السودان: أخبار "نعيم الحياة" تعقّد مكافحة الاتجار بالبشر

30 يوليو 2021
متورطون بالاتجار بالبشر قيد الاعتقال (إبراهيم حميد/ الأناضول)
+ الخط -

يواجه السودان منذ سنوات تنامي ظاهرة الاتجار بالبشر، التي يصادف اليوم العالمي لمكافحتها اليوم الجمعة، خاصة بين اللاجئين الإثيوبيين والإريتريين. ولم تنجح كل الحملات الأمنية في إنهاء الظاهرة أو الحد منها.
ففي الأسبوع الماضي، أعلنت الشرطة أنها حررت 6 فتيات من قبضة عصابة متخصصة في هذا النوع من الجرائم في ولاية القضارف (شرق). وسبقت ذلك بأيام عملية أخرى شملت تحرير 12 فتاة في الولاية نفسها المحاذية للحدود مع إثيوبيا. وكشفت أجهزة الأمن أنها حررت 62 من ضحايا عمليات الاتجار بالبشر في يوليو/ تموز الجاري.
وتستهدف العصابات المتخصصة غالباً لاجئين يعبرون الحدود الشرقية للسودان، تمهيداً للهجرة إلى أوروبا، أو ينتقلون عبر سواحل ليبيا، أو مصر من أجل دخول إسرائيل. ولا يمر أسبوع من دون أن تعلن الشرطة أو قوات الدعم السريع تنفيذها عدة عمليات لتحرير مجموعات جديدة من الرهائن الذين تحتجزهم عصابات لمطالبة ذويهم بدفع فدى. وتعزو الحكومة السودانية استمرار الظاهرة إلى ضعف إمكاناتها وقدراتها المادية واللوجستية، وعدم القدرة على ضبط الحدود الواسعة التي تتشارك فيها البلاد مع عدد من الدول، وتشهد هشاشة أمنية كبيرة، وكذلك إلى ضيق فرص العمل في الداخل وبالتالي تضاؤل أحلام الشباب، فيما يشير خبراء ومتخصصون إلى ضعف تشريعات البلاد في التعامل مع الظاهرة، وعدم تقيّد السلطات بمجموعة اتفاقات ومعاهدات دولية تعزز وسائل المكافحة.
وتتعدد أهداف جرائم الاتجار بالبشر في السودان بين استخدام الضحايا لتنفيذ أعمال سخرة، والتجارة بالأعضاء، وتشكيل مجموعات لجمع المال عبر التسوّل، وصولاً إلى استغلالهم جنسياً، وأخذهم كرهائن وطلب فدى. وقد صدر أول قانون لمكافحة الاتجار بالبشر خلال حكم الرئيس المعزول عمر البشير، الذي فرض عقوبة السجن لمدة أقصاها 20 عاماً على المتورطين. ثم عدّلت الحكومة الانتقالية الحالية القانون في مطلع العام الحالي كي يتماشى مع القوانين الدولية.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

انشغالات أخرى
يطرح القانون المعدّل الأخير تساؤلات عدة، أهمها بشأن عدم تضمنه تعريفاً واضحاً لجرائم الاتجار بالبشر التي يمزجها بجرائم أخرى. كما يلاحظ البعض أن التغيير السياسي في البلاد يحتم انشغال أجهزة الأمن بأمور أخرى، ما يؤثر على تنفيذ القانون، وينتقد آخرون عدم وجود إحصاءات معتمدة للضحايا وجنسياتهم.  
من جهته، يرى الأستاذ الجامعي عبد الله أونور، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "ظاهرة الاتجار بالبشر في السودان ذات أبعاد تاريخية واقتصادية واجتماعية وثقافية"، مشيراً إلى أن "وسائل التواصل الاجتماعي تساهم أيضاً في زيادة معدلات الشباب الراغبين في الهجرة، من خلال نقل أخبار حياة النعيم التي يعيشها أولئك الذين وصلوا إلى أوروبا، ما يدفع الشبان إلى الاندفاع لتنفيذ الخطوة، ويجعلهم ضحية لابتزاز عصابات الاتجار بالبشر. وفي حسابات هذه الظاهرة، يبحت الجميع عن تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، وكسب مزيد من الأموال، وبينهم العصابات التي تجمع بالتأكيد أموالاً أكثر".

ملاحقة المهاجرين أمر صعب (ادواردو سوتيراس/ فرانس برس)
ملاحقة المهاجرين أمر صعب (إدواردو سوتيراس/ فرانس برس)

ويتطرق أونور إلى البعد الاجتماعي لظاهرة الاتجار بالبشر باعتبارها "أضحت في بعض الدول جزءاً من التنشئة، خاصة في إريتريا وإثيوبيا. كما دفع حال الإحباط شباناً سودانيين إلى التفكير بالهجرة، ما أوقعهم في فخ العصابات". 
ويشير إلى أن "الاتحاد الأوروبي الذي يعمل لمساعدة البلدان على مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة السرية، لا يملك نظرة عميقة لحل المشكلة، ويركز فقط على أهمية معالجة الوضع المعيشي وإنشاء مشاريع منتجة، مع غض النظر بالكامل عن البعد المجتمعي والثقافي والفوارق بين دول العالم، خاصة بين الشمال والجنوب". 
ويؤكد أونور أن "الحلول الأمنية لن تحقق أي نتيجة، إذ يحتاج الخروج من الأزمة إلى المضي قدماً في تنفيذ توعية شاملة للضحايا والعصابات نفسها، والاهتمام بتدريب وتأهيل كل الفاعلين في عمليات المكافحة، وفي مقدمتهم الشرطيون ووكلاء النيابات والقضاء، وتعزيز التنسيق بين الوحدات الحكومية، وتنظيم وتفعيل قوانين الهجرة، ومحاربة الفساد والرشاوى في هذا المجال، وإصدار أحكام رادعة، وإعلانها من أجل التعامل معها كوسيلة إدانة مجتمعية وأخلاقية أكثر من كونها إدانة قانونية".
من الناحية القانونية، يقول المحامي حاتم الياس، الناشط في مجال الدفاع عن اللاجئين، لـ"العربي الجديد"، إن "قوانين السودان، خاصة قانون 2014، رادعة جداً، ولا ثغرات في النصوص. أما المشكلة الحقيقية فتتمثل في تطبيقها في ظل تمدد عصابات الاتجار بالبشر في دول عدة، مثل السودان وإثيوبيا وإريتريا وتشاد وليبيا ومصر وغيرها".

مهاجرات موقوفات في الخرطوم (إبراهيم حميد/ الأناضول)
مهاجرات موقوفات في الخرطوم (إبراهيم حميد/ الأناضول)

تورط أمني
يتحفّظ الياس على طريقة التحقيق مع أفراد العصابات بعد اعتقالهم التي "تؤثر على عدد المحالين للمحاكمة، أو تؤدي إلى إصدار أحكام مخففة في حقهم"، ويطالب بالتحقيق في الإشاعات عن تورط أفراد داخل المنظومة الأمنية في عمليات الاتجار بالبشر.
ويشدد على ضرورة إنشاء هيئة إقليمية تابعة للاتحاد الأفريقي لمراقبة ورصد العصابات وتقييم أداء الحكومات في مجال مناهضة جرائم الاتجار بالبشر، ومدى التزامها بالقانون الدولي، وكذلك على محاكمة المهاجرين المغامرين وفقاً لقانون يعتبر أن نتيجة الموت راجحة في هذه العمليات، منتقداً عمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي خلقت نوعاً من السهولة في منح اللجوء، ما يغري الشباب في دول أفريقية عدة للبحث عن وطن بديل.

أما الخبير الشرطي عمر عثمان، فيربط، في حديثه لـ"العربي الجديد"، تفاقم ظاهرة الاتجار بالبشر "بعائداتها المادية المرتفعة للمجرمين الذين يستفيدون من أحلام المهاجرين واللاجئين. وقد تأخرت الدولة السودانية كثيراً في إصدار قانون خاص بالاتجار بالبشر حتى عام 2014"، مطالباً بتقوية قدرات عناصر الشرطة وزيادة عددهم وتأهيلهم في شكل أفضل، من خلال تزويدهم بأسلحة حديثة ومتطورة وسيارات ومروحيات، ومنحهم رواتب وحوافز كافية، إلى جانب تنفيذ حلول بعيدة المدى عبر مشاريع منتجة للشباب تغنيهم عن المخاطرة بحياتهم في دروب الهجرة، كما يطالب بتفعيل التعاون الدولي والإقليمي للقضاء على الظاهرة عبر الحدود.

المساهمون