رغم الدعوات الدولية والمحلية التي أطلقت لمراجعة الحكومة الباكستانية قرار إخراج اللاجئين من أراضيها بحلول الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لا تزال إسلام آباد تصرّ على تنفيذ قرارها، وتواصل قمع اللاجئين الأفغان من دون تفريق بين من يعيشون بشكل قانوني أو غير قانوني.
وفي خطوة حيّرت الجميع، أمرت الحكومة الباكستانية أصحاب المنازل والفنادق والشقق بإخراج اللاجئين الأفغان من المنازل وأماكن الإيواء. ويقول صاحب منزل في منطقة كيرج فيكتري بالعاصمة الباكستانية إسلام آباد يدعى أويس أحمد لـ"العربي الجديد": "أؤجر منزلاً لأسرة أفغانية لاجئة منذ أربعة أعوام، وهي أسرة طيبة تنتمي إلى قبائل البشتون وتضم شباناً يدرسون، في حين بعمل الأب في تجارة الأحجار الكريمة، وأنا لم أرَ من هذه العائلة طوال الأعوام الأربعة أي شيء غير مناسب أو أي عمل يمكن أن نقول إنه غير لائق. والحقيقة أنني عشت بسعادة معهم خصوصاً أنهم كانوا يدفعون الإيجار في الوقت المحدد، وينفقون على فقراء في المنطقة ويعطونهم الطعام".
يتابع: "مؤخراً أبلغتنا سلطات المنطقة أن كل من يؤجر منزلاً لأفغان يجب أن يخرجهم، وناقشت الموضوع مع الأسرة الأفغانية، واعتذرت لها، ثم طلبت منها مغادرة المنزل، وهذا ليس برغبتي بل لأنني مرغم على فعل ذلك، فالحكومة هددت باتخاذ إجراءات وخطوات قانونية ضد كل من يؤوي الأفغان في منزله. وغادر أفراد الأسرى المنزل هذا الأسبوع فشعرت أن أخوة أعزاء لي ذهبوا. جميع أفراد أسرتي وكذلك الجيران حزنوا أيضاً بسبب ما حصل لأن أفراد هذه الأسرة كانوا طيبين بكل معنى الكلمة، لكننا لم نستطع فعل أي شيء لهم".
ويذكر أويس أن "الشرطة الباكستانية قدمت إلى المسجد، وتحدثت مع الإمام ثم أعلنت أن الأفغان لا بدّ أن يخرجوا من المنطقة، وطالبت أصحاب المنازل بتنفيذ القرار، وإلا سيُلاحقون قانونياً ويتحملون مسؤولية ما يواجهونه، مشددة على ضرورة إخراج جميع الأفغان بلا استثناء، من دون أن تتحدث عن أولئك الذين يملكون أوراقاً أو بطاقات لجوء (بطاقة مفوضية اللاجئين) أو من لا يملكونها، كما تروّج بعض وسائل الإعلام".
ويروي الباكستاني عنايت الله خان، وهو من سكان العاصمة إسلام آباد، لـ"العربي الجديد": "خرج من المنازل عدد كبير من جيراننا الأفغان الذين عاشوا أكثر من ستة أعوام أو حتى عشرة أعوام في حبيب كالوني ومشرف كالوني (منطقتان في ضواحي العاصمة)، وأحزنني ذلك لأن علاقات كل أبناء المنطقتين كانت طيبة ورائعة معهم. لقد أجبروا على الخروج والذهاب لأن أصحاب المنازل فيها تلقوا أوامر من السلطات بترحيلهم. وللأسف استغل بعض المالكين القرار، ولم يعيدوا للاجئين المتبقي من إيجارات المنازل باعتبار أن أصحاب المنازل يحصلون مسبقاً على إيجار عام كامل أحياناً، علماً أن القانون ينص على إبلاغ صاحب المنزل المستأجر قبل شهر بالخروج، كي يبحث عن منزل آخر، وأيضاً على أن يُدفَع للمستأجر المغادر ما تبقى من الإيجار المدفوع سلفاً لمدة ستة أشهر أو ربما عام، وهو ما لم يحصل هذه المرة".
يضيف: "خرج الأفغان من دون مناقشة أصحاب المنازل، ولم يطلبوا أي أموال خشية التعرّض لملاحقة الشرطة، ونحن لا نعرف إلى أين ذهبوا، لكننا حزينون جداً على طريقة التعامل فهم أناس محترمون نشهد على تمتعهم بالكرم والاعتزاز بالنفس".
من جهته، يقول اللاجئ الأفغاني نور محمد أحد الذي أمره صاحب المنزل بالمغادرة تنفيذاً لقرار الحكومة، لـ"العربي الجديد": "أعيش منذ سبعة أعوام في المنزل ذاته في باكستان. وقبل ثلاثة أيام جاء صاحب هذا المنزل، وطلب مني المغادرة لأن الشرطة أمرت جميع المالكين بأن يخرجوا الأفغان من المنازل كي يعودوا إلى بلادهم. وأخذت زوجتي وابنتي وابني إلى منزل خالتي، استعداداً للذهاب إلى أفغانستان. أنا لست حزيناً على عودتي إلى بلدي، وخسارتي عملي في باكستان لأنه كان سيحصل عاجلاً أم آجلاً، لكن أحزنتني طريقة تعامل صاحب المنزل معي رغم أنه صديق لي ولأسرتي، لكن تغيّر كل شيء خلال يوم واحد، وعاملني على غرار أسرته بطريقة لم أتوقعها، ولعلّ السبب هو ضغط الحكومة والخوف منها".
وكان الأفغان وكلّ من يراقب تعامل السلطات الباكستانية مع اللاجئين الأفغان، في الأشهر الماضية، يتوقّعون أن تتّخذ إسلام آباد إجراءات صارمة في حقّ هؤلاء، لكنّهم لم يتوقّعوا القرار الذي أعلنه وزير الداخلية سرفراز بكتي، والقاضي بترحيل الأفغان الذين يعيشون في باكستان بطريقة غير قانونية، وعددهم مليون و700 ألف شخص تقريباً، بحلول الأول من نوفمبر المقبل، بحجّة أنّهم يتورّطون في أعمال عنف، وتنفيذهم أكثر من 50 في المائة من العمليات الانتحارية التي شهدتها باكستان منذ مطلع العام الحالي.
وحول تأثيرات القرار على حياة اللاجئين، يقول المحلل السياسي وخبير الشؤون القبلية طاهر خان لـ"العربي الجديد": "يترقب اللاجئون الأفغان في باكستان ماذا سيفعل المجتمع الدولي وحكومة طالبان لهم، في هذه الفترة العصيبة".