التعليم المهني كخيار للمستقبل

25 يونيو 2022
يفضل معظم الأهل الحاق أولادهم بالجامعات بدلاً من التعليم المهني (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يمكن تحقيق تغيير وإصلاح تربوي دون إعادة الاعتبار للتعليم المهني والتقني، إذ ما زالت المجتمعات العربية تنظر إلى هذا التعليم نظرة دونية مختلفة عن نظرتها للتعليم الجامعي أو الأكاديمي. أكثر من ذلك، كثيرون يعتبرونه ملجأً للفاشلين من التلامذة والطلاب، ما جعل الأهل يعتقدون أن من الأفضل لأبنائهم الذين يرغبون في الحصول على مهنة معينة، اللجوء إلى المحترفات الصغيرة المتناثرة في الأحياء لاكتساب المهارة المطلوبة. وتنسحب هذه النظرة الدونية على المسؤولين الذين يتولون زمام الأمور، إذ يضعونه في نهاية درجات سلّم اهتمامهم، ويعمدون إلى التضييق عليه لجهة توفير الإمكانات المادية اللازمة وتوجيه أغلبها نحو التعليم الأكاديمي. هذه النظرة دفعت الكثير من الطلبة إلى الإحجام عن ارتياده، رغم أن متخرجي التعليم المهني يجدون أمامهم أسواق عمل مفتوحة ومتاحة، خلاف زملائهم متخرجي الجامعات الذين يعانون البطالة بانتظار فرصة عمل. 
ودونية التعليم المهني مردّها الأساس فكرة تتعلق بأدوار المجتمعات البشرية ومهام قواها ومجتمعاتها المكونة. إذ الضمني الذي لا يبوح به المسؤولون، أن المجتمعات العربية مجرد مجتمعات استهلاكية غير منتجة. وتبعاً لذلك، يتحدد دور قواها العاملة بإصلاح وتركيب ما تنتجه الدول الصناعية. ومثل هذا المفهوم كرسه العاملون في القطاع التجاري وعززته سياسات الاعتماد على المستوردات بمختلف أنواعها. وفي مثل هذا التوجه يغيب هاجس التقدم العلمي والتقني والمهني وضرورة قيام المؤسسات الإنتاجية العصرية الحديثة، علماً أن المجتمعات الصناعية المتقدمة أو تلك التي قطعت شوطاً في مجرى التقدم لم تترك فرصة إلا أفادت منها في دعم هذا القطاع وتعزيزه، حتى بات قرابة 60 في المائة من طلابها يعتمدونه في اكتساب المهارات والمعارف التقنية. خصوصاً أننا أصبحنا في زمن باتت فيه كل القطاعات بحاجة إلى إعداد أجيال من الفنيين والعمال المهرة في شتى التخصصات والقطاعات التجارية والصناعية والصحية والفنية والزراعية.
لكن مشكلات كبرى تعوق لعب هذا القطاع التعليمي دوره، لعل أبرزها دون منازع يتمثل بتلك النظرة التي أشرنا إليها، والتي تَصِم طلابها بالفاشلين، وتمنع الأكفياء وذوي القدرات العالية من ارتياده. يضاف إليها التساهل الذي تبديه مدارس هذا القطاع في قبول تلامذتها وطلابها وإعدادهم، وكذلك تعدد الجهات المشرفة عليه وإغراقه في الروتين والبيروقراطية. ويلعب ضعف مستوى الإعداد دوره الفاعل بالنظر إلى فقدان التجهيزات والبرامج المواكبة للتقدم العلمي والتقني.   

موقف
التحديثات الحية

كذلك إن طبيعة نُظم التربية والتعليم المعتمدة في معظم الدول العربية لا تتمتع بالمرونة الكافية لفسح المجال أمام المتخرجين من التعليم الفني والمهني لمتابعة دراساتهم لمراحل أعلى. إذ إن فرص متخرجي المرحلة الثانوية التقنية لا تزال معدومة، أو في أحسن الأحوال محدودة جداً لإكمال دراساتهم الجامعية. علماً أن نُظم التدريس الجامعية الحديثة تتيح مثل هذا الانتقال بين الاختصاصات ودراسة المواد، ما يمهد لتحصيل كفاءات في مجالات عدة. والأهم أن تلك النظرة التربوية التي تفصل بين العلوم باتت خارج الزمن، بعد أن راجت طوال عقود وقرون. وما نشير إليه هو من مهام الدولة التي يجب عليها إصدار التشريعات الملائمة التي تتيح مثلاً العمل والدراسة المسائية أو التعليم الموازي للعاملين في قطاع الخدمات والإنتاج. وكما أن مسؤولية هذا التكييف من مهام الدولة، يبدو القطاع الخاص الذي يشكو من ضعف كفاءة العاملين مسؤولاً هو الآخر عن تمويل ورش ودورات التعليم والتدريب المهني المستمر، فضلاً عن أن الكثير من مؤسساته لا تسمح للطلاب بالتدريب في مرافقها المختلفة.
(باحث وأكاديمي) 

المساهمون