الحمير وسيلة التحطيب بجنوب سورية

04 نوفمبر 2022
كادت الحمير تنقرض في سورية (أمين سانسار/الأناضول)
+ الخط -

يستخدم مئات الشبان في مناطق جنوب سورية الحمير في نقل الحطب من الأماكن الوعرة باعتبارها مصدر رزق في ظل بطالة متفشية، ما رفع أسعارها إلى رقم قياسي بعد أن كادت تنقرض خلال سنوات الحرب، لأسباب مختلفة، من بينها ذبحها وبيع لحومها.
يمتهن الشاب سمير الحسن منذ سنتين، تحطيب الأشجار الحراجية في منطقة "اللجاة" الممتدة بين محافظات ريف دمشق، ودرعا والسويداء، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه جنى الكثير من المال مع مجموعة من رفاقه من هذه المهنة التي ازدهرت مؤخراً.
ويضيف الحسن: "الأماكن التي كان يجري التحطيب فيها سابقاً كانت قريبة من القرى، والطرق إليها معبدة، فكانت تنقل الأشجار المقطوعة بواسطة السيارات من دون عائق أمني أو مجتمعي. لكن مع هجوم الحطابين على هذه المناطق خلال السنة الأخيرة، بات من المطلوب الدخول إلى عمق (اللجاة)؛ وعندها بات نقل الحطب مشكلة، فوجد الجميع الحل الأمثل في الحمير، وراح الغالبية يبحثون عنها في القرى، فمنهم من اشتراها، ومنهم من استأجرها، ومنذ بداية العام الحالي ارتفع سعر الحمار الواحد إلى مليون و200 ألف ليرة (300 دولار تقريبا)".
وأضاف العشريني السوري أن "مهمة البحث عن حمار قوي كانت متعسرة كثيراً في البداية، خاصة أن الفلاحين استغنوا عن اقتنائها منذ سنوات في أعمال الفلاحة والنقل، وكان الغالبية يتركونها في الأراضي لعدم القدرة على إطعامها، أو عدم الحاجة لها، والقاطنون في أقصى الريفين الشرقي والجنوبي للمحافظة، كانوا في بداية الأمر يبيعون حميرهم بأسعار معقولة؛ لكنهم بدأوا يتمنعون عن ذلك، حتى وصل السعر إلى ما يقارب المليون ونصف المليون ليرة للحمار الواحد".
لكن ما هو دور الحمار وما الثمن المقابل؟
تخصصت مجموعة من شبان المنطقة في جلب الحطب من داخل "اللجاة" البازلتية الصلبة التي لا تدخلها الآليات، والتي يطلق عليها "الأرض البكر"، أو "الصبة الحرة"، والتي تضم ثروة هائلة من الأشجار الحراجية المتنوعة، وبعضها أشجار نادرة أو معمرة كالبطم، والبلوط، واللوز البري، والزيتون المعمر بأنواعه، وصنفتها منظمة "يونسكو" في عام 2008 كمحمية طبيعية. 

يقول الشاب مدحت علي لـ"العربي الجديد": "مجموعتي مكونة من ثمانية شبان من قرى الريف الشمالي لمحافظة السويداء المتاخمة لمنطقة اللجاة الواسعة، ونعمل مع تجار الحطب مقابل أربعين ألف ليرة سورية يومياً، ومهمتنا مسك لجام الحمار الذي يحمل على ظهره ما يزيد عن 250 كيلوغرام من الحطب المقطع الجاهز للبيع، ونتقاضى أجرنا بعد وصول الحمار إلى أقرب قرية، وتفريغ الحمولة، ثم نعود ثانية لجلب حمل آخر من الحطب، وعادة نقطع مسافة تتراوح بين 15 و20 كم في اليوم مشياً على الأقدام".
ويروي الشاب أن "هناك تجارا يمتلكون عشرة أو عشرين حماراً، ومنهم من استأجر عددا من الحمير بأجر يومي يصل إلى 200 ألف ليرة، وفي حال استئجار الحمار وصاحبه، يزيد المقابل المالي، ولذلك حرص كل منا على امتلاك حماره الخاص لنعمل في هذه المهنة المؤقتة، فالشجر بات بعيداً، وهناك عصابات مسلحة تهدد الجميع بالموت، إضافة إلى المشاكل التي ظهرت في الآونة الأخيرة مع عشائر البدو الذين يسكنون اللجاة، والذين يعتبرون أن الأشجار مملوكة لهم".

قضى التحطيب الجائر على مساحات واسعة من غابات سورية (لؤي بشارة/فرانس برس)
قضى التحطيب الجائر على مساحات واسعة من غابات سورية (لؤي بشارة/فرانس برس)

ويقول أبو زياد، المنحدر من قرية البستان الواقعة في أقصى الشمال الغربي لمحافظة السويداء، والتي تجاور قرى محافظة درعا، إن تجار الحطب وصلوا من درعا مع حميرهم، وكان هناك ما يزيد عن مائة حمار في "وادي البطم" الذي أبيدت أشجاره بالكامل، مضيفاً في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "الأمور كانت هادئة حتى وصل الحطابون مع حميرهم إلى المنطقة، لتبدأ المشاكل بين الحطابين المنتمين إلى المحافظتين، ووقع أكثر من اشتباك مسلح، وقتل شابان خلال تلك الاشتباكات، وكادت المنطقة أن تتحول إلى بركة من الدماء".
وأشار الرجل الستيني إلى إن "الثروة الحراجية أبيدت، خاصة البطم والزيتون، وكنا نتساءل دائماً عن هوية من سهلوا هذا الأمر في بداياته، حتى اكتشفنا أن هناك نقطة عسكرية لجيش النظام، وقد جند قائدها عناصره وأبناء المنطقة لصالحه برواتب مرتفعة، فوقعت كارثة قطع الأشجار التي لا تعوض".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وقبل عام 2011، اعتقلت دوريات حماية المستهلك أكثر من جزار يقوم ببيع لحوم الحمير، وكشفت التحقيقات أن الحمير تذبح في أماكن بعيدة عن المساكن، ومنها مناطق السدود، وتباع لحومها بأسعار رخيصة، ما يجعل الإقبال عليها كبيراً من المواطنين الذين لا يعلمون أنها لحوم حمير، وبرزت في تلك الفترة العديد من النكات والقصص المتعلقة بلحوم الحمير.
بعد عام 2015، والذي أطلق عليه لقب عام الهجرة؛ ترك العديد من السكان الحمير والبغال تسرح في الكروم والبساتين، وكانت فرصة للجزارين الذين عادوا إلى ذبحها وبيع لحومها، وقد انتشرت صور رؤوس الدواب عبر وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة، كما تقلصت أعداد الحمير بصورة كبيرة، وبلغ سعرها في تلك السنة نحو عشرة آلاف ليرة، وكان يستخدمها عدد قليل من المزارعين، وبقي الأمر على هذا الحال حتى برزت مهنة التحطيب التي رفعت أسعار الحمير، وجعلت الحيوان بمثابة ثروة لصاحبه، ما أنقذ الحمير من خطر الانقراض.

المساهمون