- قرية عابود تعكس التعايش والوحدة بين الفلسطينيين رغم التحديات، مع تأكيد الأب عواد على أهمية الحفاظ على هذا التعايش ومواجهة التوترات واعتداءات المستوطنين التي تهدد حياة السكان.
- القيود على الحركة والوصول إلى القدس لأداء الصلوات تمثل تحديًا كبيرًا، مع انتقادات لهذه القيود ودعوات للسلام الحقيقي والتضامن بين الفلسطينيين للحفاظ على هويتهم وأرضهم، وسط قلق من محاولات إفراغ الشرق الأوسط من المسيحيين.
في إطار الإجراءات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية المحتلة، يقيّد وصول الفلسطينيين إلى الكنائس، ولا سيّما كنيسة "رقاد العذراء" التي تُعرَف بـ"العابودية" نسبةً إلى قرية عابود في محافظة رام الله. ولا تفرّق الإجراءات الإسرائيلية المفروضة على الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، بين فلسطيني مسلم وآخر مسيحي، فالجميع مجبر على الخضوع لسلطات الاحتلال التي تزداد تطرّفاً وعنفاً منذ عملية طوفان الأقصى وشنّ الاحتلال حربه المدمّرة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ويؤكد الكاهن الفلسطيني الأب طلعت عواد، راعي كنيسة "رقاد العذراء" الأرثوذكسية في قرية عابود الواقعة إلى غرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، أنّ ما تفرضه إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي حوّل حياته وحياة الفلسطينيين جميعاً إلى كابوس وسط معاناة يومية مستمرّة. وقد وثّقت وكالة الأناضول، في زيارة للقرية، كيف يضطر الأب عواد وبقية أهالي القرية إلى سلوك طريق ترابي التفافي، بعدما أغلقت قوات الاحتلال مدخلها الرئيسي بالتزامن مع بدء الحرب على غزة.
ويقول الأب عواد لوكالة الأناضول إنّ "إغلاق مداخل عابود والتفتيش عند الحواجز العسكرية جعلا أبناء شعبنا يتكبّدون معاناة يومية، ويضيّعون كثيراً من الوقت بسبب الإجراءات التي يتّخذها جيش الاحتلال وينغّص من خلالها حياة الناس في ذهابهم وإيابهم". ويشير إلى أنّ "مدخل القرية مغلق ببوابة حديدية، ولا يمكن لأيٍّ كان الاقتراب منها خشية إطلاق النار عليه من قبل قوات من الجيش الإسرائيلي في نقطة عسكرية أُقيمت عند المدخل".
مجازفة للوصول إلى قرية عابود وكنيستها
يضيف الكاهن الفلسطيني أنّه انطلاقاً من مبدأ "الحاجة أمّ الاختراع، يبحث الشعب عن بدائل. ففي بداية الإغلاق، كنّا نمر عبر مسارات عدّة لمسافات طويلة من أجل الوصول إلى القرية، وقبل أسابيع شققنا طريقاً ترابياً من الجهة الغربية". ويشرح أنّ الطريق يمرّ عبر جدار إسرائيلي شُيّد حول مستوطنة عمانوئيل المقامة على أراضي عابود والقرى المجاورة. لكنّه يقرّ بأنّ "المرور عبر ذلك الطريق مجازفة... ولذا نكون دائماً على أعصابنا (متوتّرين)". ويبدو الطريق الذي سلكه طاقم وكالة الأناضول، في خلال الزيارة، غير مؤهّل لعبور المركبات، غير أنّ شاحنات نقل كبيرة ومركبات نقل وحافلات تمرّ عبره، في حين تتخلّله حفر وقواطع صخرية وترابية.
وعن المخاطر التي يختبرها في طريقه إلى عابود انطلاقاً من موقع سكنه في مدينة رام الله، يقول الأب عواد: "نعاني من حواجز وأزمات ومضايقات وخوف من المستوطنين الذين ينتشرون على الطرقات". ويبيّن أنّ "مركبات كثيرين من أبناء عابود تعرّضت للرشق بالحجارة من قبل مستوطنين". وقد عبّر عن خشيته من تفاقم الأمور واتّخاذها منحى أكثر خطورة، قائلاً "الله أعلم، اليوم يرشقون المركبات بالحجارة، وغداً قد يستخدمون أسلحتهم التي زوّدهم بها وزراء حكومتهم".
وفي العادة، يستغرق عبور الطريق نحو عابود 20 دقيقة، غير أنّ الإغلاقات الإسرائيلية جعلت الأمر أكثر صعوبة، فصار يتطلّب 40 دقيقة، وفي حال إغلاق الطريق الترابي المستحدث فإنّ ذلك وقتاً أطول، يتجاوز 60 دقيقة.
بالنسبة إلى الأب عواد، فإنّ "الظروف التي يمرّ بها شعبنا الفلسطيني غير مسبوقة، ولم أشعر في حياتي قطّ بقسوة مماثلة لما نعيشه في هذه الأيام". ويخبر أنّه يصلّي مع رعيّته، و"نتوسّل الله أن يمنّ علينا بالسلام لنحيا مثل بقيّة شعوب الأرض"، مشدّداً على أنّ "رسالة الشعب الفلسطيني هي رسالة محبة وسلام، ونحن لا نضمر شرّاً لأحد ولا نكره أحداً". ويواصل الكاهن الفلسطيني أداء مهامه في الكنيسة التي يرى أنّ أهميها تكمن في قدم تاريخها وعدم انقطاع الصلاة فيها منذ 1700 عام. يُذكر أنّ كنيسة "رقاد العذراء" تُعَدّ واحدة من أقدم الكنائس المبنيّة في العالم، وكذلك في فلسطين بعد كنيستَي القيامة في القدس المحتلة وكنيسة المهد في بيت لحم جنوبي الضفة الغربية المحتلة.
