الحرّ يفاقم آلام مرضى غزة مع انقطاع الكهرباء

13 اغسطس 2023
خزان مياه حلّ سهل للتبريد (محمد الحجار)
+ الخط -

يخرج فادي الجبير (48 سنة) من غرفته في منتصف معظم ليالي الصيف، ليكمل نومه أمام باب منزله الذي يتعمد فتحه كي يدخل هواء طبيعي من الخارج، وذلك للهرب من الحرارة الشديدة في غرفته التي يزيدها انقطاع الكهرباء، وعدم إمكان تشغيل وسائل تبريد، فهو يريد بأي طريقة تخفيف الضغط الذي يشعر به في صدره في ظل إصابته بمرض الربو.
يعيش الجبير في منزل صغير بمخيم الشاطئ لا تتجاوز مساحته 90 متراً، ويضم أفراد عائلته إضافة إلى شقيقه وعائلته. وهو يصف حال المنزل في الصيف بأنه "فرن"، مشيراً إلى أن والده بناه قبل أكثر من 40 عاماً، في حين لا يستطيع شراء حتى مروحة لغرفته لأنه عاطل عن العمل.
يمتد مخيم الشاطئ على مساحة نحو كيلومتر مربع غربي غزة، ويضم مئات من منازل اللاجئين التي تطل على الشاطئ، ومعظمها في حالة رديئة.

ويخبر الجبير "العربي الجديد" أنه يتناول بسبب مرضه حبوباً عدة يحصل عليها من عيادة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وحين يشعر بضيق يزيد كميات الحبوب، "لكنها باتت بلا مفعول في مواجهة الحرّ فأشعر بضيق شديد وحال نفسية سيئة ما يحتم تدهور صحتي".
يضيف: "المخيم سجن عشنا فيه بعد النكبة باعتباره مكاناً مؤقتاً، لكن الفقر والحرّ والبرد تقسو علينا في هذا السجن".
ومع بداية الصيف نفذ الغزيون حملة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات هاجمت مسؤولي الطاقة بسبب استمرار أزمة الكهرباء من دون حل جذري سياسي أو اقتصادي، كما طالبت بتشغيل المولد الرابع داخل المحطة الوحيدة لتوليد الطاقة في غزة.
وأعلن مسؤولو الطاقة والموارد الطبيعية في غزة أنهم استجابوا لطلب تشغيل المولد الرابع بتمويل قطري، وأنهم سيرفعون إنتاج الكهرباء إلى ما بين 85 و95 ميغاوات. وتغيّرت ساعات التغذية من 5 ساعات بعد 10 ساعات قطع، إلى 8 ساعات مقابل ساعات قطع مماثلة.

أطلق الغزيون حملة كبيرة للمطالبة بالكهرباء بداية الصيف (محمد الحجار)
أطلق الغزيون حملة كبيرة للمطالبة بالكهرباء بداية الصيف (محمد الحجار)

وفي ظل الوضع السائد يمتنع عدد من المرضى عن تطبيق إرشادات الأطباء الخاصة بالعلاج بسبب عدم قدرتهم على توفير وسائل تبريد دائمة، وتقييد الاكتظاظ السكاني حركتهم خارج المنازل، وفي مقدمهم المصابون بمسيرات العودة التي انطلقت عام 2018، والذين لا يزالون يعانون من مضاعفات إصاباتهم المباشرة برصاص الاحتلال الإسرائيلي.
وسبق أن عرض تقرير استقصائي أجرته "العربي الجديد" لمعاناتهم المستمرة مع مضاعفات الآلام، في حين يُفاقم حرّ الصيف الحالي معاناتهم.

حتى الحيوانات تشعر بضيق كبير من الحرّ (محمد الحجار)
حتى الحيوانات تشعر بضيق كبير من الحرّ (محمد الحجار)

ولا يزال ساجد الحصري (38 سنة)، وهو أحد مصابي مسيرات العودة عام 2018، يعاني من إصابته بطلق ناري متفجر اخترق ساقيه، لكنه ألحق ضرراً كبيراً بالساق اليمنى تحديداً، قبل أن تتفاقم معاناته إثر إصابته بمرض السكري العام الماضي، ثم مع اشتداد الحرارة داخل منزله الذي يقع في حي الشجاعية هذا الصيف.
يقول لـ "العربي الجديد": "أعيش في معاناة منذ 5 سنوات، بينما جلب فصل الصيف الحالي الجحيم لي. أشعر بحرارة في مكان الجرح، وتتضاعف آلامي وتصيبني بحكة وبعض الالتهابات. وطلب الطبيب مني أن أحصل على تهوية دائمة، وهو ما لا أستطيع أن أفعله بلا كهرباء، كما أعيش في فقر شديد، وبت بلا عمل، وأعيش على المساعدات التي أتلقاها. لدي مروحة واحدة ضعيفة، ومنزلي ضيّق ولا يدخله هواء بسبب التصاق المنازل بعضها ببعض في الحي".

تواجه الأسر الفقيرة حرّ هذا العام بكل أنواع المعاناة (محمد الحجار)
تواجه الأسر الفقيرة حرّ هذا العام بكل أنواع المعاناة (محمد الحجار)

ويشير الحصري إلى أن الحرارة المرتفعة وآلام الإصابة جعلته يفقد توازنه مرات كثيرة، ثم أظهرت الفحوص أنه يتعرض لانخفاض في ضغط الدم، وأخبره طبيبه أن المصابين بأمراض مزمنة يشعرون بضيق كبير والتأثيرات السلبية غير العادية للحرارة المرتفعة.
ويحاول الغزيون على مدار سنوات الحصار الإسرائيلي وانقطاع التيار الكهربائي تأمين وسائل تبريد وتدفئة خلال فصلي الشتاء والصيف، وفي مقدمها بطاريات لتوليد الكهرباء في شكلٍ متواصل، لكن أزمة انقطاع الكهرباء تشتد في بعض الأحيان فلا تكفي ساعات شحن البطاريات. كما ظهرت أخيراً مشكلة غلاء ثمن البطاريات وتكلفة إصلاحها وسط ارتفاع نسبة الفقر المدقع في القطاع.

ويقول عبد الرحمن أبو سويرة (50 سنة)، أحد الذين عجزوا عن تجديد بطاريات منزله التي بات لا يستطيع تشغيلها إلا ساعات قليلة، لـ"العربي الجديد": "أعجز عن تأمين ثمن البطاريات بعدما ارتفع ثمنها ثلاث مرات خلال ثلاث سنوات. وكنت أدأب على تجديدها كل عام بخلاف الحالي، وأنا أعاني من سُمنة، ولا يستطيع جسمي أن يتحمل الحرارة، كما أنني مصاب بمرض السكري. كل شيء هنا يدفعنا إلى الموت البطيء".

المساهمون