الاحتلال يسعى لتطبيق "سياسة الهدم الذاتي" للبيوت في نابلس

19 ديسمبر 2024
يمنع البناء فوق هذه الأرض كما يدعي الاحتلال (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه خمسون عائلة فلسطينية خطر التهجير بعد تلقيها إخطارات بهدم منازلها في نابلس، بحجة أنها مقامة في مناطق "ج" أو على أراضٍ أثرية، مما يضيف عبئًا ماليًا ونفسيًا كبيرًا على السكان.
- يعبر السكان عن رفضهم لهذه القرارات، مؤكدين تمسكهم بأرضهم ومنازلهم، ويعتبرون الادعاءات بوجود آثار ذرائع للاستيلاء على الأراضي لصالح المستوطنات.
- تأتي الإخطارات ضمن خطة إسرائيلية لتقليص الوجود الفلسطيني، حيث أعلن عن مصادرة آلاف الدونمات للتوسع الاستيطاني، ويعمل محافظ نابلس على توفير الدعم القانوني للسكان.

بين ليلة وضحاها، وجدت نحو خمسين عائلة فلسطينية نفسها مهددة بالتشرّد مطلع الأسبوع الجاري، بعدما وصلت إليها إخطارات من سلطات الاحتلال الإسرائيلية بهدم منازلها المأهولة أو قيد الإنشاء خلال 14 يوماً فقط. والجديد هذه المرة لا يكمن في حجة الاحتلال الدائمة بأن تلك المنازل مقامة في المناطق المصنفة "ج"، وفق اتفاق أوسلو، ولكنها مشيدة فوق أرض أثرية يمنع البناء فيها في قرية كفر قليل، وحي الضاحية العليا في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية.
ليس هذا فحسب، بل إن الاحتلال طلب من أصحابها هدمها بأنفسهم، وإلا فإنهم سيقدمون على ذلك فور انتهاء المدة الممنوحة لهم للاعتراض، وسيحملهم تكاليف الهدم، تماماً كما يجري في القدس المحتلة. ويقول صاحب أحد المنازل حمدي أبو الحيات، لـ "العربي الجديد"، إنّ القرار وقع عليهم كالصاعقة، مضيفاً: "أنت تتحدث عن إزالة تجمع سكني كامل وتهجير المئات بحجج واهية، تارة أنها ضمن المناطق المصنفة ج حيث يُحظر على الفلسطينيين البناء أو استصلاح الأراضي من دون تراخيص من سلطات الاحتلال، والذي يُعد من شبه المستحيل الحصول عليها، وتارة أنها بنيت فوق أراض يصنفها الاحتلال بأنها أثرية".
ويشير أبو الحيات إلى أن وحدة من سلطة حماية الآثار الإسرائيلية رافقت جنود الاحتلال الذين وزعوا الإخطارات، محذراً من أنّ مخاطر هذه الخطوة لن تقف عند هذا الحد، بل ستمتد لتطاول عشرات المنازل في المنطقة المذكورة في حال لم يتم التصدي لها وإبطالها.

من جهته، يوضح صاحب منزل آخر وهو جاسم منصور، لـ "العربي الجديد"، أنّ منزله المهدد رخص عام 2007 من الجهات الفلسطينية المختصة، بينما تذرعت قوات الاحتلال بأن البناء أقيم على منطقة أثرية، ما يؤكد أنّ المنطقة برمتها تتعرض لمخطط استيلاء ونهب لصالح الاستيطان، لا سيما وأن مستوطنة براخا مقامة على قمة جبل جرزيم الذي تقع البيوت المنذرة بالأخطار على أحد سفوحه. ويشدد على أن سكان المنطقة متمسكون بأرضهم ومنازلهم بشدة، ولن يتراجعوا عن العيش على هذه الأرض مهما كانت التحديات.
وتقول ولاء كوسا وهي زوجة الأسير سمير كوسا وصاحبة منزل مهدد بالهدم، لـ "العربي الجديد": "كل يوم ننظر إلى الساعة وكأننا ننتظر لحظة اقتحام الجرافات. لا أستطيع الخروج من البيت. أخاف أن أعود فأجده قد هُدم فوق رؤوس أطفالي. حتى حين ننام، لا نفكر سوى بمصيرنا. كيف يطلبون منا أن نهدم بيوتنا بأيدينا؟ كيف نترك أحلامنا تصبح أنقاضاً؟".

