الجزيرة السورية... بلاد القمح والنفط والأزمات المستمرة

21 يناير 2021
في مدينة الرقة (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

تلاحق الأزمات من بقي من سكان منطقة الجزيرة السورية الواقعة ما بين نهري الفرات ودجلة، وتخضع اليوم لسيطرة أكثر من طرف من أطراف الصراع المحتدم في سورية منذ نحو عشر سنوات. ووصلت هذه الأزمات الى رغيف الخبز على الرغم من أنّ الجزيرة التي تشكل نحو ثلث مساحة سورية، تنتج أكثر من مليون طن من القمح كلّ عام، مهما كانت الظروف التي مرت وما زالت تمرّ بها سورية صعبة وخطيرة.
تضم الجزيرة السورية كامل مساحة محافظة الحسكة البالغة أكثر من 23 ألف كيلومتر مربع، بالإضافة إلى القسم الأكبر من محافظة الرقة، وجانباً من ريف محافظة دير الزور، وقسماً من ريف حلب الشمالي الشرقي. وعلى الرغم من أنّ العرب يشكلون غالبية سكان الجزيرة السورية، فإنّ محافظة الحسكة تتميز بغناها السكاني والديني، إذ يقطن في هذه المحافظة أغلب الأكراد (الكرد أو الكورد) السوريين، بالإضافة الى الآشوريين والسريان المنتمين الى الديانة المسيحية. كذلك، يقطن أكراد في منطقة عين العرب/ كوباني في ريف حلب الشمالي الشرقي، بالإضافة إلى قرى في ريف مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي. 
ومنذ استقلال سورية في الأربعينات من القرن الماضي، كانت الأنظمة المتعاقبة تعتبر الجزيرة السورية مجرد مستودع خيرات يقوم عليها الاقتصاد السوري، إذ لم تلقَ المنطقة أيّ اهتمام يماثل ما تشكله من أهمية اقتصادية. وعمّق نظام الأسد الأب منذ عام 1970 الإقصاء والتهميش للجزيرة السورية عموماً، على مختلف الأصعدة، إذ لم ينعكس الإنتاج الوفير من المحاصيل الاستراتيجية (قمح وقطن)، والإنتاج النفطي على المنطقة، في الخدمات، بل ظلت تعاني من الأزمات المعيشية حتى تحولت إلى بيئة طاردة لشبابها الذين بدأوا في الثمانينات من القرن الماضي، في البحث عن الرزق في العاصمة دمشق وفي مدينة حلب وفي البلدان المجاورة وفي منطقة الخليج العربي، خصوصاً السعودية.

ومع وصول بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، بدأت الأزمات في منطقة الجزيرة السورية تأخذ أبعاداً معيشية أكثر خطورة، ما دفع عائلات كاملة للنزوح إلى ريف دمشق أو إلى لبنان للعمل بأجور زهيدة.
ومع بدء الثورة السورية في ربيع عام 2011، انخرط أغلب سكان الجزيرة السورية من عرب وأكراد في أحداثها وهو ما عرّضهم لبطش أجهزة النظام الأمنية التي سرعان ما انهزمت امام فصائل الجيش السوري الحر التي تسلمت إدارة المنطقة مع نهاية عام 2012. خلال عام 2013، تعرضت مدن وبلدات في الجزيرة لحملات قصف صاروخي بصواريخ "سكود" بعيدة المدى التي كانت تنطلق من قواعد لها في ريف دمشق على بعد نحو 500 كيلومتر، وحملات قصف جوي أدت الى مقتل المئات.
ومع بدايات عام 2014 ظهرت رايات تنظيم "داعش" السوداء في الجزيرة السورية، ففرض التنظيم سيطرة كاملة على محافظة الرقة، ومعظم محافظة دير الزور، وقسم كبير من ريف الحسكة خصوصاً الجنوبي منها. نزح أو هاجر عدد كبير من سكان الجزيرة السورية خصوصاً النخب، خلال سنوات سيطرة التنظيم الذي عطّل التعليم، محاولاً تعويم ثقافة التطرف والجهل.
وخلال عامي 2017 و2018، خاضت قوات سورية الديمقراطية "قسد" التي يهيمن عليها الاكراد، حرباً مع التنظيم الذي انتهى في الجزيرة السورية مطلع عام 2019. لكنّ الأزمات لم تنتهِ في الجزيرة ذات التاريخ العريق، بل كان الثمن للقضاء على التنظيم المتطرف باهظاً، فقد دُمّرت مدينة الرقة في معظمها، ما خلق موجات نزوح كبرى منها ومن مدن وبلدات أخرى، في مشهد تكرر كثيراً في سورية على مدار السنوات الماضية. وبعدما استتبت الأوضاع لـ"قسد" برزت الأزمات المعيشية في ظلّ ندرة فرص العمل، ومحاولة هذه القوات هي الأخرى فرض ثقافة جديدة طارئة على المنطقة ما ولّد ردود فعل رافضة تجلت في احتجاجات، خصوصاً في ريف دير الزور الشرقي الذي يعاني سكانه من أزمات معيشية على الرغم من أنّه يعوم على بحر من البترول.

وفي نهاية عام 2019، تدخلت تركيا في الجزيرة، وسيطرت على جزء منها. ومع تعدد مناطق السيطرة، يعاني السكان حالياً، من انتهاكات فصائل محسوبة على المعارضة السورية أيضاً، بالإضافة إلى الأزمات المعيشية المزمنة. 
وتضم الجزيرة السورية القسم الأكبر من ثروة سورية النفطية، خصوصاً في ريفي الحسكة ودير الزور، حيث أكبر حقول وآبار النفط، وفي مقدمها حقول رميلان، وحقل العمر وهو الأكثر غزارة في البلاد، بالإضافة إلى حقول غاز شهيرة في ريف الحسكة الجنوبي في منطقة الشدادي، وفي ريف دير الزور حيث حقل الكونيكو.

المساهمون