، وسط أحياء مكتظة بالسكان، فيما يتضاعف عدد الضحايا من بين المدنيين. كذلك تزداد الجرائم ضدّ الإنسانية التي تُرتكب في حقّ العزّل منهم، من قبيل التهجير القسري والاستيلاء على المنازل وانتهاك الحرمات وسرقة المحتويات الثمينة. ويأتي النقص الحاد في المواد الغذائية والأدوية لمضاعفة المعاناة الإنسانية للشعب السوداني، في ظلّ نقص في المساعدات الإنسانية المحلية والدولية.
(الأناضول)