يمنع البناء فوق هذه الأرض كما يدعي الاحتلال (العربي الجديد)
يمنع البناء فوق هذه الأرض كما يدعي الاحتلال (العربي الجديد)

تضيف: "هذا المنزل ليس مجرد حجارة، بل هو حلمي وحلم عائلتي. لم أنشر صورة واحدة له. كنت أنتظر أن أسدد ديوني ثم أحتفل به، لكن الآن لا أعلم إن كنت سأراه قائماً غداً أم لا".
وعن حجة الاحتلال بوجود آثارات طمرت بعد تشييد تلك المنازل، تسأل كوسا: "أين هي تلك الآثار؟ بنينا هنا منذ عقود. لم نجد شيئاً حين حفرنا الأساسات. لا توجد مدرجات رومانية ولا قصور فرعونية كما يدعون. هذه مجرد حجج لإبعادنا عن أراضينا لصالح المستوطنات القريبة. الاحتلال يستخدم أي ذريعة لتدمير منازلنا وتهجيرنا. الهدف هو طردنا خطوة بخطوة، والسيطرة على جبل جرزيم الذي يطل على مستوطنة براخا، وهناك نقطة عسكرية تراقبنا كل يوم".

يستخدم الاحتلال ذرائع عدة لتبرير اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم (العربي الجديد)
يستخدم الاحتلال ذرائع عدة لتبرير اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم (العربي الجديد)

وسبق أن نفذت جرافات الاحتلال أربع عمليات هدم في مناطق شبيهة داخل مدينة نابلس، وهو ما يندرج ضمن خطة لتقليص الوجود لفلسطيني فوق الأرض الفلسطينية، كما يؤكد محافظ نابلس غسان دغلس، في حديث لـ "العربي الجديد". ويشير إلى أن تلك الإخطارات تأتي بعد أيام من إعلان وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش مصادرة نحو 24 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية لصالح التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وتأكيده أنّ ذلك سيسمح بتعزيز التخطيط والبناء في مستوطنات الضفة بشكل غير مسبوق.

ويلفت دغلس إلى أنه عقد اجتماعات لمناقشة السبل القانونية الممكنة لمواجهة أوامر الهدم ووضع خطة عمل مشتركة بالتعاون مع الجهات المختصة، بهدف توفير الدعم القانوني والمساندة لأصحاب المنازل المهددة، وتعزيز صمودهم في وجه السياسات الاحتلالية. ويتحدث عن تطبيق الاحتلال لسياسته التي كان يتبعها في القدس المحتلة بفرض غرامات مالية ضخمة على أصحاب المنازل في حال قيامه بهدمها على نابلس، وأبلغهم بنيته فرض غرامات بعشرات آلاف الشواكل (عملة إسرائيلية) لتغطية تكاليف الهدم والتجريف، في حال لم يهدموا منازلهم بأنفسهم.
وفي ما يتعلق بحجة الاحتلال "التعدي على الآثار"، يقول دغلس إنها "ذريعة لم تعد تخدع أحداً، لكنها تُستخدم لتبرير اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم، مرةً بعد مرة". يضيف: "نحن أصحاب الأرض والأحرص على الأماكن الأثرية التي تثبت حقنا ووجودنا منذ آلاف السنين، فهل يمكن أن نعتدي عليها؟ ثم إن الاحتلال هو الذي يعتدي يومياً على المناطق الأثرية مثل سبسطية وغيرها، ويدمرها ويقصفها كما فعل في المسجد العمري في غزة. لذلك لن تندرج هذه الأكاذيب علينا". 

المساهمون