يُحيي الجزائريون على غرار شعوب شمال أفريقيا رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2974. ويعرف هذا الاحتفال الشعبي باسم "الناير"، ويستند إلى التقويم الأمازيغي الذي يسبق التقويم الميلادي بـ 950 عاماً، وهو يرتبط في الأساس بأساطير شعبية في شمال أفريقيا خاصة ببدء الموسم الزراعي، ويترافق مع طقوس تبرز عطاء الأرض وارتباط الانسان بها وبالتراب والمطر والخير.
وتختلف تسمية العيد بين منطقة وأخرى في الجزائر، ويعرف بـ"ثَابُورْثْ أُوسُقَّاسْ" في بعض المناطق، و"ضْ النَّايِرْ" و"أَمَنْزُو يَنَّايِرْ" في أخرى، وأيضاً "الدراز" في مناطق تيبازة قرب العاصمة الجزائرية. وهذه التسميات ترتبط بالأرض وبداية الحرث ووضع البذور، وتترافق مع مظاهر تعكس الثقافة الشعبية لهذا الارتباط.
ويعتبر تقديس الأرض مسألة متوارثة بين الأجداد والآباء والأحفاد الذين يحافظون عليها. ويعودون إليها حتى في حال تغرّبهم عنها ومغادرتها.
وتتمسك العائلات الجزائرية في المناطق الأمازيغية، مثل بجاية والبويرة وتيزي وزو (شرق)، والصحراء وغرداية (وسط)، وأخرى يسكنها عرب بطقوس هذا الاحتفال الشعبي.
وفي ليلة 12 يناير، تجتمع العائلات والأقارب حول مائدة العشاء للمشاركة في فرحة قدوم السنة الأمازيغية الجديدة. ومن بين مظاهر الاحتفالات بحلول هذه السنة الأمازيغية التي تجذرت في مناطق جزائرية مثل الأوراس في الشرق، ومنطقة القبائل الكبرى (وسط)، ومنطقة بني ميزاب جنوبي العاصمة الجزائرية، ارتداء الأطفال الزي الأمازيغي وإظهار رموزه، وطهي أطباق شهية تتضمن منتجات المحاصيل الزراعية التي تعتمد في الأساس على القمح والخضار والحبوب والفواكه الجافة. وتعد العائلات عشاء "الناير" من مكونات عدة للتعبير عن فرحة استقبال السنة الأمازيغية، والاستعداد للوفرة والخير.
وتوضح كريمة بهناس من منطقة بومرداس قرب العاصمة الجزائرية، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنه يجري إعداد أطباق شعبية مثل "الكسكسي" و"الرشتة" باستخدام مكونات تمزج بين الخضار والحبوب والفول، كما يجهّز طبق "العصيدة" الذي يعتمد على طحين القمح والزبدة، وطبق "الحساء" الذي يتضمن الحمص والقمح والحبوب الجافة. وتقول إن "غالبية الأطباق التي تحضر في هذا الاحتفال الشعبي ترمز إلى الخصوبة والخير، وانتظار وفرة المحصول خاصة أن يناير هو شهر الأمطار والثلوج".
وإلى هذه العادات، تتمسك بعض العائلات بطقس يطلق عليه سكان منطقة تيبازة وغربي العاصمة الجزائرية اسم "أسفال" الذي يشهد ذبح ديك رومي، وإراقة الدم في اليوم الأول في العام الأمازيغي طلباً للرزق والخير والبركة. أيضاً تتوارث العائلات الجزائرية ارتداء الأزياء الشعبية المرتبطة بالأمازيغ، وترديد الأغاني الشعبية الخاصة بقدوم السنة الجديدة والتفاؤل بالخير مع نزول الغيث وريّ الأرض والزرع، وتحرص على التقاء أفرادها وتقديم طعام للفقراء في جو يسوده التضامن والتلاحم الاجتماعي.
أيضاً يضع الأمازيغ في احتفالاتهم الأعشاب الخضراء فوق أسطح المنازل تجسيداً لمشهد يرمز إلى الطبيعة والنبات وانبعاث الحياة.
ومن بين المظاهر الأخرى للاحتفال بالعام الأمازيغي الجديد التي تحافظ عليها العائلات الجزائرية عليها عادة "الدراز" التي تتمثل في وضع أصغر أفراد العائلة داخل إناء كبير تسكب عليه مشتريات حلويات وفواكه جافة مثل الجوز واللوز والفستق والتمر والبلوط. وهو يأخذ لنفسه ما سقط داخل الإناء، في حين يجري توزيع ما سقط خارجه على أفراد العائلة. وتستغل محلات تجارية رأس السنة الأمازيغية لبيع كميات كبيرة من هذه المنتجات.
ويقول الباحث في التراث الشعبي بجامعة الجزائر، كريم بنور لـ"العربي الجديد"، أن "عيد الناير هو عمود السنة أو بابها، ويفصل بين مرحلة الصقيع والجوع ومرحلة الجو المعتدل والجميل، والتقويم الأمازيغي أو البربري مبني على التقويم الشمسي، ويمتدّ 12 شهراً تنقسم إلى فترات تختلف بحسب الظروف المناخية والغطاء النباتي الطبيعي الذي يكسو الأرض. وترجح بعض الكتابات التاريخية هذا التقويم إلى يوم انتصار الملك شيشناق على الملك رمسيس الثالث من أسرة الفراعنة عام 950 قبل الميلاد".
وتبدأ طقوس وعادات السنة الأمازيغية الجديدة في الجزائر ليلة 12 يناير من كل عام، وتمتد إلى 17 من يناير في بعض المناطق، وستشهد الاحتفالات الرسمية معارض للتراث والثقافة والتقاليد الأمازيغية تتضمن ألبسة ومأكولات ومنتجات حرفية تقليدية تعكس تاريخ الجزائر وتنوع عادات وتقاليد مواطنيه.