تكشف بيانات جديدة صادرة عن معهد أبحاث السرطان البريطاني في لندن، العلاقة الوثيقة بين التدخين والحرمان، وتؤكّد أنّ استهلاك التبغ يتسبّب في حدوث ما يقرب من ضعفَي عدد الإصابات بأمراض سرطانية بين الفقراء مقارنة بالأثرياء. وتُشخَّص نحو 11 ألف إصابة بسرطانات ناجمة عن التدخين بين 20 في المائة من سكان إنكلترا الأشدّ فقراً في كل عام، فيما ينخفض العدد إلى النصف تقريباً بين ذوي الدخل الأعلى. يُذكر أنّ أكثر من 27 ألف إصابة بالسرطان مرتبطة بالفقر والحرمان تُسجَّل سنوياً في إنكلترا. وبناء على بيانات المعهد، ثمّة توصيات بضرورة فرض الحكومة ضريبة على شركات التبغ للمساعدة في تمويل تكلفة علاجات مدمني التدخين للإقلاع عنه.
من جهته، يبيّن مؤشّر مكتب الإحصاء الوطني الخاص بالحرمان أنّ 53 ألفاً و227 إصابة بالسرطان تُسجَّل سنوياً بين 20 في المائة من الأشخاص الأشدّ فقراً في المملكة المتحدة، من بينها ما يُقدَّر بنحو 21 في المائة ناتجة مباشرة عن التدخين. وبينما يُسجَّل العدد الأكبر من الإصابات بالسرطان بين 20 في المائة من البريطانيين الأكثر ثراءً، فإنّ تلك الناجمة عن التدخين في تلك الفئة أقلّ بكثير من غيرها وتمثّل نسبة 10 في المائة من كلّ الأمراض السرطانية التي تصيبها.
وبهدف التعرّف إلى الإجراءات التي تتّخذها المؤسسة الخيرية "آش" أو "العمل من أجل التدخين والصحة"، بهدف مساعدة المجتمعات المحرومة في الإقلاع عن التدخين والتقليل من الأمراض السرطانية الناجمة عنه، تواصلت "العربي الجديد" مع ديبورا أرنوت المديرة التنفيذية لهذه المؤسسة الخيرية التي تُعنى بالصحة العامة وتعمل على القضاء على الأضرار الناجمة عن استهلاك التبغ. تشدد أرنوت على أنّ "التدخل الحكومي حاجة ضرورية لمجتمع خالٍ من التدخين"، لافتة إلى أنّ مؤسستها "أرسلت توصياتها إلى الحكومة في هذا الإطار. وأبرز تلك التوصيات طلب الدعم لتقديم مساعدة إضافية لهؤلاء الذين ترتفع بينهم معدّلات التدخين ويعانون من مشاكل في الصحة العقلية والنفسية، إلى جانب التأكد من حصول المدخّنات الحوامل على حوافز مالية لدعم إقلاعهنّ عن التدخين، وكذلك تمويل البرامج الإقليمية للحدّ من استخدام التبغ غير المشروع في المجتمعات المحرومة، فضلاً عن تقليل جاذبية السجائر الإلكترونية وسهولة توفّرها وإتاحتها للأطفال، ورفع سنّ من يحقّ لهم شراء التبغ من 18 عاماً إلى 20".
وتوضح أرنوت أنّ تقرير مؤسسة "آش" الخيرية يشير إلى أنّ "الناس يميلون إلى تأييد الإجراءات أكثر بعد وضعها حيّز التنفيذ، لا سيّما في ما يخصّ المدخّنين. ففي عام 2015، بعد صدور قانون منع التدخين في السيارات التي تُقلّ أطفالاً، أيّد 40 في المائة من المدخّنين فقط هذا التشريع، لكن بعد مرور عام ودخوله حيّز التنفيّذ أيّده 74 في المائة منهم".
من جهته، يوضح معهد أبحاث السرطان البريطاني أنّ الأشخاص في المجتمعات الأكثر حرماناً هم عرضة للتدخين مرّتَين ونصف المرّة مقارنة بذوي الدخل الأعلى، علماً أنّ استهلاك التبغ يُعَدّ السبب الرئيسي للعدد الأكبر من السرطانات بين الفئة الأولى. ويعيد خبراء ذلك إلى مزيج من العوامل المختلفة مثل استهدافها من قبل صنّاع التبغ، وضغوط السكن والدخل، وصعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية والاجتماعية والمعلومات والتعليم.
وعلى الرغم من إعلان شركة "فيليب موريس إنترناشيونال" لصناعة السجائر في خلال الأسبوع الأخير من يوليو/ تموز الماضي، عن رغبتها في التوقف عن بيع منتجاتها التبغية في الأعوام العشرة المقبلة في المملكة المتحدة والتوسّع في مجال الرعاية الصحية، فإنّ القائمين على معهد أبحاث السرطان ما زالوا ينظرون بارتياب إلى هذا القرار ويشكّكون فيه، لافتين إلى أنّ الحل يمكن أن يكون في خلال إرغام شركات التبغ على تغطية تكاليف الضرر الناجم عن التدخين إنّما من دون مشاركتها في تحديد كيفية إنفاق الأموال. وبالنسبة إلى المعهد، فإنّ تلك الشركات قد تكون مصدر تمويل جديداً لمكافحة التبغ ومساعدة الناس على التوقف عن التدخين. كذلك قد يعني الأمر توفّر مزيد من المال في ميزانية الصحة العامة، يُستخدَم في مجالات مهمة أخرى، والتقليل بشكل كبير من تكلفة الأمراض المرتبطة بالتدخين على نفقة خدمة الصحة الوطنية في المستقبل.
تجدر الإشارة إلى أنّ معدلات التدخين بين الأطفال دون 16 عاماً انخفضت إلى أدنى مستوياتها المسجلة منذ بدء القيام باستطلاعات في هذا السياق في عام 1982، لكنّ التقديرات ما زالت تشير إلى أنّ 280 طفلاً يبدأون بالتدخين يومياً في إنكلترا، وبمجرّد البدء يواجهون صعوبة في الإقلاع عن ذلك فيستمرون بالتدخين ليصيروا مدمنين. ويحسب البيانات الأخيرة، فإنّه من بين كلّ ثلاثة مدخّنين شباب، يتوقّف واحد فقط عن التدخين ويموت آخر لأسباب تتعلّق بالتبغ.
وكانت الحكومة البريطانية قد وضعت هدفاً بجعل البلاد خالية من التدخين بحلول عام 2030، لكن في سبيل تحقيق هذا الهدف الطموح ينبغي عليها النجاح في تخفيض عدد الأشخاص الذين يدخّنون من المستوى القياسي الحالي 15.5 في المائة إلى خمسة في المائة فقط. وعلى الرغم من أنّها نجحت في تخفيض نسبة الأشخاص الذين يدخّنون إلى حد كبير في خلال الأعوام العشرين الماضية، فإنّ التدخين ما زال يساهم في انتشار الأمراض السرطانية بشكل متزايد بين الفئات الأكثر فقراً.
ويحظى طموح الحكومة بمجتمع خالٍ من التدخين لعام 2030، بدعم 76 في المائة من السكان بمن في ذلك 42 في المائة من المدخّنين، وبدعم الأغلبية البرلمانية لمجموعة واسعة من التدخلات الحكومية. وتدعم الأحزاب في البرلمان مجموعة من الإجراءات ذات الصلة، وعلى سبيل المثال يؤيّد ثلاثة أرباع من الناخبين أو أكثر من حزب المحافظين والغالبية من حزب العمال والحزب الليبرالي الديمقراطي الذين شملهم الاستطلاع، إرغام صنّاع التبغ على دفع ضريبة للحكومة لتمويل تدابير لمساعدة المدخّنين على الإقلاع عن استهلاك التبغ.