شكلت المجازر الإسرائيلية التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، لاسيما مجزرة المستشفى المعمداني، صدمة كبيرة للتونسيين الذين يعيشون كل تفاصيل ويوميات الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد نزل آلاف المواطنين إلى شوارع كل المحافظات، مدفوعين بشعور الغضب أمام فظاعة الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد مواطنين عزّل.
ويشارك الآلاف في مسيرات سلمية تشهدها محافظات البلاد لنصرة غزة والتنديد بسياسة القتل والتهجير والاعتداءات الوحشية التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد المدنيين، ما يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ حقوق الإنسان والتشريعات الدولية.
يقول الناشط في الحراك الاجتماعي أيوب عمارة لـ"العربي الجديد": بكيت طويلاً من فرط الإحساس بالوجع الممزوج بالقهر والعجز، بسبب عدم قدرتي على تقديم أي نوع من المساعدة الميدانية للمنكوبين والضحايا في غزة. وقد كشف قصف المستشفى المعمداني والمواقف الدولية التي تلته أقبح وجه للإنسانية، وأيضاً العجز عن مساعدة الفلسطينيين، ما يزيد من ألمنا الكبير".
يتابع: "أشعر بغضب وقهر وعجز عن مواجهة قضية لطالما حملها التونسيون بين ضلوعهم، وتمنيت فتح باب التطوع للجهاد ضد العدو الصهيوني كي أحل بدلاً من ميلود بن ناجح أو عمران المقدمي اللذين انضما للمقاومة الفلسطينية، وارتقيا شهيدين".
وميلود بن ناجح من بين أشهر التونسيين الذين وهبوا حياتهم للدفاع عن القضية الفلسطينية، بعدما شارك في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 في اقتحام معسكر قيادة المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي باستخدام طائرة شراعية. أما عمران المقدمي فاستشهد في 26 إبريل/نيسان 1988 بعدما اقتحم موقعاً عسكرياً إسرائيلياً داخل مستعمرة دان شمالي هضبة الجولان، واستعادت تونس رفاته عام 2008 مع عشرة آخرين، ضمن صفقة لتبادل الأسرى بين حزب الله اللبناني وإسرائيل.
بدورها، تتقاسم آمنة المرناقي (33 عاماً) الغضب ذاته مع أيوب عمارة، لكنها تحاول السيطرة على مشاعر الحزن العميق داخلها، وتؤكد في حديثها لـ"العربي الجديد" أن "الندوة الصحافية التي عقدتها الكوادر الطبية في المستشفى المعمداني وسط أشلاء وجثث الشهداء هي الصورة الأبشع التي شاهدتها في حياتها".
وتعتبر أن "الفلسطينيين يعيشون في مقاومة مستمرة عبر تمسّكهم بالحياة وإنجاب أطفال يهبونهم فداءً للقضية". وتشير إلى أن "مشاهد القتل والتدمير اليومي التي تتلقاها عبر شاشة هاتفها تمنعها من الشعور بأي نوع من السعادة، والحقيقة أن سعادتي الوحيدة تتمثل في إعلان المقاومة الانتصار الذي يزيل شعورنا الداخلي بالهزيمة الذي لطالما حاول الاحتلال توطينه في كيان كل من يساند القضية الفلسطينية".
من جهته، يقول الطالب الجامعي طلال السعيداني لـ"العربي الجديد": "أصبحت أخجل حتى أن أعيش حياة عادية بينما يقتل مئات من الشبان والطلاب في عمليات قصف وحشية ينفذها الكيان الصهيوني ضد مدنيين عزّل". يضيف: "ربما لن أعود إلى حالتي السابقة بعد مشاهدة المجازر، إذ أشعر بأنني مدمر نفسياً بسبب العجز عن مناصرة الشعب الفلسطيني إلا بالخروج إلى الشارع للاحتجاج، في وقت يستشهد مئات من الشباب في عمرنا في فلسطين تحت القصف الوحشي".
وتحضر القضية الفلسطينية في تفاصيل الحياة اليومية للتونسيين منذ عملية "طوفان الأقصى"، ولا تغيب أخبار المقاومة والتطورات الميدانية عن أحاديث المواطنين بكل أعمارهم وفئاتهم الاجتماعية.
ويرى نصر الدين السهيلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "حجم الخسائر البشرية وفظاعة جريمة الاحتلال اللذين تجسدا في عملية قصف المستشفى المعمداني لا يجب أن يحجبا انتصارات المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى التي أعادت قضية فلسطين إلى واجهة الأحداث الدولية كي تحصد الدعم من شعوب العالم".
يتابع: "كل حركات المقاومة التي انتصرت في العالم دفعت ثمناً باهظاً من دماء الشهداء، والمقاومة الفلسطينية قدمت درساً سيُلقن لاحقاً في المعاهد والكليات العسكرية، وهي أعادت إحساس الاعتزاز للشعوب العربية بعد الشعور بالذل وعدم القدرة على الوقوف في وجه الاحتلال الذي يسعى إلى تثبيت الإحساس بأننا شعوب عاجزة ودون مرتبة البشر. أما عملية المستشفى المعمداني فلم تفاجئني نظراً إلى اقتناعي بقدرة الصهاينة على ارتكاب جرائم شنيعة تصل إلى حدّ قصف مستشفيات، ما يؤكد عدم امتلاكهم أي نوع من القيم الإنسانية". ويعتبر أن "عواصم الصهيونية المتواطئة مع إسرائيل في حربها على غزة لا تقل بشاعة عن الكيان المحتل الذي يستهدف حتى الأجنّة في بطون أمهاتهم".
وتؤكد رجاء حمدي أنها تشارك الأمهات الفلسطينيات حزنهن على توديع أبنائهن، وهم في عمر الزهور. تقول: "أعتبر أنهن أقوى نساء الأرض، فهن يقدمن دروساً إنسانية عظيمة في الصبر والقدرة على تحمّل آلام الفقدان التي لا تحتمل". وتذكر أن مشاعر الحزن بالغضب تتملكها من مشاهد الدمار الذي خلّفه قصف الاحتلال في غزة، وأنه يصعب عليها تجاوز هذه المرحلة النفسية الصعبة.