الحرب الإسرائيلية على غزة... حتى إحصاء الضحايا أصبح عسيراً

07 ديسمبر 2023
جثث ضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع خارج مستشفى النجار في رفح (سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ليومها الـ62، وسط تحذيرات وكالات إغاثة من أن الكارثة الإنسانية تتفاقم كل ساعة مع تشرد معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة ومحاصرتهم في جيب ساحلي ضيق مع القليل من الغذاء والماء والرعاية الطبية والوقود والمأوى الآمن.

ويتزايد القلق من احتمال عجز السلطات الصحية في غزة عن مواصلة الإحصاء الدقيق لضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة مع تدمير البنية التحتية الأساسية، وتكرار تعطل خدمات الهاتف والإنترنت ومقتل أو اختفاء عدد من القائمين على هذه العملية.

الحرب الإسرائيلية: كيف جُمعت الحصيلة حتى الآن؟

في الأسابيع الستة الأولى من الحرب الإسرائيلية، أرسلت مشارح المستشفيات في أنحاء غزة الأرقام إلى مركز الإحصاء الرئيسي التابع لوزارة الصحة التي تديرها حماس في مستشفى الشفاء. واستخدم المسؤولون برنامج إكسل في تسجيل أسماء الشهداء وأعمارهم وأرقام بطاقات هوياتهم ونقلوا ذلك إلى وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله.

يتزايد القلق من احتمال عجز السلطات الصحية في غزة عن مواصلة الإحصاء الدقيق للضحايا

لكن عمر حسين علي، مدير مركز عمليات الطوارئ التابع للوزارة في رام الله، قال إن من بين المسؤولين الأربعة الذين يديرون مركز بيانات الشفاء، توفي أحدهم في غارة جوية أصابت المستشفى بينما لا يُعرف مصير الثلاثة الآخرين بعدما استولت القوات الإسرائيلية على المبنى بحجة أنه مخبأ لحماس.

وقال هاميت داردوغان، مؤسس ومدير مشروع ضحايا حرب العراق، الذي أنشئ أثناء الغزو والاحتلال الأميركي للعراق: "ذاك النوع من تسجيل الضحايا المطلوب لفهم ما يجري أصبح أكثر صعوبة. فالبنية التحتية للمعلومات والأنظمة الصحية تتعرض لتدمير ممنهج".

ومع انهيار الهدنة التي استمرت أسبوعا واحدا في الأول من ديسمبر/ كانون الأول، أصبح تحديث حصيلة الحرب الإسرائيلية على غزة الذي كان يصدر يوميا بشكل عام غير منتظم. وجاءت أحدث إضافة لبيانات وزارة الصحة في غزة، يوم الاثنين، عبر المتحدث باسمها أشرف القدرة ليرفع عدد الضحايا إلى 15899.

مع انهيار الهدنة التي استمرت أسبوعاً واحداً في الأول من ديسمبر/ كانون الأول، أصبح تحديث الحصيلة الذي كان يصدر يومياً بشكل عام غير منتظم

ولم يعقد القدرة مؤتمره الصحافي المعتاد يوم الثلاثاء. ولم يصدر أي بيان لنحو 48 ساعة حتى وقت متأخر من مساء أمس الأربعاء عندما بعث برسالة عبر تطبيق واتساب للصحافيين لم تتضمن تقريرا يوميا عن ضحايا الحرب الإسرائيلية من الشهداء والمصابين، لكنه قال إن مستشفى الأهلي العربي المعمداني في مدينة غزة مكتظ بالمصابين والضحايا وإن المصابين ينزفون حتى الموت.

ولم يصدر سوى تقريرين جزئيين من الوزارة حدثا عدد الضحايا بناء على عدد الجثث التي وصلت إلى مستشفيين، بواقع 43 جثة يوم الثلاثاء، و73 جثة أمس الأربعاء.

