الجزائر: حملات لمساعدة المرضى على الفضاء الإلكتروني

03 ديسمبر 2022
تؤمن مبادرات كثيرة الأموال للمرضى (مصطفى رويبي/ الأناضول)
+ الخط -

"يحتاج ابني إلى إجراء عملية جراحية مستعجلة في الخارج"، "أمي مريضة وأنا يتيمة الأب، أريد ترميم بيتي ولا أملك المال"، "أنا مريض ولا أستطيع تأمين الدواء بسبب ارتفاع سعره"، "كلنا فلان... حملة تضامنية لجمع مبلغ ملياري دينار لعلاج فلان في الخارج"، كلها عبارات وعناوين لحملات تضامنية تهدف إلى جمع المال لمساعدة المحتاجين، والتي يصادفها الجزائريون على مواقع التواصل الاجتماعي في يومياتهم.
وخلال السنوات الأخيرة، انتشر التسوّل الافتراضي بهدف حث الناس على التبرع بالمال لصالح مرضى ومحتاجين، وإن كانت ليست كل القصص التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي حقيقية. وخلال فترة قصيرة، ينجح الشباب أو الجمعيات في جمع مبالغ مالية لمساعدة المرضى أو إنجاز مشاريع خيرية أو إعادة تجهيز منزل عائلة فقيرة أو متضررة. وقد ساعدت هذه المبادرات العديد من العائلات والمرضى، وخصوصاً أولئك الذين تتطلب حالاتهم الصحية نقلهم إلى الخارج. 
ويقول الناشط محمد عواد، من بلدية مراد (ولاية تيبازة الجزائرية): "أعتمد على صفحتي الإخبارية مراد مراد، والتي تضم آلاف المشتركين، من أجل جمع مبالغ مالية للمرضى والفقراء، وتوزيع قفة رمضان، وتنظيم الختان الجماعي. ولدى الإعلان عن أي مبادرة على الصفحة، ونروج لها عبر الصفحات المعروفة محلياً، تأتينا المساعدات المالية من كل مكان. وبعد جمع المال، ننشر كل التفاصيل حول المبلغ المجموع وكيفية صرفه".
وفي بلدية العفرون في ولاية البليدة (100 كيلومتر جنوبي العاصمة الجزائرية)، نجحت مجموعة من الشباب في جمع 145 ألف دولار من أجل نقل إيمان إلى الخارج للعلاج بعدما كانت قد أصيبت بمرض نادر وتشوه في الوجه. وأطلق نسيم كريبازة، صاحب صفحة "أخبار العفرون"، حملة لجمع المبلغ المطلوب داعياً أهالي المنطقة للتجمع كل يوم جمعة في ساحة البلدية للتبرع. ويقول كريبازة إن الحملة كانت تسير بوتيرة بطيئة في البداية. لكن بعد نشر صور وفيديوهات عن وضع المريضة، بدأت تنهال علينا المكالمات والمساعدات من كل محافظات الجزائر، بالإضافة إلى مساعدات مالية من مغتربين في كل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وكندا. ولولا مواقع التواصل الاجتماعي، ما كنا لننجح في جمع هذا المبلغ".
ويقول الباحث الاجتماعي حليم مصطفي النجاح إن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في إنجاح حملات التضامن بسبب سرعة الاستجابة، مشيراً إلى مدى تفاعل المجتمع الجزائري مع الحملات التضامنية، ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المجتمع الجزائري عاطفي وطيب ويحب العمل الخيري، وبالتالي يستجيب للحملات التضامنية، بما فيها تلك التي تنظم على مواقع التواصل الاجتماعي. كما يرغب كثيرون في تحقيق مكانة اجتماعية عن طريق فعل الخير، وقد أصبح الفضاء الإلكتروني وسيلة أساسية للتواصل وتعزيز العلاقات الاجتماعية التضامنية بين أفراد المجتمع".

ولا تخلو حملات التضامن هذه من تحايل. ويقول محفوظ بن صالح، من منطقة الناظور في محافظة تيبازة، إنه وقع ضحية إحدى الحملات التضامنية الوهمية. كان يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وقرأ نداء استغاثة يهدف إلى جمع مبلغ مالي من أجل نقل طفلة صغيرة للعلاج في الخارج بعد إصابتها بمرض نادر، فـ"تذكرت حينها شقيقي الذي لم نتمكن من علاجه وتوفي بعد صراع مع المرض. فجمعت مبلغاً من المال من أفراد العائلة وحولته إلى الحساب المصرفي المعلن عنه. لكن بعد أسابيع، اختفى كل شيء يتعلق بالحملة وأغلقت الصفحات التي كانت تروج لها. وعرفت لاحقاً أنني كنت ضحية احتيال". 
وساهم تراخي السلطات في تطبيق القانون، الذي يشترط الحصول على ترخيص مسبق لجمع الأموال، على عدم القدرة على التمييز بين حملات التضامن الفعلية وتلك التي يسعى أصحابها إلى الاحتيال على الناس. وقبل نحو شهرين، أعلنت الشرطة الجزائرية توقيف شخص كان يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لجمع أموال بزعم التضامن مع محتاجين. 

كلفة بعض العمليات الجراحية كبيرة وتفوق قدرات كثيرين (حازم أحمد محمود تركية/ الأناضول)
كلفة بعض العمليات الجراحية كبيرة وتفوق قدرات كثيرين (حازم أحمد محمود تركية/ الأناضول)

ويقول المحامي إسماعيل سايح لـ"العربي الجديد"، إن "المادة 195 من قانون العقوبات واضحة، ويتعرض المتسول إلى عقوبة تراوح ما بين شهر وستة أشهر نافذة مع غرامات مالية، فيما تتضاعف العقوبة إذا ما تم اكتشاف التحايل والتصريح الكاذب حول حالته الاجتماعية".
وترى بعض الجمعيات الخيرية أن الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل بعض الناشطين ساهم في تسريع وتيرة التكافل والتضامن، لكنها تحذر في الوقت نفسه من عمليات الاحتيال باستخدام الأساليب نفسها، الأمر الذي أثر على سمعة بعض الجمعيات، وتخشى من فقدان الكثير من الجزائريين الثقة في الحملات التضامنية الافتراضية أو غير الافتراضية. 

ويقول رئيس جمعية التواصل والتكافل لمدينة القليعة عبد القادر بن يسعد، لـ"العربي الجديد": "كل المبادرات التضامنية سواء كانت افتراضية أو على أرض الواقع، يفترض أن تنظم من قبل الجمعيات المعتمدة قانونياً. وحين نعلن عن مبادرة من أجل الحصول على مساعدات من المحسنين، لا نعتمد بشكل خاص على الفضاء الإلكتروني".
من جهته، يرى رئيس جمعية "رحمة" في بلدة مسلمون حكيم دهيلي أن مواقع التواصل الاجتماعي سمحت له بنسج علاقات كبيرة مع جمعيات من مختلف المناطق، ونجح في توفير كل احتياجات الفقراء والمرضى، ويلفت إلى أن "طلبات المساعدة التي تعلن عبر تلك المواقع تلقى رداً إيجابياً".

المساهمون