السلالة الجديدة... ما نعرفه حتى الآن عن أحدث طفرات كورونا

21 ديسمبر 2020
السلالة الجديدة مسؤولة عن معظم الإصابات الحالية ببريطانيا (دانييل ليل أوليفاس/ فرانس برس)
+ الخط -

بينما تفاءل العالم بإقرار لقاحات عدة لفيروس كورونا الجديد، بدأت الأنباء عن سلالة جديدة للفيروس نشأت في بريطانيا تنتقص من هذا التفاؤل. فما المعلومات عن تلك السلالة؟ وهل اللقاحات الحالية فعالة ضدها؟

لا نهاية لكوابيس كورونا قريباً. كلما لاح أمل بالحد من انتشار الفيروس، من خلال اللقاح أساساً، أخرج الوباء من جعبته مفاجآت جديدة من نوع سلالات جديدة عنه هي نتيجة تطوير الفيروس نفسه، وهو أمر متعارف عليه في عالم الأوبئة. السلالة الجديدة التي ظهرت في الخريف للمرة الأولى في جنوب غربي لندن، صارت عنوان الكابوس الجديد، إذ يبدو أمر إيقافها ضرباً من المستحيل، وقد حولت بريطانيا إلى وضع يشبه ما كانت عليه الصين في أول أشهر انتشار "كوفيد" قبل عام من اليوم كبؤرة أولى للمرض، وهو ما فرض على المملكة ــ الجزيرة عزلة ترجمت بقطع عدد كبير من البلدان كل أدوات التنقل من بريطانيا وإليها.

وزير الصحة البريطاني، مات هانكوك، كان أول من عرف العالم على هذه السلالة الجديدة الأسبوع الماضي والتي تضرب منذ الخريف الماضي جنوب شرقي بريطانيا والعاصمة لندن خصوصاً. وفي سبيل محاولة الحد من انتشارها أعادت السلطات فرض إغلاق عام شامل في هذه المنطقة التي سجلت أرقام إصابات مرتفعة للغاية لأن هذه السلالة المتحورة تنتقل أسرع بـ70 في المائة من "كورونا" التي عرفناها حتى ظهور "النوع" الجديد. وبينما تتركز هذه الإصابات في بريطانيا، ومعها عدد من الدول بشكل أقل، فإنّ المخاوف وصلت إلى مختلف أنحاء العالم، خوفاً من انتشار سلالة غير مفهومة بالكامل بعد، وكذلك من احتمالات عدم فاعلية اللقاحات الأخيرة التي أقرت في أكثر من بلد، تجاهها. في البداية، دفعت هذه السلالة الجديدة حكومات عدة حول العالم، إلى تعليق السفر إلى المملكة المتحدة حتى بداية يناير/ كانون الثاني المقبل على الأقل، خوفاً من انتقال العدوى. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإنّه إلى جانب المملكة المتحدة، جرى اكتشاف نفس الطفرة في فيروس كورونا الجديد في كلّ من هولندا والدنمارك وأستراليا، كما أعلنت إيطاليا أمس عن تسجيل إصابة بالسلالة الجديدة. وفي جنوب أفريقيا، ظهرت نسخة مماثلة في بعض الطفرات من السلالة البريطانية للفيروس.
والسلالة الجديدة، عبارة عن تغييرات طرأت على بروتين "سبايك" أو السنبلة، الذي يحمله الفيروس، مما يزيد من قدرة البروتين على التشبث بالخلايا البشرية والدخول إليها. وتشير المعلومات الأولية إلى أنّ هذه التغيرات تسمح للطفرة المعروفة باسم "N501Y" بالظهور، علماً أنّها سريعة الانتشار. وبينما تتغير الفيروسات عادة طوال الوقت، فإنّ الفيروسات التاجية (كورونا) تكون أقل عرضة للتغير من بعض الفيروسات الأخرى، مثل تلك التي تسبب الإنفلونزا، وأحياناً تؤدي إلى تغيرات في سمات الفيروس، وأحياناً لا. ما حصل في المملكة المتحدة، يشير إلى أنّ هناك تغيرات حصلت في سمات الفيروس، ما يعني أنّ قدرته على التكاثر والانتقال أصبحت أعلى، بنسبة 70 في المائة من السلالة الحالية من الفيروس.

