الروس الهاربون... استعداد أوروبي محدود لقبول رافضي التجنيد

18 أكتوبر 2022
روسي فرّ إلى جورجيا على دراجة (دافيد كاشكافيلي/ الأناضول)
+ الخط -

دفع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي التعبئة الجزئية لتجنيد حوالي 300 ألف جندي احتياطي للمشاركة في الحرب على أوكرانيا والمستمرة منذ 24 فبراير/ شباط الماضي، عشرات الآلاف من مواطنيه الشبان الذي يرفضون أداء الخدمة العسكرية إلى الفرار من البلاد. ووصل أكثر من 10 آلاف روسي إلى دولة جورجيا المجاورة وحدها، حيث تشكلت طوابير طويلة من السيارات على مسافة أميال، فيما عبر آخرون إلى دول في الاتحاد الأوروبي
وفي ألمانيا، قدم هاربون روس طلبات لجوء في مدن مختلفة بينها شتوتغارت، وسط نقاش سياسي تجاوز هذا البلد إلى أوروبا حول كيفية وآلية قبول وحماية الهاربين من نظام الكرملين، سيما أن قانون اللجوء الألماني الذي يطبق التوجه الأوروبي لا يعتمد معايير واضحة في الاستقبال والقبول، في وقت تعمل فيه المفوضية الأوروبية لإيجاد نهج مشترك في إطار الاستعداد المحدود لقبول الهاربين.

وأيد المستشار الألماني أولاف شولتز، في حديث أدلى به لصحيفة "نويه اوسنبروكر" منح حماية للفارين الروس من التجنيد، فيما أكدت وزيرة الداخلية نانسي فيزر أهمية معارضة الروس التعبئة الجزئية والحرب التي تشنها بلدهم على أوكرانيا، ووصفت في لقاء مع صحيفة "فرانكفوتر الغماينه تسايتونغ" ما يحصل في موسكو بأنه "ازدراء لا محدود للإنسانية من نظام الكرملين"، وطالبت بمنح الفارين حماية في ألمانيا بعد تقديمهم طلبات لجوء بسبب الاضطهاد السياسي والتهديد الذي يتعرضون له، لا سيما الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان والمعارضة السياسيين، على أن ينظر إلى كل حالة فردياً بعد التدقيق في المعلومات والسجلات الأمنية". 
وتحدثت صحيفة "دير شبيغل" عن مغادرة 700 ألف روسي وطنهم في الأيام السبعة الأولى فقط لإعلان قرار التعبئة، وذلك عبر المعابر الحدودية الستة الأكثر استخدماً. لكن صحيفة "بيلد" لم تتردد في طرح السؤال حول "إذا كانت ألمانيا تريد استيراد الحرب الروسية وإثارة مخاوف أمنية، مشددة على صعوبة خلق وئام بين الروس الفارين واللاجئين الاوكرانيين"، في حين رفض محتجون في برلين قبول الروس الفارين، مشددين على أن "كل من يعارض الحرب على أوكرانيا غادروا فعلياً بلدهم قبل فترة طويلة أو أودعوا السجن".

لا قوانين أوروبية لقبول الروس الفارين (دافيد كاشكافيلي/ الأناضول)
لا قوانين أوروبية لقبول الروس الفارين (دافيد كاشكافيلي/ الأناضول)

الهروب "الزائف"؟
ومع إعلان الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) هروب حوالي 60 ألف روسي إلى دول في الاتحاد الأوروبي حتى نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، انتقدت منظمة "بروازول" الألمانية للدفاع عن حقوق اللاجئين النقاش الدائر حول قبول الفارين الروس، ووصفته بأنه "نقاش زائف"، مشيرة إلى أن "دول الاتحاد الأوروبي زادت أخيراً القيود على دخول الروس إلى دولها، وما دامت تغلق حدودها بإحكام، فان المعتكفين ضميرياً والفارين من الخدمة العسكرية في روسيا لا يحظون بفرصة الحصول على لجوء. 
وفي السياق، كتبت صحيفة "دي فيلت" أن "المنظمات الحقوقية تصرّ على طرق الوصول الآمن، لكن تطبيق الأمر معقد، خاصة أن نزاعاً يدور حول الإجراء على مستوى الاتحاد الأوروبي، بينها بسبب المصالح الأمنية. 
من جهته، أبدى وزير الدولة لشؤون الهجرة في ولاية بادن فورتمبيرغ، سيغفريد لوريك، الذي ينتمي إلى الحزب المسيحي الديمقراطي، قناعته بأن الفرار من الاستدعاء للحرب يساهم في إنهائها، مشدداً على "ضرورة التعامل مع اللاجئين الاحتياطيين كقضية أوروبية ما يعني أن ألمانيا لا تستطيع تنفيذ إجراءات بمفردها". وقال لشبكة "إس دبليو آر": "لا يمكن أن تعد ألمانيا باستقبال كل رجل مهدد في روسيا، في حين تعارض فنلندا وبولندا ودول البلطيق خصوصاً ذلك بسبب خشيتها من المخاطر الأمنية، وترفض جمهورية التشيك منح أي ملاذ لهم".
وفيما يدور الحديث في ألمانيا عن أن الحصول على لجوء سياسي يفرض إثبات المرء عدم موافقته على الجرائم التي تحصل في أوكرانيا، وإدانته الحرب الإجرامية، رحب وزير العدل ماركو بوشمان بأي شخص يكره بوتين ويحب الديمقراطية الليبرالية، فيما طالب حزب الخضر بإجراء فحص دقيق وتقييم فردي صارم.

تخشى فنلندا المخاطرالأمنية لدخول الروس (أليساندرو رامبازو/ فرانس برس)
تخشى فنلندا المخاطر الأمنية لدخول الروس (أليساندرو رامبازو/ فرانس برس)

التقييم الألماني والأوروبي
فعلياً، يطبق القانون الألماني التوجه الأوروبي الذي يسمح للمعترضين على الخدمة العسكرية بنيل اللجوء في ظروف معينة، لكنه لا يعترف بكل أنواع الاستنكاف، سيما أن القانون الدولي يمنح كل دولة حق تجنيد مواطنيها للحرب أو الخدمة العسكرية. 
وأبلغ أستاذ القانون العام في جامعة مارتن لوثر بمدينة هاله الألمانية المتخصص في قانون اللجوء وينفرد كلوث، محطة "إيه آر دي" الإخبارية، أن "مجرد الخوف من العقاب على رفض الخدمة العسكرية لا يمكن أن يكون سبباً للجوء، والقانون الدولي يسمح بالعقوبة العادية لأن الدولة يمكن أن تلزم مواطنيها بالتجنيد لأغراض دفاعية. 
وأشار كلوث إلى أنه من المناسب بحسب معايير اتفاق جنيف للاجئين منح حق اللجوء إذا كانت العقوبة المفترضة غير مناسبة أو جرى فرضها تعسفياً. 

وعن الخيارات الأخرى لتسجيل اللاجئين الروس الهاربين من التعبئة الجزئية غير إجراءات اللجوء، أوضح كلوث أن "الاتحاد الأوروبي يمكن أن يتخذ إجراءات أخرى لا تتطلب تقييما فردياً. وعلى سبيل المثال يمكن أن يمنح حماية مؤقتة لمجموعات من الناس، كما الحال مع اللاجئين من أوكرانيا، أو النظر في برنامج استقبال خاص للهاربين من روسيا، مثل العاملين في مجال الإعلام أو الباحثين الروس". 
أما مديرة القسم القانوني في شبكة "إس دبليو آر" الإخبارية جيجي ديبي فاعتبرت أن المحاكم تقرر هذا الأمر، علماً أن البرلمان الألماني (بوندستاغ) كان دعا في إبريل/ نيسان الماضي الجنود الروس إلى إلقاء سلاحهم، وأعلن أن الطريق إلى إجراءات اللجوء الألمانية والأوروبية مفتوحة أمامهم.

المساهمون