استمع إلى الملخص
- سياسة التجويع كأداة حرب: الاحتلال الإسرائيلي يستخدم سياسة التجويع كجزء من حربه ضد الفلسطينيين، مما يفاقم الأزمة الإنسانية. هذه السياسة تتعارض مع القانون الدولي وتعتبر جريمة حرب، وتستخدم للضغط على الفلسطينيين.
- التداعيات الإنسانية الكارثية: ارتفعت معدلات الوفيات بشكل ملحوظ، وانتشرت المجاعة، مما دفع السكان لاستخدام وسائل بدائية للبقاء. سجلت الجهات الحقوقية أكثر من 50 حالة وفاة بسبب الجوع وسوء التغذية.
لم تتوقف سياسة التجويع منذ بدء حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزة، لكنها عادت لتبرز من جديد رغم المزاعم الإسرائيلية بأن مناطق وسط وجنوب القطاع أكثر أمناً ويتوافر فيها الطعام، وهي السردية الرائجة بهدف إخلاء مناطق شمالي القطاع ومدينة غزة، والتي تصاعدت مع بداية الشهر الأخير.
وارتفعت أسعار السلع الأساسية في القطاع بنحو خمسة أضعاف سعرها الطبيعي، ما جعل الكثير من العائلات غير قادرة على توفير الطعام اليومي، فيما لجأت عائلات أخرى إلى تقليص الوجبات للتعامل مع نقص السلع وعدم القدرة على الشراء.
ويعتمد نحو 90% من السكان على المساعدات الغذائية التي تقوم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بتوزيعها منذ بداية الحرب، ويؤكد المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، أن الحرب دمرت الاقتصاد الفلسطيني، وتركت جميع سكان غزة في حالة فقر، مضيفاً أنه "كلما استمر هذا الوضع لفترة أطول، طال الوقت اللازم لإعادة مئات الآلاف من الفتيات والفتيان إلى بيئة تعليمية، وزادت التحديات الضخمة لإصلاح هذه الخسائر الهائلة".
يشكو الفلسطيني عبد العزيز البنا من عدم توفر الدقيق في الأسواق، وفي حال توفر كميات قليلة منه تكون غير صالحة للاستخدام نظراً لظروف التخزين غير الصحية. ويقول لـ "العربي الجديد": "أصبحنا نعتمد على الطعام غير الصحي، والطحين غير موجود في الأسواق، والمتوفر منه يظهر فيه أنواع من الحشرات، إضافة إلى سوء مياه الشرب. لا توجد أية سلع تقريباً في الأسواق، ولا يشعر بنا أحد حول العالم، والمجاعة تعود كما كانت في الأيام الأولى للحرب".
بدورها، انتظرت الفلسطينية سعدية إبراهيم دوراً لنحو ست ساعات قبل الحصول على كميات من الخبز لإطعام عائلتها التي نزحت من مدينة رفح قبل شهور إلى خانيونس بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية. وتقول لـ "العربي الجديد": "لا يوجد لدينا طعام، والأسعار ارتفعت بشكل مبالغ فيه، ولا نملك أي مصدر دخل يمكننا من شراء الطعام في ظل الحرب، إذ لا يعمل أي من أفراد العائلة منذ أكثر من عام من جراء استمرار الحرب وحالة النزوح من مكان إلى آخر".
ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، إن حرب التجويع مستمرة في إطار حرب الإبادة التي يمارسها الاحتلال ضد الفلسطينيين في القطاع للعام الثاني على التوالي، والتي يستخدم فيها كل الأدوات المجرمة في القانون الدولي. ويضيف لـ "العربي الجديد": "ما يجري يندرج في إطار هندسة الإبادة الجماعية المتفق عليها بين الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية، وبمساعدة من بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا. شدد الاحتلال الحصار خلال الشهور الأخيرة، ومنذ أكثر من 189 يوماً تدخل شاحنات المساعدات والبضائع بسياسة (القطارة) إلى مناطق شمالي القطاع، بما في ذلك حليب الأطفال والمكملات الغذائية، ما يفاقم الأزمة الإنسانية".
ويشير الثوابتة إلى أن "مناطق وسط وجنوب القطاع محرومة من تدفق السلع الغذائية منذ نحو 170 يوماً من جراء سيطرة الاحتلال على المعابر الحدودية مثل معبري رفح وكرم أبو سالم، وقد استخدم الاحتلال 19 نوعاً من الجرائم ضد الإنسانية التي وثقها القانون الدولي، وعلى رأسها سلاح التجويع، حيث إن نحو 2,4 مليون شخص يعتمدون على المساعدات بشكل مباشر، وهذه المساعدات لا تصل إليهم، رغم تدكس أطنان المساعدات على الحدود مع مصر".
ويشدد على أن "آثار هذه السياسة الإجرامية واضحة على المواطنين، لا سيما المرضى منهم، وهو ما أدى لارتفاع معدلات الوفيات بشكل ظاهر، لتبلغ نسبة الوفيات الطبيعية نحو ستة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب الإسرائيلية، وهذا انعكاس لحرب التجويع وتردي الأوضاع المعيشية التي يشهدها القطاع للعام الثاني على التوالي".
من جانبه، يقول نائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في قطاع غزة، جميل سرحان، إن سلطات الاحتلال تمارس التجويع بما هو من أدوات الحرب، وهذه سياسة تخالف القانون الدولي، وتعتبر من الأفعال التي تندرج في إطار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
يضيف سرحان لـ "العربي الجديد"، أن "المعلومات الميدانية التي تم توثيقها خلال الفترة الماضية تؤكد أن المساعدات قليلة، ولا تفي بالحد الأدنى من الاحتياجات. رغم المطالبات السابقة من قبل المجتمع الدولي ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان بزيادة كميات المساعدات الواردة إلى القطاع، أعاقت القوات الإسرائيلية دخول المساعدات، وساهمت في تطور أزمة الغذاء بشكل دائم في مختلف مناطق القطاع، ولم تنفذ القرارات الدولية بشأن إدخال المساعدات".
ويشير إلى أن "استمرار الأوضاع على هذا الشكل، خصوصاً في مناطق الشمال، سيدفع إلى درجة مرتفعة من درجات المجاعة، وقد تحدث مجاعة شاملة، لا سيما وأن القيود المفروضة على الإغاثة والمساعدات واضحة في جميع مناطق القطاع، فضلاً عن ارتفاع الأسعار الذي يدلل على تفاقم حالة التجويع. الاحتلال يستخدم التجويع وعدم إدخال المساعدات للضغط على المفاوضين الفلسطينيين من أجل تقديم تنازلات، إلى جانب المجازر التي يقوم بها بشكل شبه يومي".
وحسب تقديرات الجهات الحكومية في قطاع غزة، فإن جيش الاحتلال منع إدخال أكثر من ربع مليون شاحنة تحمل مساعدات وبضائع منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما يواصل تعزيز سياسة التجويع.
وخلال الشهور الأولى من الحرب، انتشرت المجاعة بشكل واضح في أنحاء القطاع، ووصل الحال بالسكان في مناطق الشمال إلى إعادة تدوير أعلاف الحيوانات لصناعة الخبز، وطهي بعض الأعشاب للحفاظ على حياة أسرهم، فيما سجلت جهات حقوقية أكثر من 50 حالة وفاة بفعل الجوع وسوء التغذية.