الساعة البيولوجية أداة فاعلة في مواجهة الأمراض

04 سبتمبر 2022
إدراك الألم يختلف في شدّته على مدى 24 ساعة (Getty)
+ الخط -

يتفاوت أداء جسم الإنسان على مدى ساعات اليوم، في ما يشبه ساعة بيولوجية متأصلة بعمق فيه بات يتوفّر عنها قدر أكبر من المعلومات، إلى حدّ جعل أطباءً يتوجّهون إلى استخدامها كأداة فاعلة في مواجهة عدد من الأمراض.

يقول الباحث في المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية (إنسرم) في فرنسا كلود غرونفييه إنّ "ثمّة مجموعة من الساعات في الجسم لتحسين أدائه، وهذا ما يسمى النظام اليومي". ووجود هذه الساعات أمر معروف منذ زمن طويل.

وفي العقود الماضية، أظهرت الأبحاث أنّ نشاط الأعضاء يكون متفاوتاً تبعاً لساعات النهار المختلفة، إذ تميل الأمعاء والكبد والقلب إلى العمل بجدية أكبر في أوقات معيّنة، بغض النظر عن الوجبات أو النشاط البدني.

في الوقت نفسه، أظهرت الأبحاث التي أُجريت على الحيوانات ثمّ البشر أنّ هذا الإيقاع لم يكن مجرّد استجابة للعالم الخارجي، مثل تعاقب الليل والنهار. فقد تبيّن أنّه مسجّل في خلايانا، بدءاً من الخلايا العصبية في الدماغ. لكنّه في حين تقدّم البحث بصورة كافية لدرجة حصول ثلاثة باحثين أميركيين في هذا المجال على جائزة نوبل للطب لعام 2017، تسارعت وتيرته أكثر في السنوات الأخيرة خصوصاً، لإظهار كيفية وجود هذه الساعة في خلايا الجسم بأكمله. ويوضح غرونفييه أنّ "ثمّة ساعات في الكبد والقلب والرئة والكليتَين وشبكيّة العين...".

تجدر الإشارة إلى أنّ جائزة نوبل للطب لعام 2017 مُنحت للباحثين الأميركيين الثلاثة جيفري س. هال ومايكل روسباخ ومايكل دبليو يانغ، لاكتشافهم آليات جزيئية تنظّم إيقاع الساعة البيولوجية.

فهم الألم

ويتبيّن يوماً بعد يوم أنّ لهذه الساعات آثاراً متنوّعة جداً. وتشير دراسة بإشراف غرونفييه المتخصّص في علم الأعصاب نُشرت نتائجها هذا الصيف في مجلة "براين" (دماغ) الطبية الصادرة عن "منشورات جامعة أكسفورد"، إلى أنّ إدراك الألم يختلف في شدّته على مدى 24 ساعة.

وفي خلال الدراسة، عُزل اثنا عشر رجلاً عن كلّ المحفّزات الخارجية لمدّة يوم ونصف يوم تقريباً، وتعرّضوا كلّ ساعتَين لمسبار ساخن. وقد اختلفت عتبة الألم لديهم بشكل منهجي مع مرور الوقت. ويرى غرونفييه أنّ هذه خطوة حاسمة نحو فهم أفضل للألم، لافتاً إلى أنّه في يوم من الأيام، قد نتمكّن من التعامل معه بشكل أفضل من خلال مراعاة تقلباته في خلال اليوم.

ويندرج البحث من ضمن مدرسة أكبر في هذا الإطار. فبالنسبة إلى بعض الباحثين والأطباء، هذه الإيقاعات معروفة جيداً بما يكفي لاستخدامها في مواجهة أمراض عدّة. هذا ما يُعرف بـ"العلاج الزمني" أو "الطب اليومي". وبالنسبة إلى مروّجيها، سوف تكون التطبيقات متنوّعة جداً، من طب الأورام إلى طب القلب مروراً بعلم الأعصاب.

وفي مرض ألزهايمر أو مرض باركنسون، على سبيل المثال، فإنّ اضطراب الساعة البيولوجية معروف سابقاً. لكنّه بات من المعروف الآن أنّ هذا الاضطراب يسبق في الغالب الأعراض، وبالتالي يمكن أن يكون سبباً (الوقاية منه ممكنة) وليس نتيجة.

اضطراب الساعة

وعلى الرغم من ذلك، "ما زلنا نواجه تحدياً لتطبيق هذه المعرفة حول دور الساعات اليومية في عالم الطب"، بحسب ما نبّه الباحثان الأميركيان رافي ألادا وجوزيف باس في العام الماضي، وذلك في منشور علمي صدر في مجلة "نيو إنغلاند" الطبية. لذلك، فإنّ ثمّة نقصاً في التقنيات التي من شأنها أن تتيح للطبيب بسهولة تشخيص الاضطراب في الساعة البيولوجية، وبالتالي ينصح المريض بطريقة موجّهة لتغيير إيقاع حياته من أجل تجنّب المشكلات الصحية.

وثمّة طرق أخرى قد تصطدم بالواقع، مثل الفكرة التي دافع عنها كلود غرونفييه بحماسة، وهي أخذ الوقت في الاعتبار عند إعطاء العلاج الكيميائي لمريض السرطان. ويقول المتخصص الفرنسي في طب الأورام بيار سانتيني لوكالة فرانس برس: "دعونا نتخيّل أنّ التجربة تُظهر أنّ العلاج يجب أن يتمّ بين الساعة العاشرة مساءً والثامنة صباحاً، فإنّ ذلك سوف يؤدّي إلى مشكلات تنظيمية صغيرة".

يضيف سانتيني: "نحن نعيش بالفعل في عالم، على الأقلّ في فرنسا، حيث النظام الصحي على وشك الانهيار"، مؤكداً: "يجب أن تكون مقنعاً جداً لتغيير منظم بشكل جذري إذ ثمّة ضغط هائل في الأساس". لذلك، ليس من الضروري إثبات التأثير فحسب، بل لذلك أيضاً "تأثير كبير على الاستجابة للعلاج وبقاء المرضى على قيد الحياة"، كما يخلص سانتيني، مبدياً اعتقاده بأنّ الدراسات غير كافية حالياً في هذا المجال.

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون