بعدما انتشرت مقاطع مصوّرة لتعرض امرأة عراقية لتحرّش في محافظة البصرة (جنوب)، وتداولها في شكل كثيف بسبب ظهور وجه المتحرّش إثر تصوير المرأة له باستخدام هاتفها الخليوي، طالبت مجموعة من الناشطات بتفعيل القوانين التي تدعم المرأة، وتلك التي تعاقب المتحرشين وتمنع خروجهم بكفالات من أماكن توقيفهم، أو حل مشكلات التحرش عبر الجلسات العشائرية والتدخلات المجتمعية.
وتحاول السلطات الحدّ من الظاهرة في بغداد وباقي المحافظات، من خلال تنفيذ حملات واسعة لاعتقال متحرّشين ومعاقبتهم وفق القوانين المطبقة التي تقضي بسجن مرتكبي هذه الأفعال فترة تتراوح بين 3 أشهر وعام كامل.
تقول الناشطة رئيسة جمعية "بغداديات" رشا إبراهيم لـ"العربي الجديد": "لا تتراجع ظاهرة التحرّش بالنساء في العراق، بل تزداد في ظل عدم وجود رادع حقيقي قانوني أو مجتمعي، ما يدفع المزيد من المتحرّشين إلى الظهور في الأسواق العامة والشوارع وحتى الجامعات".
تتابع: "تتعمد نساء يتعرضن لتحرّش تصوير المخالفين ونشر صورهم ومقاطع مسجلة لمّا تعرضن له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لإحراج هذه الشريحة أمام المجتمع، وإجبار السلطات على محاسبتهم".
وتتحدث الناشطة النسوية في محافظة ديالى، وسن العزاوي، لـ"العربي الجديد"، عن أن "المشكلة في ظاهرة التحرّش بالنساء في العراق تتمثل في خروج مرتكبيه بكفالات بعد توقيفهم، وعدم تنفيذ قرارات السجن التي تستبدل بدفع غرامات مالية، ما يشير إلى وجود تساهل قانوني واضح مع المتحرّشين. وكناشطات لا نستطيع أن نقبل استمرار انفلات المتحرّشين ومعاملتهم بطريقة طبيعية، ونصرّ على ضرورة حصول رد فعل صارم تجاه أفعالهم".
تتابع: "بحثت مجموعات نسوية ضمت ناشطات في مجال حماية المرأة موضوع تصوير المتحرّشين الذي تؤيده شريحة منهن باعتباره طريقة تجعل باقي المتحرّشين يخشون ارتكاب هذه الأفعال خشية مواجهة فضائح، لكن الرادع الأساس يبقى تنفيذ القانون".
ويتحدث الضابط في "الشرطة المجتمعية" التابعة لوزارة الداخلية حسام عبد الله، لـ"العربي الجديد"، عن أن "وظيفة الشرطة المجتمعية ليست محاسبة المتحرّشين، بل توعية الشباب في المدارس والجامعات، وتوزيع منشورات في الأسواق العامة تشرح مخاطر التحرّش على المجتمع، وتعرض للعقوبات القانونية الخاصة بالمتحرّشين".
ويشير إلى أن "أجهزة الأمن تتلقى عشرات من شكاوى التحرّش أسبوعياً، وعادة يُحاسب المتحرّشون عبر إحالتهم إلى محاكم تقرر في نهاية الأمر أخذ تعهدات من منهم أو من أهلهم. وقانون العقوبات الخاص بالمتحرّشين لا يشمل من هم دون سن الـ 18، رغم أن قسماً خاصاً في الشرطة يتعامل مع مخالفات الأحداث، وبينها حالات التحرّش في المدارس، لذا تنتشر دوريات النجدة وتلك التابعة للشرطة المجتمعية قرب المدارس والحدائق العامة والمتنزهات". ويؤكد "رصد حالات تحرّش جديدة انتشرت في السنوات الماضية، بينها إلكترونياً، في وقت تعتمد فتيات أسلوب فضح المتحرشين لإنهاء الحالات الخاصة بهن".
ويلفت الباحث الاجتماعي سمير الفهد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التحرّش موجود في كل دول العالم، حتى تلك التي تتمتع بسلطة قانون قوية تمنع المسّ بحريات الناس وكرامتهم، لكنه يتنامى تحديداً في المجتمعات المقهورة، كما لا يمكن تجاهل وجود أسباب نفسية أخرى، علماً أن العلم يفسّر التحرّش بأنه اضطراب سلوكي يدعمه خلل مجتمعي، وهو في كل الأحوال ظاهرة خطيرة لأن آلامه وتأثيراته النفسية تستمر طويلاً، لا سيما لدى النساء".
يضيف: "يعاني المتحرّش من اضطرابات نفسية لا بدّ من معالجته منها، لكن ذلك لا يعني عدم محاسبته قانونياً، وهو ما نحتاج إليه كثيراُ في العراق. وأظهرت حالات تحرّش معاملة نساء بعدوانية تؤكد وجود اضطرابات. كذلك تزيد مشكلات الفقر الميل إلى استخدام العنف الذي قد يتأثر أيضاً بالتفكك الأسري والقمع والحرمان".
بدوره، يخبر الخبير القانوني علي التميمي "العربي الجديد، أن "القانون العراقي يُعاقب التحرّش باستخدام القوة أو التهديد بالسجن 7 سنوات، مع إمكان تمديد السجن إلى 10 سنوات. أما التحرّش بالطلب، فتشمل عقوبته السجن فترة 3 أشهر أو دفع غرامة مالية، وتضاعف هذه العقوبة إلى 6 أشهر في حال تكرار الفعل". ويشدد على أن "هناك حاجة فعلية لتشريع قانون خاص بالتحرّش، من خلال وضع بنود في القانون في خانة واحدة من أجل تحجيم الجرائم المرتكبة، ومنع تطورها وتفشيها".