لا مبالغة في القول إن الكلفة المادية المرتفعة لدور حضانة الأطفال في بريطانيا، والتي تتجاوز الألف جنيه إسترليني (نحو ألف و150 دولار) شهرياً، ترهق الأهل إلى حد كبير، أي إلى درجة إفقار البعض واضطرار آخرين إلى الاستدانة أو إجراء تغييرات كبيرة في حياتهم. هذه الكلفة الكبيرة التي يفرضها نظام رعاية الأطفال ما دون سن الدراسة تضع الأهل أمام خيارين؛ إمّا استقالة أحد الوالدين أو دفع جزء كبير من راتبي الثنائي لدور الحضانة.
يشير حزب العمال البريطاني إلى أن متوسط الكلفة السنوية لدار حضانة للأطفال دون الثانية من العمر زاد نحو 1050 جنيهاً استرلينياً (نحو ألف و200 دولار) أي بنسبة 16 في المائة بين عامي 2018 و2022. كما ارتفعت كلفة الأنشطة المسائية (بعد انتهاء الصفوف) للأطفال في المرحلة الابتدائية خلال الفترة ذاتها، بنسبة 17 في المائة. وفي النتيجة، ارتفع متوسط الكلفة الأسبوعية لدور الحضانة بدوام كامل للأطفال دون سن الثانية من 236.19 جنيهاً استرلينياً (نحو 270 دولاراً) عام 2018 إلى 273.57 جنيهاً استرلينياً (نحو 314 دولاراً) عام 2022.
ووجد حزب العمال بعد تحليله البيانات السنوية الصادرة عن مؤسسة "كورام" الخيرية البريطانية ما بين عامي 2018 و2022، أن متوسط الكلفة السنوية للطفل دون سن الثانية ارتفع بمقدار 1420.44 جنيهاً استرلينياً (نحو 1633 دولاراً) خلال خمس سنوات.
في هذا السياق، يقول دانيال (35 عاماً) لـ "العربي الجديد": "أعمل وزوجتي بدوام كامل. قبل إنجاب طفلتنا، تمكنّا من ادخار بعض المال لشراء منزل. إلّا أنّ الأمور تغيرت كلياً عند وضع طفلتنا في دار حضانة، وصدمتنا الكلفة الباهظة التي تقارب 1700 جنيه إسترليني (نحو 1950 دولاراً) شهرياً". يتابع أن "المبلغ الذي ندفعه كان يوازي بدل القسط البيت الذي ندفعه شهرياً، وذلك عدا عن المصاريف الأخرى. أدركنا لاحقاً أننا لن نتمكّن من توفير أي مبلغ لشراء منزل، وأنّ هذا الوضع سيستمر حتى تبلغ طفلتنا سن الدراسة".
ويوضح دانيال: "ناقشت وزوجتي خيار أن يتفرغ أحدنا لتربية الطفلة بحسب أهمية العمل والراتب، إلى درجة توتر العلاقة بيننا لأن كل واحد فينا رفض التخلي عن وظيفته. أخيراً، انتقلنا للعيش على مقربة من منزل أهل زوجتي في أيرلندا الشمالية لمساعدتنا في رعاية الطفلة، وصرنا ندفع بدل إيجار أقل بالمقارنة مع لندن. إلا أن هذه الخطوة اضطرت زوجتي إلى تقديم استقالتها من عملها على أمل العثور على وظيفة جديدة في أيرلندا. أمّا أنا، فأشعر بالقلق من خسارة وظيفتي بسبب الابتعاد عن مكاتب الشركة، على الرغم من أنني أعمل من المنزل". ويختم حديثه قائلاً: "أعتقد أنّ نظام رعاية الأطفال في البلاد يحتاج إلى إعادة نظر لكونه مرهقا لجميع الآباء الجدد والعاملين الذين يحاولون بدء حياتهم ولديهم ما يكفي من التحديات".
بدوره، يقول ستيوارت (47 عاماً) إنّه عانى من المشكلة ذاتها في الماضي، عندما توجّب عليه وضع طفليه في دار حضانة ودفع مبلغ مالي كبير وهو في بداية حياته. ويسأل: "لماذا يستمر هذا النظام المعطّل في إثارة قلق الآباء الجدد؟ ولماذا لا تبحث الحكومة عن حلول أخرى تساهم في تسهيل حياة الأسر من خلال توفير أماكن للرعاية بتكاليف مقبولة يستطيع الناس العاديين تحمّلها من من دون أن يرغموا على اتخاذ قرارات تعرقل طموحاتهم وتدمّر علاقاتهم في بعض الأحيان؟".
إلى ذلك، أظهرت دراسة أعدتها مؤسسة "Pregnant Then Screwed" الخيرية التي تدعم النساء الحوامل والأمهات، شملت 27.000 أسرة في بداية هذا العام، أن أسرة واحدة من بين كل أربع أسر تضطر إلى الاستغناء عن وجبات الطعام أو التخلي عن التدفئة من أجل تحمل تكاليف رعاية الأطفال. وتشير إلى أن 54.000 امرأة يفقدن وظائفهن كل عام بسبب الحمل. كما تتعرض 390 ألف أم عاملة للتمييز أو لنظرة سلبية في مكان عملها كل عام. وتضاعفت هذه الأرقام خلال عقد من الزمان وما زال وضع الأمهات العاملات آخذاً في التدهور بسرعة. كما وجدت أن ثلثي العائلات في المملكة المتحدة تدفع مبلغاً لرعاية الأطفال يوازي أو يزيد عن كلفة بدل الإيجار أو الرهن العقاري.
أكثر من ذلك، تلفت إلى أنّ النساء الحوامل والأمهات الجديدات لديهنّ فرص محدودة للوصول إلى العدالة، إذ إن 1 من مائة من النساء الضحايا تتخذ إجراءات قانونية ضد صاحب العمل نتيجة التمييز بحقها. يشار إلى أن للتمييز تأثيرا سلبيا على ثقة المرأة وصحتها النفسية وتطورها في العمل، الأمر الذي يساهم في تعزيز الفجوة في الأجور بين الجنسين.
وبالإضافة إلى التمييز خلال فترة الحمل وما بعد الإنجاب، تواجه النساء العديد من الحواجز لدى محاولتهن إنجاب الأطفال والحصول على وظيفة في ظل غلاء أنظمة رعاية الأطفال وقلة المرونة في الوظائف.