الصورة

وحدد العلماء 23 تغيراً جينياً في السلالة الجديدة، وهو عدد كبير يرتبط بعضها بالتغير في البروتينات التي يصنعها الفيروس. وخلال مسيرة فيروس كورونا الجديد، حصلت تغيرات في الطفرات، فالفيروس الذي جرى اكتشافه في ووهان الصينية قبل عام، ليس نفسه الذي أصاب أوروبا، فقد ظهرت طفرة معروفة باسم "D614G" في أوروبا خلال فبراير/ شباط الماضي، وأصبحت الشكل المهيمن عالمياً للفيروس. في فصل الصيف، وتحديداً في إسبانيا، تغيرت الطفرة لتصبح "A222V". واليوم في المملكة المتحدة، تحولت الطفرة إلى ما يسمى "N501Y" المعروفة أيضاً بـ"مجال ربط المستقبلات". ويعني هذا أنّ الطفرات المسببة للفيروس في تطور مستمر وهي تتنقل من مستوى إلى مستوى آخر. لكنّ المقلق في الأمر، أنّ النسخ الجديدة من الطفرات ليست نفسها القديمة، فيما سبب وجودها يعود جزئياً إلى تخفيف القيود، وهو ما يؤكده، البروفسور، آلان ماكنالي، من جامعة "برمنغهام" البريطانية، الذي يقول: "نعلم أنّ هناك متغيراً، لكنّنا لا نعرف شيئاً عما يعنيه هذا من الناحية البيولوجية".

المنشأ
الطفرة التي تؤثر في حساسية الجسم المضاد في دم المتعافين من كورونا، وتحدّ من قدرتها على مهاجمة الفيروس، وتسمى تقنياً "حذف 69- 70" والحذف المقصود هو حذف جزء من بروتين "سبايك". ويقول الدكتور رافيندرا جوبتا، عالم الفيروسات بجامعة "كامبريدج" البريطانية، الذي شرح، الأسبوع الماضي، الظهور والانتشار المتكرر للطفرات الجينية، إنّ "هذا الشيء ينتقل، ويكتسب ويتحور، ويتكيف طوال الوقت، لكنّ الناس لا يريدون سماع ما نقوله، والآن سيتحور فيروس كورونا". بدورها، تقول الدكتورة ديبتي جورداساني، عالمة الأوبئة السريرية، بجامعة "كوين ماري" في لندن، إنّ "العلماء اعتقدوا في البداية أنّ فيروس كورونا الجديد مستقر، ومن غير المرجح أن يتفلت من الاستجابة المناعية التي يسببها اللقاح، لكن أصبح من الواضح جداً خلال الأشهر العديدة الماضية أنّ الطفرات يمكن أن تحدث".

ولا يُعرف بالضبط المكان الذي ظهرت فيه السلالة الجديدة للمرة الأولى في المملكة المتحدة، أو حتى كيف تم التعرف عليها واكتشافها، فجميع المعلومات الأولية، تشير الى ارتفاع كبير في عدد المصابين، وارتفاع في نسبة الوفيات، وهو ما أثار المخاوف لدى السلطات البريطانية. وقد يكون اكتشاف هذا النوع من الفيروسات، جاء نتيجة أنّ نظام مراقبة الفيروسات في بريطانيا، أقوى من دول أخرى، فتمكن من رصده قبل أن تفعل ذلك أنظمة أخرى. لكنّ إيوان بيرني، نائب المدير العام للمختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية والمدير المشترك لمعهد المعلومات الحيوية الأوروبي في جامعة "كامبريدج" يقول: "من المرجح أنّ الطفرات التي خلقت هذه السلاسة الجديدة وقعت في المملكة المتحدة ولهذا السبب رأيناها أولاً". ويعتقد أنّ الطفرة ظهرت أولاً لدى مريض يعاني من ضعف في جهاز المناعة، وغير قادر على التغلب على الفيروس، فتمكن الفيروس نفسه من التحور.

الخصائص
يقول بريان لابوس، الأستاذ المساعد في كلية الصحة العامة بجامعة "نيفادا" الأميركية، إنّ الفيروسات تتحور طوال الوقت، وهو أمر طبيعي يحدث عندما يتكاثر الفيروس، وعلى سبيل المثال، فإن فيروس الإنفلونزا، في تغير مستمر، لكنّ المناعة التي اكتسبها البشر ساعدت في احتواء هذه التغيرات. وفي المقابل، إذا انتشرت هذه السلالة الجديدة من أيّ فيروس بسهولة أكبر أو تسببت في مرض أكثر خطورة، فسيكون ذلك مقلقاً. يتابع لابوس أنّ "الطفرات التي يمكنها فعل ذلك نادرة، ولهذا السبب لم نتحدث عن آلاف السلالات المختلفة من الفيروس بدرجات متفاوتة من الشدة والانتشار". وفي ما يتعلق بالسلالة الجديدة التي تم تحديدها في المملكة المتحدة، يؤكد لابوس أنّها موجودة في بروتين "سبايك" وهو ما قد يسمح لها بالانتشار بسهولة أكبر "تثير القلق". كذلك، يرى البروفسور نيك لومان، من اتحاد الجينوم البريطاني أنّ "فيروس كورونا الجديد يحتوي على عدد كبير بشكل مدهش من الطفرات، أكثر مما هو متوقع".
السلالة الجديدة أسرع انتشاراً لكنها ليست مميتة أكثر أو أكثر تسبباً بالأضرار الصحية. ويقول باتريك فالانس، كبير المستشارين العلميين للحكومة البريطانية، إنّ "ثلاثة أنواع من الدراسات أشارت إلى أنّ هذه السلالة أكثر قابلية للانتقال بين الناس". يضيف: "المتغير حدث للمرة الأولى في سبتمبر/ أيلول الماضي، إما في لندن - حيث جرى تحديده في 21 سبتمبر- أو في مقاطعة كينت القريبة، حيث عثر عليه في 20 سبتمبر، وبحلول منتصف نوفمبر، فإنّ 28 في المائة من الإصابات بفيروس كورونا الجديد في لندن كانت بسبب المتغير الجديد. وفي الأسبوع الذي بدأ في 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، كانت السلالة الجديدة مسؤولة عن 62 في المائة من الإصابات في العاصمة".

