الجزائر: عادات متوارثة للم الشمل في عيد الأضحى

28 يونيو 2023
الأضحية أحد أسباب فرحة العيد في الجزائر (Getty)
+ الخط -

يحرص الجزائريون على إحياء عادات وطقوس عيد الأضحى المبارك، وتظل المناسبة محمّلة بمظاهر عدة تبرز خلال الأيام التي تسبق العيد، أكثرها عادات توارثتها العائلات، وتشمل الاستعداد لنحر الأضحية، وتأدية الشعائر، وهي تزيد من التماسك وتدخل الفرحة إلى قلوب الأفراد، فيما تنتشر مظاهر تختلف من منطقة إلى أخرى.
ورغم غلاء المواشي بسبب التضخم والأزمة المالية، لكن الكثير من العائلات تحرص على سنّة الأضحية، ويسبق العيد القيام بتنظيف البيوت وتزيينها لاستقبال المناسبة السعيدة، فللعيد مقام رفيع لدى الجزائريين، ليس فقط لكونه شعيرة دينية، ولتزامنه مع مشاهد الحج المبهجة، بل لكونه أيضاً فرصة للفرح وإسعاد الأطفال، وصلة الأرحام وزيارة الأقارب.
تقول زهرة معروف، من ولاية الشلف (غرب)، لـ"العربي الجديد": "بحكم أني موظفة في مؤسسة عمومية، وتحكمني فترة العمل خلال ساعات النهار، إلا أنني أحرص على إتمام الاستعدادات من خلال شراء الأغراض الخاصة التي تستخدم في أيام العيد الكبير كما يسمى شعبياً، وتتعلق أساساً بالأضحية، ما يجعل الأسر تلتزم بشراء مختلف الأواني والوسائل الضرورية للذبح، ولوازم التقطيع، فضلاً عن أدوات الطبخ والشواء، وكذا اقتناء مجموعة متنوعة من التوابل أو الفّواحات كما يسميها الناس في بعض المناطق، فالتوابل تضيف نكهة إلى أطباق العيد، وعلى الر غم من اختلاف عيد الأضحى من حيث رمزيته عن عيد الفطر، إلا أن  العائلات تحرص أيضاً على إعداد بعض أنواع الحلويات".

وتنتشر روائح عيد الأضحى المميزة وأجواؤه اللافتة قبل أسابيع من حلوله لعدة اعتبارات مرتبطة بشراء الأضحية، فضلاً عن المظاهر والأجواء الاحتفالية في الشوارع، في حين تتسم الأسواق بانتشار الباعة الذين يعرضون سلعهم المتنوعة، خصوصاً أدوات الذبح والأكياس البلاستيكية، مع انتشار باعة الفحم الذي يعتبر من الضروريات لارتباطه بالشواء.
ولأنّ المناسبة ظرفية، ينظر إليها البعض على أنها فرصة للربح، إذ يحجز الباعة الموسميون أماكنهم في الأسواق الشعبية، أو على أرصفة الأحياء، مثلما فعل هشام (25 سنة)، والذي يبيع الفحم ولوازم ذبح الأضاحي في وسط مدينة ميلة (شرق)، وقد تعوّد على هذا سنوياً لأن الإقبال يكون كبيراً، ويقول لـ"العربي الجديد": "كلفة بعض اللوازم تزيد عن 10 آلاف دينار جزائري (نحو 50 دولاراً). أبيع أكياس الفحم وأدوات تقطيع الأضحية والسكاكين الكبيرة والصغيرة كحرفة موسمية لأنها تستقطب الزبائن وتدر الربح الوفير".
ولا ينسى الجزائريون الاستعداد لأداء صلاة العيد، وتبدأ الاستعدادات بتنظيف المساجد قبل أيام من العيد لاستقبال المصلين، وإن كان سكان بعض المناطق يؤدون صلاة العيد في أماكن مفتوحة، خاصة في مناطق الجنوب، وتلك أيضاً يتم تجهيزها قبل يومين من حلول العيد وفرشها إذا أمكن بسجادات من البلاستيك.

وتنتهز الأسر الجزائرية عيد الأضحى لتستعيد التواصل، خصوصاً أن الحياة الاجتماعية باتت أكثر مشقة. تقول الطبيبة وسيلة سليماني، لـ"العربي الجديد"، إن "العيد فرصة لا تعوضها احتفالات أخرى، وخاصة عيد الأضحى الذي يعني اجتماع شمل العائلات، واللمة التي نفتقدها كثيرا في هذا الزمن. بعض الطقوس بدأت تعرف انحساراً، وبعض العائلات ما زالت تحافظ على عادة التجمع لذبح الأضحية في وسط منزل العائلة الكبير، لكن ظروف المعيشة وطبيعة السكن جعلت بعض الأسر تلجأ إلى الذبح في المسالخ المخصصة لهذه المناسبة بعيداً عن المسكن العائلي، خصوصاً أصحاب الشقق في العمارات السكنية. تجتمع نساء العائلة لتنظيف الأضحية وغسلها، ثم يقمن بتقطيعها وتحضير وجبة أول أيام العيد. وكان يميز عادات العيد أنها تتم في وسط عائلي كبير، أو بين الجيران، لكن تقلصت تلك العادات".
ويوضح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجلفة كريم سعداوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العيد حاجة إنسانية يشعر الناس بأنها ضرورية، ولذا يتمسكون بها، أو بالأحرى بطقوسها، فالمناسبة من القيم الثابتة التي تنشر الابتهاج والإحساس بالانتماء". ويضيف أن "ممارسات الأعياد الدينية تبقى من الأشكال الرمزية والطقوس الاحتفالية، والمجتمع يحافظ على تراثه الشعبي الموروث في المناسبات، خصوصاً في عيد الأضحى الذي يحمل موروثاً فرجوياً يتضح جلياً في مظاهر الفرح والابتهاج، علاوة على تقوية أواصر التواصل العائلي والتضامن الاجتماعي، وكل ذلك يزيد تماسك المجتمع، ويقوي العلاقات الاجتماعية بين أفراده".

المساهمون