الحريديم المدللون يرفضون "خطة إغراءات" تدريسية

07 أكتوبر 2022
تعتبر مرجعيات الحريديم أن مواد التعليم الأساسية تمسّ بتيارهم (جاك غويز/ فرانس برس)
+ الخط -

يعكس الجدل الواسع الذي تركته الخطة التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية أخيراً لتشجيع المؤسسات التعليمية التابعة للتيار الديني الحريدي على تدريس المواد الأساسية، وهي اللغة الإنكليزية والرياضيات والعلوم، حجم الأثمان الباهظة التي تدفعها تل أبيب بسبب التوجهات الانعزالية لهذا التيار، وإصرار مرجعياته الدينية اليهودية على منع شبانها من أداء "واجبات" مفروضة على بقية الشبان الإسرائيليين. 
وتستهدف الخطة معالجة تمثيل أتباع التيار المتدين جداً في سوق العمل الإسرائيلي القائم أساساً على التقنيات التكنولوجية والمتطورة، والتي تتطلب بالتالي امتلاك العاملين مقداراً مناسباً من التأهيل في الرياضيات والعلوم والإنكليزية.
وتشمل خطة الحكومة تقديم إغراءات مالية كبيرة للمؤسسات التعليمية التابعة للتيار الديني الحريدي من أجل تشجيعها على تدريس المواد الأساسية، وبينها مخصصات مالية تناهز 6000 شيكل (حوالي 1691 دولاراً) لكل طالب. 

ونقل موقع صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن وزير المالية أفيغدور ليبرمان قوله إن "الخطة ستساعد الطلاب الحريديم في الحصول على مؤهلات تسمح بانخراطهم في سوق العمل"، فيما حذر في تصريحات أخرى أدلى بها لموقع "آي سي إي" الاقتصادي، من أن "مواصلة الحريديم التهرّب من تعلّم المواد الأساسية وخروجهم من سوق العمل، يمثل كارثة للحلم الصهيوني، واقتصاد إسرائيل".
ورغم أن خطة الحكومة لا تؤثر في تدابير تمويلها الكامل مؤسسات التيار الديني الحريدي، وتستهدف فقط تقديم حوافز إضافية لتشجيعها على تعليم المواد الأساسية، أبدت مرجعيات التيار الحريدي والأحزاب التي تمثلها في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) رفضها الفوري لها، بحجة أن فرض تدريس المواد الأساسية يمسّ بالقيم التي يؤمن بها الطلاب الحريديم، علماً أن وزيرة التعليم شوشانا بيطون شددت على أن الخطة تتضمن تطمينات لهذه المرجعيات في شأن الحفاظ على قيم التيار.
ولم يكتفِ قادة التيار الحريدي برفض الخطة، بل تحركوا لدى المعارضة وحزبها الأكبر "الليكود". وتوصل النائب موشي جفني، أحد قادة حزب "يهدوت هتوراة" الذي ينضم إلى مجموعة أحزاب تمثل الحريديم في الكنيست، إلى تفاهم مع زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو يقضي بألا تنفذ أي حكومة يمكن أن يشكلها الأخير بعد الانتخابات القادمة أي خطوة لإجبار المؤسسات التعليمية الحريدية على تدريس المواد الأساسية.
وعزت صحيفة "كالكليست" الاقتصادية تقديم نتنياهو هذا التعهد إلى حقيقة أنه معني بإقناع الأحزاب الحريدية بالانضمام إلى الحكومة القادمة في حال كلّف بتشكيلها بعد الانتخابات، علماً أن ظفره مجدداً بمنصب رئيس الحكومة يمثل طوق النجاة الوحيد له من المحاكمة بقضايا الفساد الخطرة المتهم بها. 
وما يفاقم خطورة الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية لخروج أتباع الحريديم من سوق العمل حقيقة تشكيلهم حوالي 12 في المائة من إجمالي عدد السكان، واحتضانهم أكبر نسبة نمو في عدد المواليد، علماً أن موقع "سيحا مكوميت" أفاد بأن معدل ولادات المرأة الحريدية الواحدة يبلغ أكثر من سبعة أطفال.

الصورة
يشهد التيار الحريدي أكبر نسبة ولادات (رونالدو شميدت/ فرانس برس)
يشهد التيار الحريدي أكبر نسبة ولادات (رونالدو شميدت/ فرانس برس)

ولا تنحصر المشاكل الاقتصادية التي يولدها الحريديم في غيابهم عن سوق العمل، بل أيضاً في حقيقة أنهم يستنزفون موارد "الدولة" من خلال مخصصات الضمان الاجتماعي التي يحظون بها، إذ أقرّت حكومة إيهود براك عام 2000 قانون "العائلات الكثيرة الأولاد"، الذي أحدث زيادة كبيرة في المخصصات التي يتلقاها كل طفل في عائلة تضم خمسة أطفال أو أكثر، وأخرى في مخصصات الشيخوخة والبطالة.
ورأى الباحث الإسرائيلي كولو أور أن "الجمع بين زيادة معدلات الولادة في الوسط الحريدي وغياب الحريديم عن سوق العمل يولّد مشكلة اجتماعية يجب معالجتها جدياً، وبشكل جذري"، وكتب في مقال نشره بموقع "سيحا مكوميت" أن "هذا الواقع فاقم مستويات الفقر في أوساط الحريديم التي قفزت من 38 في المائة عام 1998 إلى 52 في المائة عام 2015"، وأيد في المقال ذاته استنتاج الباحث إيلي برمان، في دارسة أعدّها، وجود علاقة بين مستوى فقر العائلات الحريدية وزيادة عدد أولادها، وعلّق: "ما يفاقم الأمور تعقيداً حقيقة أن الشباب الحريديم يتزوجون في أعمار مبكرة، ما يسمح بزيادة عدد أفراد الأسرة".
وإلى جانب المعضلات الاقتصادية والاجتماعية، يمثل التيار الحريدي مشكلة أمنية لإسرائيل، إذ لا تؤدي الغالبية الساحقة من أتباعه الخدمة العسكرية تنفيذاً لاتفاق أبرمه أول رئيس وزراء دافيد بن غوريون مع مرجعيات التيار، ويهدف إلى تعزيز دراسة العلوم الدينية.
ورغم الهجوم الذي يشنه وزير المالية ليبرمان وحزب "يسرائيل بيتينو" الذي يقوده بشعار الدفاع عن العلمانية، لا توفر البيئة السياسية الداخلية أي فرصة لإصلاح هذا الواقع، لأن الأحزاب التي تمثل التيار الحريدي شكلت غالباً بيضة القبان في تشكيل ائتلافات الحكومات المتعاقبة، فيما سمح النفوذ الكبير للحريديم بمواصلة تهرب أتباعه من الخدمة العسكرية، وعدم مشاركتهم في سوق العمل، حتى مع تعاظم ثقلهم الديموغرافي بسبب تكاثرهم الطبيعي.
ومنذ الانقلاب السياسي الذي شهدته إسرائيل عام 1977، والذي جلب حزب "الليكود" للمرة الأولى إلى سدة الحكم، باتت الأحزاب الحريدية ركيزة رئيسية في الائتلافات الحكومية التي تعاقبت على حكم إسرائيل، باستثناء تشكيلات قليلة، منها الحكومة الحالية لتصريف الأعمال. 

ورغم أن ليبرمان طرح خطته لتشجيع المؤسسات التعليمية الحريدية على تدريس المواد الأساسية، لكن مسؤولين في الحكومة، خصوصاً وزير الأمن بني غانتس الذي يقود حزب "المعسكر الرسمي"، سارع إلى "مغازلة" الحريديم ولقاء قادتهم، وإرسال رسائل تطمئنهم إلى أنه لا يتبنى توجهات وزير المالية.
وفيما نقلت قناة "13" عن تقرير أصدره أخيراً "مكتب الإحصاء المركزي" الإسرائيلي توقعه أن يشكل الحريديم ثلث السكان بحلول عام 2056، فالأكيد أن نفوذهم السياسي وتأثيرهم في دائرة صنع القرار سيتعاظمان، ما جعل نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشاك فريليخ يكتب في صحيفة "هآرتس" أن "وتيرة تعاظم الثقل الديموغرافي للحريديم قد تفضي إلى زيادة دورهم في عملية صنع القرار، لدرجة احتمال تولي حريدي منصب رئيس الوزراء بحلول عام 2060". من هنا يرى محللون أن "الحريديم يمثلون ثقباً أسود قد لا تستطيع إسرائيل أن تعالج تداعياته الكثيرة والمتشابكة".

المساهمون