هل تدخل شجرة التبلدي قائمة الأنواع المهددة بالانقراض، في حين أنها جديرة بدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية؟ كيف لا، وهي التي يصل قطر جذعها إلى 15 متراً، وتعمّر 600 عام وبعضها يتخطى حاجز الألف، علماً أنها لا تكوّن حلقات سنوية في خشب الجذع، لكن علماء النبات توصلوا إلى طريقة لتخمين عمرها، بعدما أوجدوا علاقة بين قطرها وعمرها.
يطلقون عليها اسم "الباوباب" الذي يعتقد بأن مصدره عربي "بو حِباب"، في إشارة إلى احتواء ثمرة الشجرة على حبات كثيرة تسمى "القُنْقُليس". أما الاسم العلمي للشجرة فهو "أدانسونيه" نسبة لعالم النبات الفرنسي ميشال أدانسون (1727 – 1806)، الذي أُرسلته شركة الهند الشرقية الفرنسية إلى السنغال عام 1748 لجمع معلومات عن الحيوانات والنباتات ووضع أوصافها.
في غرب السودان يستخدمونها لفظاً ورسماً للدلالة على ما هو كردفاني، فحين تسقط الأمطار الغزيرة في هذا الإقليم، تعقبها فترة جفاف تختزن خلالها الشجرة كميات كبيرة من الماء، ما ألهم السكان المحليين توظيف تجويف الجذع لتخزين المياه عبر إحداث فتحة عُلوية بين الأغصان لاستقبال مياه الأمطار والتعبئة اليدوية والتفريغ. ويفعل ذلك السكان على امتداد موطنها الأصلي في الشريط الجغرافي الواقع تحت الصحراء، والممتد من شرق القارة الأفريقية إلى غربها، حيث تنتشر حتى السافانا الرعوية في جنوب أفريقيا.
تتضمن الشجرة ثمانية أنواع، وأكثر ما يميزها خلوها من الأوراق لمدة 9 أشهر سنوياً، فهي لا تحتفظ بأوراقها إلا في الخريف، ولا تستغرق فترة تفتح أزهارها كثيراً، إذ تنغلق وتذبل ويتغير لونها بعد تلقيحها بواسطة خفافيش الليل التي تمتص رحيقها وترحل مخلفة آثارها على الأوراق التويجية والأزهار الساقطة دون أن يكتمل تلقيحها.
في كثير من القرى الأفريقية تقوم النساء بجمع ثمار التبلدي الجافة الناضجة التي تُفرز ويُطحن جوفها يدوياً أو باستخدام آلات، وتصنع منها أنواع من الأغذية كالعصائر، والعصيدة والحلوى، كما الحال في قرية باغا بمدغشقر. أما هنا فقد ارتبطت لدينا بعصير شعبي يعد رمزاً تاريخياً وثقافياً يعتز به السودانيون. وأخيراً، نشطت بعض المصانع في استخلاص الزيوت الطبية ومستحضرات التجميل من ثمار الشجرة، وطرحت شركات عالمية مثل "كوكاكولا" و"كوستكو"، و"إينوسنت" للعصائر و"سوجا"، و"يو فالي" منتجات جديدة تحتوي على ثمار التبلدي الغنية بفيتامين "سي" والكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم والحديد. وحتى الآن يُعبأ مسحوق ثمار التبلدي في أكياس ويُشحن إلى أوروبا حيث يجد طريقه إلى الأطعمة والعصائر الصحية التي زاد الإقبال عليها أخيراً، علماً أن سوق العالمي لثمار التبلدي يتجاوز 3 مليارات دولار سنوياً، ويتوقع أن يزداد بعد الاكتشافات الطبية.
الآن، بسبب عوامل عدة تواجه شجرة التبلدي تحديات خطر الانقراض والاختفاء إلى الأبد، ما دعا مهتمين في شؤون البيئة والنبات بالسودان إلى دق ناقوس الخطر، من أجل التفكير العملي في إيجاد الحلول اللازمة.
(متخصص في شؤون البيئة)