وقالت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة، الثلاثاء، إن الخدمات الصحية في غزة في حالة يرثى لها بعد قتل القوات الإسرائيلية أكثر من 250 موظفا واعتقالها 30 على الأقل.

* هل أرقام الضحايا المعلنة شاملة؟

قال متحدث باسم وكالة لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة: "يشير رصدنا إلى أن الأرقام التي قدمتها وزارة الصحة قد تكون أقل من الواقع لأنها لا تشمل الضحايا الذين لم يصلوا إلى المستشفيات أو من يُحتمل وجودهم تحت الأنقاض".

وصرح ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة في جامعة ييل، الذي عمل في إحصاء قتلى الصراعات المسلحة والكوارث الطبيعية أكثر من 20 عاما: "إنه افتراض منطقي أن الأعداد المسجلة أقل من الواقع، ومنخفضة".

وجاء في تقرير للسلطة الفلسطينية صادر في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، أن ألف جثة على الأقل لا يمكن انتشالها أو نقلها إلى المشارح، نقلا عن عائلات أجرى موظفو السلطة الفلسطينية مقابلات معها، وهو مثال واضح لتأثير الحرب "على جمع البيانات والإبلاغ عنها"، حسبما جاء في تقرير لمجلة لانسيت.

وقالت الوزيرة مي الكيلة، يوم الثلاثاء، إن عدد الجثث التي يُخشى أنها مطمورة تحت الأنقاض يصل الآن إلى الآلاف، وإن الدمار لحق بجزء كبير من معدات الحفر التابعة لقوات الدفاع المدني في غزة في الغارات الجوية الإسرائيلية.

* ما مدى مصداقية أرقام الخسائر البشرية حتى الآن؟

قال خبراء في الصحة العامة لـ"رويترز"، إن غزة قبل الحرب كانت تتمتع بإحصاءات سكانية جيدة، من إحصاء عام 2017 وعمليات مسح أحدث للأمم المتحدة وأنظمة معلومات صحية سلسة وأفضل من معظم دول الشرق الأوسط.

وأفادت أونا كامبل، الأستاذة في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، إن السلطات الصحية الفلسطينية تتمتع بمصداقية راسخة في أساليبها للحفاظ على الإحصاءات الأساسية وتتبع الوفيات بشكل عام، وليس فقط في أوقات الحرب. وتعتمد عليها وكالات الأمم المتحدة.

وصرح ريموند، من جامعة ييل: "قدرات جمع البيانات الفلسطينية احترافية وكثيرون من موظفي الوزارة تدربوا في الولايات المتحدة. وهم يعملون بجد لضمان الدقة الإحصائية".

في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، نشرت وزارة الصحة الفلسطينية تقريرا مؤلفا من 212 صفحة تضمن أسماء وأعمار وأرقام هويات 7028 فلسطينيا سجلتهم كضحايا جراء ضربات جوية إسرائيلية، بعدما شكك الرئيس الأميركي جو بايدن في أعدادهم.

وحللت كامبل وأكاديميان آخران البيانات الواردة في تقرير مجلة لانسيت الطبية في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني وخلصوا إلى أنه ليس هناك سبب واضح للشك في صحتها. وكتب الباحثون "نرى أن من غير المعقول أن هذه الأنماط (لمعدلات الوفيات) مستقاة من بيانات ملفقة".

ولم تصدر وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية تقريرا مفصلا مماثلا منذئذ في تجل لضعف الاتصالات مع غزة.

* ماذا تقول دولة الاحتلال الإسرائيلي؟

قال مسؤول إسرائيلي كبير للصحافيين، يوم الاثنين، إن نحو ثلث القتلى في غزة حتى الآن ممن وصفهم بالمقاتلين الأعداء، مقدرا عددهم بأقل من عشرة آلاف لكن أكثر من خمسة آلاف، دون أن يقدم تفاصيل عن مسوغات لتقديره هذا. وقال المسؤول إن العدد الإجمالي للقتلى الذي أعلنته السلطات الفلسطينية الذي بلغ حتى يوم الاثنين نحو 15 ألف قتيل دون تقسيم بين مدني ومقاتل، صحيح "بشكل أو بآخر".