"وطن مصغّر" في الضفة الغربية
وتفيد البيانات المتوفّرة بأنّ نحو 2300 فلسطيني يعيشون في قرية عابود الصغيرة، نصفهم تقريباً من المسيحيين، علماً أنّ من بينهم لاجئين من الأراضي التي احتلّتها إسرائيل في عام 1948. وعن ذلك يقول الأب عواد: "عابود وطن مصغّر نعيش فيه بأمن وسلام"، رافضاً مصطلح "التعايش" بين المسلمين والمسيحيين. ويؤكد: "نحن نعيش حياة مشتركة. وفي إمكاننا أن نعيش مع كلّ إنسان، إذا مدّ يده للسلام، حتى لو اختلف معنا دينياً وعقائدياً".
وفي أحدث تقرير لها، رصدت "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ما مجموعه 1156 اعتداءً نفّذه مستوطنون في الضفة الغربية المحتلة، و"تسبّبت في استشهاد 12 مواطناً فلسطينياً" منذ السابع من أكتوبر الماضي. وبيّنت الهيئة في تقريرها أنّ "إجراءات الاحتلال وإرهاب مليشيا مستعمريه أدّيا منذ السابع من أكتوبر إلى تهجير 25 تجمّعاً بدوياً فلسطينياً تتكوّن من 220 عائلة تشمل 1277 فرداً من أماكن سكنهم إلى أماكن أخرى". أضافت الهيئة الفلسطينية أنّ عدد الحواجز الدائمة والمؤقتة من بوابات وحواجز عسكرية أو ترابية التي تقسم الأراضي الفلسطينية وتفرض تشديدات على تنقّل الأفراد والبضائع بلغ حتى كتابة التقرير "ما مجموعه 840 حاجزاً عسكرياً وبوابة، من بينها أكثر من 140 بوابة وُضعت بُعَيد السابع من أكتوبر".
"الصلاة لا تحتاج إلى تصاريح"
في الإطار نفسه، يلفت الأب عواد إلى القيود الإسرائيلية المفروضة على وصول الفلسطينيين إلى مدينة القدس المحتلة، من المسلمين في شهر رمضان وكذلك المسيحيين. ويقول إنّ "كلّ تلك الإجراءات مرفوضة"، مشدّداً على أنّ "الإنسان ليس في حاجة إلى تصاريح لكي يصلّي. ويجب فتح السبل لمن يريد الصلاة". يضيف: "اشتدّت تعقيدات الوصول إلى القدس بلا شك وسبّبت معاناة للمسلمين، فهم لا يستطيعون الوصول إلى الأقصى لأداء الصلاة والتراويح".
وكانت الإجراءات الإسرائيلية قد شُدّدت كذلك يومَي الجمعة والأحد الماضيَين، اللذَين احتفلت في خلالهما الطوائف المسيحية التي تتّبع التقوييم الغربي بالجمعة العظيمة وعيد الفصح، الأمر الذي قيّد احتفالات الفلسطينيين الدينية بهاتَين المناسبتَين في القدس المحتلة، إذ إنّ الحرب على غزة حالت دون أشكال الاحتفال الأخرى. وفي أواخر إبريل/ نيسان الجاري وأوائل مايو/ أيار المقبل، تحتفل الطوائف المسيحية التي تتّبع التقويم الشرقي بأحد الشعانين وأسبوع الآلام وعيد الفصح. ويقول الأب عواد إنّ الصلوات سوف تُكثَّف في الكنائس قبل عيد الفصح وكذلك سوف يُحتفَى بسبت النور (الرابع من مايو)، وبالتالي "سوف نشهد تشديدات. وقد أُبلغت البطريركيات (بالفعل) بعدم السماح بدخول أعداد كبيرة من الوفود المسيحية إلى القدس لدواعٍ أمنية".
ويكمل الأب عواد: "يخافون من إنسان يصلي، ونحن في أمسّ الحاجة إلى توجيه صلواتنا لله"، مفيداً بأنّه "واهم من يظنّ أنّ المدفع يأتي بالسلام... إن لم يسكن السلام في قلبك فلن يكون سلام... لا قوة تجلب السلام". يُذكر أنّ الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس، تشهد توتّراً كبيراً بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، إذ تصعّد القوات الإسرائيلية عمليات الدهم والاعتقال والاقتحامات، إلى جانب القيود على دخول المصلين إلى المسجد الأقصى في خلال شهر رمضان.
في سياق متصل، يتحدّث الكاهن الفلسطيني عن خطة لإفراغ الأراضي المقدّسة والشرق الأوسط من المسيحيين. ويوضح أنّ "ثمّة خطة لإفراغ الأرض من أصحابها الأصليين، ونحن أصحاب الأرض. وثمّة خطة مدروسة لدى كثيرين من أصحاب الأجندات تُحاك في أروقة رؤساء دول لإفراغ الشرق من المسيحيين". ويشدّد: "سوف نكون واثقين بأن نخيّب آمالهم. وإن قلّ عدد المسيحيين، فإنّ المسيحي كما الملح سوف يبقى رديفاً وسنداً للمسلم ولا يمكن الفصل بيننا. يجب أن نبقى للدفاع عن هذه الأرض والحفاظ عليها".
(الأناضول، العربي الجديد)