أصبح لبنان بلد أزمات الدواء والغذاء والمحروقات التي تُعد الكبرى والأكثر خطورة بعدما تسببت في مشكلات كثيرة بعضها دموي، منها انفجار في بلدة التليل بمحافظة عكار (شمال) في 15 أغسطس/ آب الماضي، والذي أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. وتطول حكايات المواطنين مع المحروقات من الوقوف في طوابير يومية طويلة، إلى ترك بعضهم سياراتهم أمام المحطات ليلاً والعودة إليها صباحاً للحاق بالدور، ثم استيقاظهم ربما على إقفال المحطة بسبب عدم تسلم بنزين، أو على اضطرارها إلى التوقف عن بيع البنزين بسبب عدم توافر كميات كبيرة. وتشمل الحكايات أيضاً تجاوز سعر صفيحة البنزين 600 ألف ليرة في السوق السوداء (نحو 30 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء).
والأكيد أن أزمة افتقاد المواصلات العامة تسببت في عقبات، وساهمت في استمرار الوضع السيئ، إذ إن عدم وجود خطة للنقل العام منذ سنوات وارتفاع أسعار المواصلات منعا المواطنين من ركن سياراتهم وركوب سيارات الأجرة أو الباص، علماً أن الأجرة اليومية لغالبية العمال والموظفين باتت لا تغطّي كلفة المواصلات لفترة طويلة في ظل انهيار قيمة العملة المحلية وغلاء المعيشة.
وإذا كانت الصعوبات كبيرة جداً على مستخدمي وسائل النقل العام داخل المدن، فالوضع خارجها حدّث ولا حرج. من هنا بدأ البعض في التفكير جدياً بالاستغناء عن قيادة السيارة بالكامل، واستبدالها بالدراجة الهوائية، لكن السؤال المطروح هل يمكن أن تشكل هذه الدراجات بديلاً آمناً؟
"عين الصواب"
تقول آية محمود الموظفة المقيمة في مدينة طرابلس التي اعتمدت الدراجة الهوائية وسيلة نقل بسبب ارتفاع أسعار السيارات ومواجهة أزمة المحروقات لـ"العربي الجديد": "بدأت في العمل مطلع العام الحالي. وكنت أذهب سيراً على قدمي، فلم أكن مرتاحة جداً. وفكرت بشراء سيارة، لكن الأزمة الحالية وارتفاع قيمة الدولار صعّبا الأمر، فقررت شراء دراجة هوائية رغم أن سعرها مرتفع أيضاً، لكنني استطعت الحصول على واحدة مستعملة بسعر مقبول".
وتستخدم آية الدراجة الهوائية في رحلتها اليومية بين المنزل ومكان العمل، وبعض التنقلات ضمن المدينة. وتصف تجربتها بأنها "رائعة جداً، علماً أنني اعتقدت في البداية بأنها قد تكون محرجة وصعبة، لكن ردود فعل الناس كانت إيجابية رغم أن ركوب الدراجة الهوائية لم يكن منتشراً في طرابلس كما الحال اليوم. وحتى عندما أمرّ أمام محطات بنزين وطوابير الذل أسمع تشجيعاً من أشخاص على اتخاذي أفضل قرار لتوفير الوقت والمال، فبدلاً من أن أنفق أموالاً كثيرة على المواصلات يومياً، أركب دراجة ذات منافع كثيرة".
وعن وضع الطرق، توضح آية أنها لا تستطيع تأكيد إذا كان وضعها سيئاً أو ممتازاً في طرابلس، "فمخاطر وتحديات ركوب الدراجة الهوائية موجودة، لكنني أستطيع التنقل بقدر ما أشاء، وبت أترافق يومياً مع صديقتي. ونحن لا نتعرض إلى إزعاج من السيارات، بل يتعاون سائقوها معنا في المسارات ويشجعوننا على استخدامها للتنقل. وأنا شخصياً لم أواجه أية مضايقات أو صعوبات".