الصورة

من جهته، يحذر جيسي بلوم، عالم الأحياء التطوري في "مركز فريد هتشنسون لأبحاث السرطان" في سياتل، بالولايات المتحدة، من السلالة الجديدة، ويطالب بضرورة إيلاء الاهتمام أكثر بها. ويقول: "من المؤكد أنّ هذه الطفرات ستنتشر، ونحن بحاجة إلى مراقبتها وتحديد تأثيراتها، لكن، في الوقت نفسه، لا ينبغي أن يقلق أحد من حدوث طفرة كارثية تجعل فجأة المناعة والأجسام المضادة عديمة الفائدة". ولا يوجد دليل يشير إلى أنّ العدوى ستكون أكثر فتكاً، كما لا يوجد دليل على العكس، ولذلك من الضروري الاستمرار في المراقبة. مع ذلك، فإنّ مجرد زيادة انتقال العدوى ستكون كافية لإحداث مشاكل للمستشفيات، فإذا كان المتغير الجديد يعني إصابة مزيد من الأشخاص بسرعة أكبر، فسيؤدي ذلك بدوره إلى حاجة مزيد من الأشخاص إلى العلاج في المستشفيات.

فاعلية اللقاحات
يشترك العلماء البريطانيون، وغيرهم من العلماء حول العالم، في أبرز تساؤل حول السلالة الجديدة: هل يرجح أن تهزم الاستجابات المناعية للجسم، بما في ذلك تلك التي تشجعها اللقاحات؟ والجواب الأولي هو: "حتى الآن، لا يوجد دليل قاطع على أنّ اللقاحات المتوفرة ستكون لها فاعلية، ضد السلالة الجديدة، كما لا يمكن إنكار قدرتها على محاربة هذه السلالة". هذه النتيجة، توصل إليها فالانس، وقال إنّ "الاستنتاجات القائلة إنّ الطفرة كانت أقل خطورة ومن غير المرجح أن تضرّ بفاعلية اللقاحات ما زالت أولية، فهناك أسباب تؤدي إلى أن البديل الجديد أو السلالة الجديدة قد لا تتماشى مع الاستجابة المناعية للقاحات على الرغم من عدم وجود دليل حتى الآن على هذا".
في المقابل، فإنّ التكنولوجيا المستخدمة في لقاحي "فايزر/ بيونتيك" و"موديرنا" تعد أسهل بكثير في التعديل والتحديث لمواكبة السلالات الجديدة، من اللقاحات التقليدية، بمعنى أنّ مصنّعي اللقاح قادرون على تعديل اللقاح لمحاربة التغيرات التي تطرأ، بحسب ما يؤكده تريفور بيدفورد، عالم الأحياء التطورية، في "مركز فريد هوتشينسون لأبحاث السرطان" في سياتل.
ومن جهته، قال وزير الصحة الفرنسي، أوليفييه فيران، إنّ اللقاحات المتوفرة حالياً، يفترض أن تقي أيضاً من السلالة الجديدة للفيروس. وأضاف: "نظرياً... ما من سبب يدعو للاعتقاد بأنّ اللقاح لن يكون فعالاً". وأشار فيران إلى أنّ السلالة الجديدة ربما تكون قد وصلت إلى فرنسا، لكنّ الفحوص التي أجريت أخيرا لم ترصدها.

كذلك، أعلنت الحكومة الألمانية أنّ خبراء الاتحاد الأوروبي توصلوا إلى خلاصة مفادها أنّ اللقاحات الراهنة تتصف بالفاعلية لمكافحة السلالة الجديدة. وقال وزير الصحة الألماني، ينس سبان، الذي تتولى بلاده حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي: "استناداً إلى كلّ ما نعرفه حتى الساعة، وإثر اجتماعات حصلت بين خبراء السلطات الأوروبية، فإنّ لا تأثير للسلالة الجديدة على اللقاحات التي ما زالت فعالة".

المساهمون