الدندر والسياج الاجتماعي

27 نوفمبر 2021
طيور في محمية الدندر (عبد المنعم عيسى/ فرانس برس)
+ الخط -

 

عندما تكون الموارد محدودة ويستمر البشر في التكاثر، تلوح الكارثة المدمّرة. هذا ما يحدث في محمية الدندر جنوب شرقي السودان، حيث تتعقّد مشكلة استخدام الموارد الطبيعية، وتتعمق في ظل الاعتقاد السائد في كل المجتمعات الفقيرة بأن من حق الأفراد أن ينجبوا ويتكاثروا في حرية طالما أن الموارد متاحة. وهذا هو حال البدوي الذي يطمح إلى زيادة حجم قطيعه في المرعى المشاع، من دون أن يدرك أنّ هذا المرعى لن يتحمل أكثر من طاقته.

يقول العالم الأميركي قريت هاردن إن "مشكلة زيادة عدد السكان لا تحل إلا بإدراك الجميع بأنهم يعيشون في عالم محدود، وبأن التعليم هو الوسيلة الوحيدة القادرة على حل هذه المشكلة". وربما يحتاج السكان الذين يحيطون بمحمية الدندر إلى تعليم كثيف وبرامج توعوية تدخلهم في دائرة إدراك كيف يساهمون في حماية هذا المورد الهام. 

لقد فطنت إدارة مشروع تطوير محمية الدندر لهذا الأمر بين عامي 2000 و2005، حين خصصت موارد لأنشطة مجتمعية هدفت إلى بناء سياج اجتماعي حول المحمية. ونجحت مساعيها إلى حد كبير، لكن المشروع المموّل من برنامج الأمم المتحدة للتنمية توقف بسبب تقاعس حكومات الولايات عن دفع مساهمتها المحلية، ما يؤكد خطر الاعتماد على التمويل الأجنبي للمشاريع، وضرورة أن يكون الإسهام الأكبر محلياً.

يشرح الخبير هاشم محمد الحسن أن "محمية (حظيرة) الدندر أنشئت خلال حقبة الاستعمار (1935)، ما جعلها وليدة ثقافة غربية لديها أسس وتقاليد راسخة تتعلق بالإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية. وجرى الحفاظ على المحمية من خلال هذه الثقافة، حيث لم تهددها أية مخاطر، فالموارد الطبيعية المتاحة كانت تفوق حاجة سكان المنطقة والرعاة، كما أن قوانين حماية الحياة البرية كانت رادعة وسريعة النفاذ، ما أدى إلى نمو وتكاثر حيوانات المحمية بطريقة طبيعية".

موقف
التحديثات الحية

وفي عام 2003، نشر الخبير الدكتور معتصم نمر ورقة ذكر فيها أن "بين مصادر التهديدات ذات الأثر السلبي على مستقبل المحمية، غياب أي استراتيجية لمجابهة الهجرات السكانية، وتحوّل المحمية إلى أشبه بجزيرة معزولة وسط أنماط متضاربة من استخدام الأراضي والموارد الطبيعية". وتمثلت التعديات في تسلل الرعاة إلى داخل المحمية بحثاً عن المأكل والماء، وممارسة الصيد الجائر، وقطع الأشجار، وجمع الثمار، وإشعال الحرائق كوسيلة لجمع العسل.

أغرى ضعف العائد الاقتصادي من المحمية خاصة بعد تراجع السياحة في السودان عموماً والدندر تحديداً بعض المسؤولين المحليين، وعلى رأسهم حكام الولايات التي تقع المحمية في نطاقها، بالتفكير في الاستثمار الزراعي داخلها، فتصدى لهم أهل الاختصاص حينها. ثم صعد الأمر إلى السطح مجدداً بتأثير الإهمال الذي طاول المحمية أخيراً مع كثافة النزوح والتوسع الاستيطاني حولها، وازدياد رقعة الزراعة الآلية وتوغلها في أراضي المراعي الطبيعية، علماً أن عام 2021 هو العام المخصص للاحتفاء بمحميات المحيط الحيوي.

(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون