تواجه الحمامات التقليدية في تونس، والتي يطلق عليها محلياً اسم "الحمام العربي"، تحدي البقاء ومواصلة أعمالها في إطار مربح، بعدما انضمت إلى قائمة الأنشطة المتأثرة بنقص المياه بعد رفع قيمة التعرفة الخاصة بكبار المستهلكين بنسبة 30 في المائة.
والحمامات التقليدية جزء من التراث الاجتماعي، إذ لا يخلو حي سكني في المحافظات من حمام أو اثنين، ويعتمد جزء كبير منها على مياه الشبكة الحكومية، بينما تستغل أخرى مياه الآبار المعالجة بعد الحصول على مصادقة من وزارة الصحة.
وتحرص فئات واسعة من المواطنين التونسيين من كل الأعمار على ارتياد الحمامات التقليدية أسبوعياً لأغراض الاغتسال والاستشفاء، وتتراوح أسعار ارتياد الحمام للفرد الواحد بين 7 إلى 30 ديناراً تونسياً (2.2 إلى 9.7 دولارات)، وتتباين الأسعار بحسب درجة رفاهية الحمام، وكذا طبيعة الحي الذي يتواجد فيه.
يقول ماهر عطية الذي يملك حماماً تقليدياً في حي المنار بالعاصمة تونس لـ"العربي الجديد": "تعرضت لصدمة أخيراً بعدما تلقيت فاتورة لاستغلال ماء الحنفية عن ثلاثة أشهر بقيمة 9 آلاف دينار (2924 دولاراً)، وهو مبلغ يفوق الأرباح التي أحققها. شركة استغلال وتوزيع المياه تصنّف الحمامات التقليدية ضمن شريحة كبار مستهلكي المياه، ما يزيد من قيمة التعرفة التي لا تتماشى مع الحجم الحقيقي للاستهلاك، ولا طبيعة النشاط الذي يختلف عن أعمال وخدمات أخرى تستهلك كميات كبيرة من المياه".
يضيف عطية: "أصبحت أفكر فعلياً في وقف النشاط وإغلاق المحل، خاصة بعد فشل محاولة زيادة رسم الاستحمام، إذ لم يقبل الزبائن زيادة 5 دينارات على التعرفة، وأعتقد أن أي محل لا يمكن أن يواصل عمله مع تراكم الخسائر الناجمة عن ارتفاع رسوم المياه والكهرباء. غالبية الحمامات، لا سيما تلك العصرية، تستخدم ماء الحنفية ما يجعلها في مهب الإفلاس، خصوصاً أن السلطات تتشدد في إعطاء تراخيص لحفر آبار بغاية استعمال المياه الجوفية، والخوف من أن تؤدي أزمة المياه وارتفاع كلفة استغلال الحمامات إلى القضاء على هذا الموروث الاجتماعي المهم لدى التونسيين، خصوصاً أن العديد من المحلات أغلقت بعدما نضبت آبار كانت تستغلها".
وتعتبرعلاقة التونسيين مميزة مع الحمامات التقليدية التي تقبل عليها كل شرائح المجتمع، وينتشر "الحمام العربي" في المدن الكبرى والقرى رغم وجود حمامات عصرية في البيوت، وفي "تونس العتيقة" وحدها 23 حماماً، بعضها في أزقة محاطة بأسوار قديمة، وأشهرها "حمّام سيدي الرصاص"، و"حمّام صاحب الطابع"، و"حمام الصيودة".
ومع توسّع مشاريع العمران وبناء أحياء سكنية جديدة تواصل انتشار الحمامات في السنوات الأخيرة التي شهدت ظهور أصناف أخرى من الحمامات الراقية تتميز بارتفاع أسعار خدماتها مع حفاظ غالبيتها على الطابع المعماري التقليدي.
ولـ"الحمام العربي" فوائد كبيرة بحسب ما يوضح الطبيب المتخصص في العلاج بالمياه، محمد التليلي، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "العلاج بالمياه له قدرة فائقة في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية غير عميقة ويريدون التخلّص من التوتر النفسي والإنهاك الجسدي، نظراً لقدرة المياه الحارة خصوصا على تجديد طاقة الجسم النفسية والبدنية في وقت قياسي".
يضيف: "تراكم الضغوط النفسية قد يتسبب في تداعيات خطرة تطيح بمناعة الجسم، ما يجعل الأشخاص أكثر عرضة لخطر الأمراض الفيروسية أو غيرها، والمياه علاج طبيعي فعّال لمكافحة الأمراض، والبروتوكولات العلاجية المتخصصة في هذا المجال تعطي نتائج إيجابية بنسبة تصل إلى 80 في المائة. الحمامات التقليدية جزء من منظومة العلاج بالمياه، ما يفسر إقامة هذا الصنف من الحمامات على منابع المياه الطبيعية الساخنة منذ القدم".
ودعا التليلي إلى "استغلال إمكانات المياه المتاحة، فالاسترخاء والتدليك باستخدام المياه يجدد الطاقة في الجسم ويعيد التوزان النفسي، ما يساعد الأشخاص في اكتساب قدرات أكبر على الإنتاج والعمل، وهو أمر ضروري لاستعادة النمو الاقتصادي".
وتصنّف تونس بين المراكز المهمة للعلاج بالمياه في العالم، وتستفيد من مخزون مياه معدنية يتوزع على كل مناطقها من خلال عيون وينابيع وحفريات يتجاوز عددها الـ100، بينها 30 ذات مياه باردة تقل درجة حرارتها عن 25 درجة مئوية، و65 مياهها ساخنة تصل درجة حرارتها إلى 45 درجة مئوية. وتقع تلك العيون الساخنة في مناطق الشمال والوسط والجنوب، خصوصاً في المناطق الجبلية والصحراوية.