"تجربة رائعة" اقتصادياً
من جهته، اختار سمير سكيني، وهو صحافي وطالب جامعي في بيروت، ركوب دراجة هوائية كقرار نهائي بعدما واجه واقعة وقوفه مدة ساعة ونصف الساعة في طابور أمام محطة أقفلت حين وصل دوره لتعبئة الوقود. يروي لـ"العربي الجديد": كانت سيارتي فارغة تماماً من البنزين، ولم أستطع ملأها، فركنتها أمام مقر عملي ولم أقدها حتى اليوم. وبما أن مكان عملي قريب من منزلي قررت شراء دراجة هوائية لاستخدامها في العمل وتنقلاتي القريبة. وأستطيع القول إن تجربتي جيدة حتى الآن، فالوسيلة عملية جداً للذهاب إلى العمل وتنفيذ زيارات في مواقع قريبة ضمن بيروت، لكنني عانيت من إزعاج على صعيد ارتفاع الحرارة. ولولا ذلك فالتجربة رائعة جداً".
وعن القيادة غير الآمنة في بيروت، يوافق سكيني على أن "وضع الطرق سيئ جداً في ظل عدم وجود بنى تحتية مناسبة لقيادة دراجات هوائية، ما يضطرنا إلى ركوبها في الشوارع التي تتحرك فيها سيارات أو على الأرصفة. واللافت أن الدراجات النارية تتسبب في إزعاج أكبر لنا من السيارات، كما أن عدم وجود ثقافة ركوب الدراجات الهوائية في المجتمع يعرقل القيادة الآمنة، ويشمل ذلك سائقي السيارات الذين يتحملون مسؤولية في أساليب القيادة التي تمنح أولوية للدراجات الهوائية في المرور، لكن العكس صحيح في لبنان". ويشير سكيني إلى مشكلة عدم وجود مواقف آمنة للدراجات الهوائية، "ما يضطرنا إلى إدخالها إلى المباني أو ربطها بجنازير (سلاسل) حديد لحمايتها من السرقة".
ويعتبر سكيني أن "اقتناء دراجة هوائية تجربة اقتصادية عظيمة، علماً أنني اشتريت دراجة مستعملة بسعر جيد جداً، وأنصح الجميع باستخدامها في مواجهة الأزمة الحالية لتوفير كلفة البنزين وسيارات الأجرة. والدراجات الهوائية لا تحتاج إلى كلفة مادية، بل إلى قوة بدنية".
الحماية الذاتية أولاً
يؤكد أسامة طارق أبو الدهب الذي يملك متجراً للدراجات الهوائية في بيروت أن "الدراجة الهوائية إحدى الوسائل الأكثر توفيراً للمال والوقت، وقد ارتفعت مبيعاتي في شكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة مقارنة بالأعوام السابقة، إذ أصبح الناس يستخدمون الدراجة الهوائية كوسيلة نقل بدلاً من السيارة، خصوصاً في أوقات العمل. وهكذا لم تعد الدراجة الهوائية وسيلة ترفيه، بل وسيلة أساسية للنقل، وهي البديل الأنسب للوقوف في طوابير البنزين ومعايشة الذل الحاصل، وتضمن توفير الوقت والمال".
يضيف: "تتعدد نماذج الدراجات الهوائية ومواصفاتها، كما أن سعر الدراجات الصينية يختلف عن تلك التايوانية والأوروبية. وكل دراجة لها ميزاتها على صعيد تطور المواد المستخدمة في تجهيزاتها، وأسعارها لم ترتفع بحسب قيمة الدولار، وتتراوح بين 150 دولاراً وصولاً إلى أكثر من ألف".
وعن القيادة الآمنة يقول أبو الدهب: "لا تنظيم للطرق كما الحال في أوروبا، ولا ثقافة لاحترام سائقي الدراجات الهوائية، إذ يندر أن يتنبه سائق سيارة لمرور دراجة هوائية، ما قد يعرّض راكبيها إلى مضايقات وحوادث. وحتى الدراجة النارية تتسبب في مضايقات وحوادث كثيرة. من هنا يجب أن يحمي راكب الدراجة الهوائية نفسه قدر المستطاع، ويستخدم أدوات الحماية اللازمة".