وتقول جماعات لحقوق الإنسان وباحثون إن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين ناجم عن استخدام أسلحة ثقيلة تتضمن ما يسمى بالقنابل "الخارقة للتحصينات" التي تستهدف تدمير شبكة أنفاق حماس الاستراتيجية والضربات الجوية لمناطق سكنية تقول إسرائيل إن حماس تخبئ فيها قواعد لمقاتليها ومنصات إطلاق صواريخ وأسلحة داخل المباني السكنية والمستشفيات وأسفلها.

* ما نسبة الأطفال بين الضحايا؟

تُعرّف الأمم المتحدة والقانون الإسرائيلي والفلسطيني الطفل بأنه الشخص الذي يقل عمره عن 18 عاما، على الرغم من أن بعض مقاتلي حماس يُعتقد بأنهم ضمن هذه الفئة العمرية.

وقالت وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية، يوم الثلاثاء، إن نحو 70 بالمائة من الشهداء في غزة من النساء والأطفال دون 18 عاما، لكنها لم تنشر أي تقسيم للفئات العمرية منذ تقريرها الصادر في 26 أكتوبر/ تشرين الأول.

وجاء في تقرير مجلة لانسيت الطبية أن بيانات تقرير الوزارة الفلسطينية أظهرت أن 11.5 بالمائة من الوفيات التي سجلتها في الفترة من السابع إلى 26 أكتوبر/ تشرين الأول كانت لأطفال لا تزيد أعمارهم على أربع سنوات، وأن 11.5 بالمائة تراوحت أعمارهم بين خمس وتسع سنوات، و10.7 بالمائة أعمارهم بين عشرة و14 عاما و9.1 بالمائة بين 15 و19 عاما.

ووفقاً للمصدر نفسه: "هناك ارتفاع واضح بين الرجال الذين تراوح أعمارهم بين 30 و34 عاما، في ما قد يمثل مقاتلين أو تعرض المدنيين" للقصف، مثل المسعفين في مواقع القصف والصحافيين والأشخاص الذين يخرجون لجلب الماء والغذاء لعائلاتهم.

* أيمكن أن يصبح إحصاء الضحايا من خسائر الحرب الآن؟

قال ريتشارد بيبركورن، مبعوث منظمة الصحة العالمية إلى غزة، يوم الثلاثاء، إن المرحلة الجديدة من الهجوم الإسرائيلي التي تمتد إلى النصف الجنوبي من قطاع غزة اعتبارا من الأول من ديسمبر/ كانون الأول زادت تراجع القدرة على جمع بيانات موثوق بها عن عدد الضحايا.

وأضاف "مثلما نعلم جميعا، نحصل عادة على (البيانات) من وزارة الصحة، ومنذ أيام اعتمد الأمر أكثر على التقديرات، وأصبح الأمر أكثر صعوبة".

وقال خبراء إن من المؤشرات المروعة الأخرى لخسائر الحرب أنه أصبح من المستحيل تقريبا أن تعمل مجموعة من التكنوقراط في مجال الصحة تتمتع بالكفاءة سابقا.

وأفاد ريموند، من جامعة ييل: "إنها علامة رهيبة حين نصل إلى نقطة، كما هو حال السودان حيث لا يكون هناك حتى تسجيل للوفيات. وهذا في حد ذاته يبدو لنا كعمال إغاثة الاحتمال الأسوأ".

يذكر أنه مع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يومها الـ62، تشهد عدة محاور، وتحديداً في خانيونس، اشتباكات ضارية، فيما يواصل جيش الاحتلال مجازره بحق المدنيين في مختلف أنحاء القطاع على وقع انهيار النظام الصحي وعدم التمكن من علاج غالبية الجرحى.

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون