الجوع يجبر الفلسطينيين في قطاع غزة على تناول أعلاف الحيوانات

22 يناير 2024
تُطحن الذرة والشعير المخصّصان لأعلاف الحيوانات من أجل توفير دقيق للجائعين (فرانس برس)
+ الخط -

لم يتخيّل الفلسطينيون في قطاع غزة أنّ يمرّ عليهم يوم لا يجدون فيه طعاماً يأكلونه، لدرجة أن يضطر عدد منهم إلى طحن أعلاف الحيوانات لصنع دقيق يسدّ جوع الأطفال، وسط الحرب المتواصلة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع والحصار المشدّد عليه منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وقد لجأ فلسطينيون في شمال القطاع خصوصاً إلى ذلك، بعد نفاد المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب بسبب منع قوات الاحتلال دخول المساعدات إلى سكان محافظتَي غزة وشمال غزة، وفرضها حصاراً خانقاً عليهم.

وقبل أسابيع عدّة، خلت الأسواق في مدينة غزة وبقية مناطق الشمال من دقيق القمح، فاتّجه الفلسطينيون إلى طحن حبوب الذرة والشعير المخصّصة لصنع أعلاف الحيوانات في مواجهة الجوع.

يُذكر أنّ الاحتلال الإسرائيلي، منذ بدء حربه المدّمرة على القطاع قبل 108 أيام، قطع إمدادات المياه والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن قطاع غزة، وترك نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون من أوضاع إنسانية كارثية، علماً أنّه راح يسمح بمرور بضع شحنات إمدادات محدّدة وشحيحة لا تكفي الاحتياجات الكبيرة للفلسطينيين المحاصرين والمستهدفين.

أهالي شمال غزة: لا نجد لقمة للأطفال

في سوق مخيّم جباليا شمالي قطاع غزة، راحت آمال شعبان تحاول البحث عن دقيق القمح الأبيض لإطعام أطفالها الخمسة، لكن من دون جدوى. فعمدت كما في كلّ مرّة إلى شراء نوع آخر من الدقيق، "مصنوع من قمح رديء جداً" بحسب ما تخبر وكالة الأناضول. تضيف آمال أنّ "طعم الخبز الذي نصنعه من هذا الدقيق سيّئ جداً، ولا يتقبّله الأطفال عادة. لكنّني لا أجد غيره، فأشتريه".

وتشير آمال إلى أنّ "الأرزّ هو ما نتناوله منذ أيام كثيرة، وقد ارتفع ثمنه ثلاثة أضعاف" مقارنة مع ما كان عليه قبل الحرب. وتتابع: "لم نعد قادرين على شرائه، في حين أنّ دقيق القمح مفقود وثمن دقيق الذرة والشعير مرتفع جداً فيما طعمه سيّئ".

وتقول المرأة الفلسطينية إنّها تشتري يومياً ثلاثة كيلوغرامات من الدقيق المتوفّر لقاء 50 شيكل (نحو 14 دولاراً أميركياً)، مشيرة إلى أنّها دفعت للتوّ آخر ما تملكه من مال. وبالتالي لن تتمكّن غداً من شراء كمية إضافية منه.

وتؤكد آمال: "تعبنا من المعاناة. نحتاج إلى وقفة دولية قوية إلى جانبنا. فقد دُمّرت بيوتنا ومات أولادنا وإخوتنا وأهلنا"، مضيفة أنّ "الناس جاعوا وبدأوا يبيعون أثاث منازلهم حتى يتمكّنوا من شراء الطعام لأطفالهم". وتطالب "كلّ الدول العربية والاتحاد الأوروبي بأن تساعدنا للتخلّص من هذه المعاناة. نحن لا نجد لقمة للأطفال، ولا بدّ من أن تقف هذه الدول إلى جانب الأطفال".

بدوره، كان عبد الرحيم الجربي يبحث عمّا يشتريه في سوق مخيّم جباليا، بعدما نفدت كلّ كميات الدقيق التي تملكها عائلته. ويقول لوكالة الأناضول: "نتجوّل طوال الليل والنهار بحثاً عن دقيق يكفينا يوماً واحداً فقط، ولا نجده. لم نعد نعرف ماذا نأكل"، وسط ارتفاع أسعار ما هو متوفّر بصورة كبيرة. يضيف: "ولا ندري من أين نحضر المال لنشتري الطعام لأطفالنا".

ويشكو الرجل الفلسطيني من أنّه يعيش "مأساة على كلّ الأصعدة. فلا طعام، ولا نوم جيّداً بسبب استمرار القصف الإسرائيلي، ولا مياه صالحة للشرب". ويؤكد أنّ أسرته المكوّنة من سبعة أفراد تكتفي بتناول ما تنجح في الحصول عليه من خبز يومياً مع الشاي فقط.

صرخة من غزة: نريد دقيقاً ومياهاً مثل البشر

لا تختلف حال خالد عبد النبي عن أحوال سواه من الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر والمستهدف، ويقرّ بأنّه بدأ يجمع طعام الحيوانات ليأكله مع أفراد أسرته.

ويقول خالد لوكالة الأناضول: "هذه ليست حياة. الوضع صعب. نريد دقيقاً وطعاماً ومياهاً مثل البشر". ويخبر: "لديّ طفل وطفلة لا أستطيع إطعامهما. حياتنا سيئة جداً. نريد أن نعيش حياة كريمة".

في سياق متصل، يؤكد الفلسطيني محمد حمادة، صاحب مطحنة للحبوب في مخيّم جباليا، نفاد الدقيق الأبيض من الأسواق كلياً، ويشير إلى أنّ "المتوفّر في السوق حالياً دقيق الذرة فقط".

ويروي محمد لوكالة الأناضول كيف كانوا يعمدون إلى طحن الأرزّ، لكنّ ارتفاع أسعاره دفعهم إلى التوقّف عن ذلك، وراحوا يطحنون الذرة والشعير المخصّصين لأعلاف الحيوانات.

يُذكر أنّ المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة كان قد أفاد، في 13 يناير/ كانون الثاني الجاري، بأنّ "الموت يهدّد نحو 800 ألف نسمة في محافظتَي غزة وشمال غزة بسبب استمرار سياسة التجويع والتعطيش التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي". بيّن المكتب أنّ الفلسطينيين في شمال قطاع غزة "بحاجة إلى ألف و300 شاحنة يومياً من المواد الغذائية للخروج من حالة الجوع، بواقع 600 شاحنة لمحافظة شمال غزة و700 شاحنة لمحافظة غزة".

وحذّر المكتب الإعلامي من مساعي قوات الاحتلال الإسرائيلي "المتعمّدة والمقصودة لإحداث مجاعة حقيقية" في محافظتَي غزة وشمال غزة.

وتواصل سلطات الاحتلال إغلاق المعابر الواصلة بين قطاع غزة والخارج، في حين تسمح بفتح معبر رفح الحدودي مع مصر جزئياً لإدخال مساعدات محدودة لمناطق جنوبي القطاع، بالإضافة إلى نقل عشرات المرضى والمصابين وعدد من حاملي الجوازات الأجنبية إلى خارج القطاع.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون