الأنقاض الثمينة... ممتلكات منكوبي زلزال تركيا في يد الدولة

31 مارس 2023
بعد النجاة حزن كبير على المفقودات الثمينة (أوزكان بيلغين/ الأناضول)
+ الخط -

يشعر سامر شحود بوجع كبير لدى ذكر موضوع ممتلكات أخيه عماد الذي توفي مع كامل أفراد أسرته بالزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا في السادس من فبراير/ شباط الماضي، لكنه يعتبر أن هذه الممتلكات حق للورثة، ولا بدّ من إبلاغ الشرطة عنها علها تجدها الفرق التي تنفذ مهمات رفع الأنقاض، وتعيدها إلى العائلة.
ويؤكد سامر أنه لا يعرف حجم الأموال الموجودة في بيت أخيه المتوفى حين انهار في مدينة الإصلاحية التابعة لولاية غازي عنتاب، ويقول لـ"العربي الجديد": "عمل شقيقي عماد في تجارة السيارات، وامتلك متجراً كبيراً بالإصلاحية، والنقود وحلي زوجته جميعها في المنزل لأن السوريين لا يودعون أموالهم في المصارف التركية لأنه يصعب فتح حاملي بطاقات الحماية المؤقتة (كيملك) حسابات".
وفي حالة مماثلة يخبر محمد حاج بكري "العربي الجديد" أن كل ممتلكاته في مدينة أنطاكيا بولاية هاتاي التي تتضمن نحو 7 آلاف دولار ونحو 4 آلاف ليرة تركية (210 دولارات) وذهب زوجته وابنته التي كانت على مشارف الزواج، واشترى لها خطيبها ذهباً بقيمة نحو 400 ألف ليرة تركية (21.000 دولار)، بقيت تحت أنقاض المنزل في حي والي غوبي.

مهلة سنة
ويشكر بكري الله على نجاته وأفراد أسرته، وخروجهم من موت محقق بعدما توفي قاطنو المبنى الذي سكنه، ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه لم يبلغ أحداً عن المفقودات داخل منزله لأنه لم يتواجد أحد في مركز مختار الحي الذي قصده أكثر من عشرين مرة. ويشير إلى أنه ما زال يتواجد قرب منزله، ويراقب رفع الأنقاض حيث عثر على علم الثورة السورية وعبوة عطر وبعض الموجودات، "فالمصادفة الفعلية هي أن تجد شيئاً، لأن الآليات ترفع أطنان الأنقاض، علماً أن الفرق لا تمنع أخذ ما نجده بعدما عرفوا أننا سكان العقار المدمر".
يضيف: "سأبلغ الشرطة عن كل المفقودات ضمن مهلة العام التي حددتها السلطات، لكنني غير أكيد من أنني سأستعيدها، وذلك أمر غير مهم طالما أن عائلتي بخير، لأن من يرى حجم الدمار وكتل الأنقاض يفقد الأمل في إيجاد مفقودات صغيرة الحجم".

إلى أماكن محددة 
ويؤكد منسق خيام الهاربين من الزلزال جلال ديمير لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة التركية ترحّل الأنقاض إلى أماكن محددة لتسهيل البحث فيها، وتبحث فرق في المخلفات، والممتلكات التي يعثر عليها تحوّل إلى خزائن خاصة. وفي حال تقدم أي متضرر ببلاغ مع تحديد مواصفات المفقودات وتبين أنها موجودة يحصل عليها بلا أي تعقيد".
وعن مصير الموجودات التي لا يطلبها أحد يقول ديمير: "توضع في خزينة الدولة، وتلك التي يتبين أن لا أصحاب لها بعدما فارقوا الحياة وأن لا ورثة لهم فتباع في مزادات علنية، وتعود أموالها إلى خزينة الدولة". ويؤكد أن "إيجاد الأموال والحلي الذهبية بين أطنان الأنقاض ليس أمراً يسيراً، علماً أن معظم الأتراك يودعون أموالهم في مصارف تضم أيضاً خزائن خاصة يضع فيها أصحاب الحسابات الذهب والوثائق".
وكانت صحف تركية نشرت أخيراً أخباراً عن عثور فرق الإنقاذ على مبالغ نقدية ضخمة وكميات كبيرة من الذهب والخزائن المقفلة وأشياء ثمينة أخرى.

