منذ عام 2019، استفاد عشرات السوريّين من منح الدنمارك اللاجئ الراغب في العودة الطوعية مبالغ مالية على دفعتين تساعده في إعادة تأسيس حياته. لكن يبدو أنّ العقوبات المفروضة على تحويل ملايين الكرونات الدنماركية لهؤلاء اللاجئين قد تكون عائقاً أمام الأشخاص الذين انتظروا مرور عام للحصول على الدفعة الثانية من المال.
وكان قد جرى اتفاق بين حكومة يمين الوسط السابقة وحزب الشعب الدنماركي اليميني المتشدد الذي فقد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة أكثر من 50 في المائة من نسبة المصوتين، وتضمن الاتفاق بين الطرفين أن ترسل البلديات في البلاد رسالة أو استدعاء إلى جلسة استعلام، لإخبار مواطنين من أصول مهاجرة عن إمكانية المغادرة والحصول على مبلغ لبدء حياة جديدة "في وطن الآباء"، يصل إلى نحو 20 ألف يورو للبالغ.
وفيما تتعالى الأصوات من معسكر يمين ويمين الوسط لسحب رخص الإقامة من لاجئين قادمين من دمشق وريفها، يبدو أن كوبنهاغن تعجز عن الاستمرار في دفع تعويضات للعائدين طوعاً إلى بلدهم. وبحسب قانون "العودة إلى الوطن"، فإنّ الشخص البالغ الذي يسحب إقامته يستطيع الحصول على نحو 88 ألف كرونة دنماركية (نحو 11 ألفاً و820 دولاراً)، بينما يحصل الطفل على نحو 26 ألفاً. وبحسب القانون، يحصل الشخص ما فوق سن 55 عاماً على مبلغ نحو 200 ألف كرونة (نحو 26 ألفاً و878 دولاراً) كراتب تقاعدي خلال خمس سنوات من الإقامة في سورية. وبالنسبة إلى العائلات التي لديها أطفال، فإن عودتها الطوعية تصطدم اليوم بعدم تلقي بقية المبالغ، التي تصل إلى مئات آلاف الكرونات في إطار الدفعة الثانية بعد مرور عام على الرحيل عن البلاد.
وفي ما يبدو، فإن "دائرة الأجانب" المسؤولة عن أوضاع اللاجئين والمهاجرين التابعة لوزارة الهجرة والاندماج في كوبنهاغن، والمسؤولة عن اتفاقية العودة إلى الوطن، تواجه مشكلة حقيقية مع قواعد الاتحاد الأوروبي لغسل الأموال والعقوبات المفروضة على تحويل المال عبر المصارف إلى سورية، ما يضع مستقبل تلقي العشرات من السوريين العائدين بقية المبالغ في خطر.
ومنذ تطبيق العودة الطوعية عام 2019، تنتظر أسر سورية المبالغ المجمدة في كوبنهاغن، وشهد ذلك العام مغادرة 49 شخصاً لم يتلقوا الدفعة الثانية حتى اليوم. وتعتبر العوائق أمام التحويل مشكلة برأي بعض المشرعين في البرلمان الدنماركي الذين يجدون أن ذلك من شأنه تعريض قانون العودة إلى الانهيار والتأثير بصدقية الدنمارك في دفع ما تدين به لهؤلاء السوريين. وينتظر أكثر من 145 شخصاً منذ أكثر من 12 شهراً وصول المبالغ لتأسيس حياتهم مجدداً في سورية.
وأمام الخشية من العوائق التي تواجهها الدنمارك، سارع مشرعون، من يسار ويمين الوسط، إلى دعوة عاجلة، بحسب ما نقلت صحيفة "بوليتيكن"، لإيجاد آليات أخرى لإيصال المبالغ للعائدين. ويقضي قانون العودة إلى الوطن الأصلي تحويل السلطات نصف المبلغ إلى الحساب المصرفي في الدنمارك للشخص العائد. وعادة ما يسحب السوريون المال ويأخذونه نقداً إلى بلدهم. والقسم الثاني من المبالغ يفترض تحويله بعد مرور 12 شهراً على التحويل الأول، وهو ما لم يحصل بعد. المعضلة التي تواجه السوريين العائدين والمشرعين الدنماركيين تتمثل في أن الاتفاقية تقضي بأنّ من "حق العائد إلى بلده الرجوع عن الاتفاقية خلال سنة من تجربتها في بلده"، أي إنه يحتفظ بحق الإقامة إذا ندم على العودة. وبالتالي، ومع مرور كل هذا الوقت من دون تحويل القسم الثاني من المبلغ، قد يفقد الثقة بالمؤسسات الدنماركية، ووقد يتراجع البعض عن العودة الطوعية.
وتشير أرقام وزارة الهجرة والاندماج الدنماركية إلى أنّ العام الجاري شهد تراجع 28 سورياً عن العودة الطوعية واحتفظوا بإقامتهم في الدنمارك، من دون توضيح ما إذا كان ذلك مرتبطاً بعدم قدرة السلطات على تحويل الدفعة الثانية من المال المخصص للتأسيس في سورية.
من جهتها، وصفت مديرة اللجوء في "مجلس اللاجئين الدنماركي" إيفا سينغر عدم دفع الأموال بأنها "مشكلة كبيرة للأفراد العائدين، إذ يخططون لعودتهم إلى وطنهم على أساس أن لديهم المال لتأسيس حياتهم هناك". الحديث عن مكافحة غسل الأموال ومنع التحويلات المصرفية إلى سورية دفع المشرعين إلى إقرار تسهيلات تتعلق بالوسائل التي تُدفع فيها الأموال. وقال مقرر شؤون الهجرة في حزب المحافظين، ماركوس كنوث: "من المؤسف أننا ننفق الكثير من الموارد في محاولة لإعادة الأشخاص إلى الوطن لمن لا يريدون بالضرورة العودة إلى ديارهم بأنفسهم، في حين أن هناك البعض ممن يريدون العودة إلى ديارهم من دون أن يتمكنوا من الحصول على المال المتفق عليه"، الأمر الذي انتقده بعض المشرّعين.
ويسعى البعض للإسراع في اعتماد تعديل قانوني أقرّ سابقاً ويفترض أن يبدأ تطبيقه في خريف العام الحالي لتسهيل دفع المال الذي تدين به الدنمارك للعائدين. وناشد بعضهم وزارة الهجرة والاندماج إيجاد حل سريع، ولو بطرق إبداعية، بحسب ما ذهب مقرر شؤون الهجرة في حزب "فينسترا" المعارض مادس فوليدي، فكان الرد بأن الحل موجود في التعديل القانوني الذي تبناه البرلمان في مايو/ أيار الماضي. وأعرب وزير الهجرة والاندماج الدنماركي ماتياس تسفاي عن سعادته لأنّ "الكثير من الناس يستخدمون القانون للعودة إلى بلادهم، بمن فيهم السوريون، رغم أسفنا لوجود تحديات".
ويبدو أنّ كوبنهاغن وجدت حلاً يقضي بالدفع نقداً للراغبين في العودة الطوعية، ويشمل المبلغ الدفعتين الأولى والثانية، مع بدء تطبيق القانون في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. لكن حتى الآن، ليس واضحاً كيف ستدفع الأموال الباقية لأولئك الذين عادوا وينتظرون بالفعل في سورية تلقي ملايين الكرونات المستحقة للأسر والأشخاص الذين وعدوا براتب تقاعدي خلال الأعوام الخمسة المقبلة.