الثورة المجهضة... هل عطّل العدوان الثلاثي انتفاضة المجر؟

23 أكتوبر 2021
انتفاضة 1956 دائماً في ذاكرة المجريين (أرباد كوروتش/ الأناضول)
+ الخط -

بعد مرور 65 عاماً على اندلاعها في مثل هذا اليوم من عام 1956، لا تزال انتفاضة المجر ضد الحكومة الموالية للاتحاد السوفييتي والتي قمعتها موسكو، حدثاً مفصلياً في تاريخ شعوب أوروبا الشرقية ومسيرة "الحرب الباردة" بين الكتلتين الشرقية والغربية، لأنها أثبتت حينها استعداد الكرملين لاستخدام القوة العسكرية للحفاظ على الأنظمة الشيوعية لبلدان حلف وارسو. كما دفع تزامن انتفاضة المجر مع أحداث العدوان الثلاثي على مصر إلى ربط المؤرخين الحدثين، وتناولهما في سياق أوسع للمواجهة السوفييتية الغربية في تلك الحقبة التاريخية. واللافت أن انتفاضة المجر وقعت بعد أشهر معدودة من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، الأول الذي نظم بعد وفاة الديكتاتور جوزيف ستالين عام 1953، وقدم فيه الزعيم السوفييتي الجديد نيكيتا خروتشوف تقريراً ندد فيه بعبادة الفرد ونتائجها وجرائم ستالين وديكتاتوريته، بينما تعالت في المجر الأصوات المطالبة بتغييرات في سياسات الحكومة وتشكيلتها. 

القمع السوفييتي
في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 1956، احتشد حوالى 200 ألف متظاهر أمام مبنى البرلمان المجري وأسقطوا تمثال ستالين. وتشكلت مجموعات مسلحة ضمت حوالي 20 ألف فرد بينهم معتقلون سياسيون سابقون جرى تهريبهم من السجون. وليلة 24 أكتوبر/ تشرين الأول، دخلت القوات السوفييتية إلى بودابست فاندلعت مواجهات مسلحة في محيط مبنى البرلمان، إذ كان المتمردون يطالبون بانسحاب القوات السوفييتية وتشكيل حكومة متعددة الأحزاب. وبحلول 30 أكتوبر/ تشرين الأول، جرى سحب القوات السوفييتية إلى مواقع المرابطة الدائمة، مع إعلان الكرملين استعداده لمناقشة وضع القوات السوفييتية التي تتواجد في أراضي الدول الأعضاء في حلف وارسو.   
لكن في 31 أكتوبر/ تشرين الأول بعد تفاقم أزمة قناة السويس، اتخذ الحزب الشيوعي السوفييتي قراراً بقمع انتفاضة المجر بقوة السلاح، ما جعل 3 آلاف دبابة سوفييتية إضافية تعبر حدود المجر، بعد حصول موسكو على تأييد حلفائها في أوروبا الشرقية والصين. وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، بدأت عملية اجتياح بودابست التي استمرت بضعة أيام وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى، وانتهاء انتفاضة المجر.

السوفييتية "غير الناعمة"
وفيما تندرج أحداث انتفاضة المجر ضمن المواجهة السوفييتية غير المباشرة مع الغرب في التنافس على مناطق النفوذ، يجمع المؤرخون اليوم على أنه لا يجوز فصلها عن سياق الأزمات الأخرى التي شهدها العالم خلال الفترة ذاتها، وفي مقدمها العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر رداً على قيام الرئيس المصري حينها جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس.  وفي هذا الإطار، يلفت كبير الباحثين بمعهد الدراسات السلافية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ألكسندر ستيكالين، إلى أن الموقف السوفييتي من انتفاضة المجر تغير مع تطورات أزمة قناة السويس، ويعزو حزم موسكو في قمع الانتفاضة إلى محاولة خروتشوف إثبات للرأيين الداخلي والدولي أن مواقف بلاده لم تصبح "ناعمة" بعد وفاة ستالين. 

مجسم للانتفاضة أمام مبنى البرلمان المجري (أتيلا كيسبينيديك/ فرانس برس)
مجسم للانتفاضة أمام مبنى البرلمان المجري (أتيلا كيسبينيديك/ فرانس برس)

مثل الإمبرياليين 
يقول ستيكالين الذي ألف عدة كتب عن التاريخ المجري، أحدها "الثورة المجهضة: الأزمة المجرية عام 1956 وسياسات موسكو"، لـ"العربي الجديد": "واجه الاتحاد السوفييتي أزمتين خارجيتين بالغتين في الوقت ذاته، ويُلاحظ تحول في موقف خروتشوف من انتفاضة المجر قبل العدوان الثلاثي وبعده". ويشرح قائلاً: "ظهر أولاً توجه لتسوية أزمة المجر سلمياً انطلاقاً من مبدأ أن الإمبرياليين يحلّون قضاياهم بالقوة، بينما نفعل نحن ذلك سلمياً". لكن بعد ورود أنباء عن تراجع مصر تحت وطأة عدوان ثلاث دول، شعر خروتشوف بأن هزيمة مصر المتحالفة مع موسكو في ذلك الوقت، والتي تتزامن مع تغيير الحكومة في المجر سيعتبرها العالم والداخل السوفييتي بمثابة تراجع في نفود البلاد بعد وفاة ستالين، ما يعني أن أزمة قناة السويس شكلت حجة لتبني موقف حازم، واستخدام القوة في المجر وإظهار قوة الاتحاد السوفييتي". 

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وبعد قمع انتفاضة المجر، قرر خروتشوف تأكيد قوة مواقف بلاده في الشرق الأوسط، ووجه رسالة شديدة اللهجة إلى بريطانيا وفرنسا لمح فيها بقدرة بلاده النووية على تدمير البلدين، ما أدى إلى وقف العدوان على مصر وحفاظها على سيادتها على قناة السويس. ويخلص ستيكالين إلى أن "تدخل موسكو في الأزمتين المتزامنتين عام 1956 منع سقوط النظام الشيوعي في المجر، وأظهر أنها لا تزال قوة فاعلة في الشرق الأوسط".    

المساهمون