الصورة
باشرت الفرق فرز الموجودات على اختلافها (أوزكان بيلغين/ الأناضول)
باشرت الفرق فرز الموجودات على اختلافها (أوزكان بيلغين/ الأناضول)

تضييق مساحة النزاع
ويقول رئيس تجمع المحامين الأحرار غزوان قرنفل لـ"العربي الجديد": تتولى فرق إنقاذ تعمل مع إدارة الطوارئ (آفاد) مهمة فرز الموجودات على اختلافها من ذهب ومال وأشياء ثمينة، وتوثيق مواصفاتها وأماكن العثور عليها من خلال معلومات الحي ورقم العقار، من أجل تضييق مساحة النزاع المفترض على المفقودات، ولو بعد حين، والذي سيحصر في سكان العقار فقط".
يضيف: "تملك سلطات الولايات المتضررة صلاحيات تشكيل لجان وفرق عمل تضم هيئات إدارة الكوارث ورجال الشرطة والإنقاذ لتحديد طرق التواصل لفرز المخلفات الثمينة، وتحديد مواقع العثور عليها في الأحياء تمهيداً للتعامل مع أصحابها المتضررين. وكل من يثبت أنه يملك هذه الموجودات حتى عبر صور وفواتير وقرائن أخرى، تسلّم له بعد توقيع ضبط بالواقعة. أما ما لا يُسلّم فيبقى في خزينة الدولة التي تتصرف به لاحقاً".
وباعتبار أنه مرّ أكثر من شهر ونصف على الزلزال وتلاشت في شكل كبير آمال العثور على المفقودات الثمينة، يقول مدير مكتب "آفاد" مصطفى دومان لـ"العربي الجديد": "عندما يعثر أفراد الأمن والجيش وفرق الإنقاذ العاملون في مناطق الزلزال على أشياء ثمينة من ذهب ونقود أو تحف ثمينة، ينقلونها إلى منطقة آمنة وسرية بعد إبلاغ مكتب المدعي العام والشرطة. ويجري توثيق أماكن العثور على الموجودات ومواصفاتها بدقة من الفرق المسؤولة عن نقل الممتلكات. وفي حال وجود وثائق ضمن الموجودات مثل بطاقة شخصية أو جواز سفر أو أي وثيقة شخصية يجري التواصل مع أصحابها". ويشدد على ضرورة تقديم فاقدي ممتلكاتهم طلبات للشرطة، لأن تسليم أي منها لن يحصل إلا بعد إعطاء المدعي مواصفات إثبات الملكية.
ويشير دومان إلى أن الممتلكات التي لا يسأل عنها أحد تذهب إلى خزينة الدولة لكن بعد مهلة عام من العثور عليها، ويوضح أنه يمنع دخول المباني المتضررة أو أماكن الأنقاض إلا بعد الحصول على تصريح رسمي من "آفاد" لمنع استغلال البعض المأساة وسرقة ممتلكات الغير.

الصورة
ايجاد أموال ومقتنيات ثمينة بين أطنان الأنقاض ليس سهلاً (سيرجن سيزجين/ الأناضول)
ايجاد أموال ومقتنيات ثمينة بين أطنان الأنقاض ليس سهلاً (سيرجن سيزجين/ الأناضول)

دخول المباني
وفي بيان أصدرته في 19 فبراير/ شباط الماضي، منعت إدارة الكوارث والطوارئ التركية دخول المواطنين المباني المصنّفة بأنها متضررة أو مدمرة، ولو لفترة قصيرة لأخذ ممتلكات منها.
وأورد البيان: "سيجري تقييم تصاريح دخول جميع المباني المتضررة بشدة من أجل أخذ الممتلكات، بما يتماشى مع تقارير الخبراء الذين تعينهم وزارة البيئة. وهذه التصاريح ستسمح بأخذ أصحاب المنازل المدمرة بشدة، والذين لم يقدموا اعتراضاً على تقييم منازلهم وممتلكاتهم بالتنسيق مع خبراء وزارة البيئة. وفي حال صنّف الخبراء أي مبنى بأنه خطير لن يسمح بدخوله".
وحددت "آفاد" فترتين لدخول المباني المتضررة، فتلك المصنّفة بأنها خطرة سيُسمح بدخولها لمدة 30 دقيقة لأخذ ممتلكات ثمينة من نقود ومجوهرات وأوراق رسمية. أما المباني غير الخطرة فيسمح بدخول سكانها لمدة ساعتين. 
وأشارت إلى أن "قوات تابعة لإدارات وعناصر فرق إخلاء ستشرف على عمليات دخول المنازل المتضررة، لأن أشخاصاً كثيرين فقدوا حياتهم أثناء محاولتهم الحصول على ممتلكاتهم من شققهم المتضررة التي تضم 4 طوابق عقب الزلزال الذي ضرب ولاية هاتاي التركية بقوة 6.4 على مقياس ريختر، في 20 فبراير/ شباط الماضي".
ونقلت صحيفة "يني شفق" عن وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغيّر المناخي مراد كوروم قوله إن "عدد المباني التي دمرها الزلزال في 11 ولاية تركية تجاوز 370 ألفاً، وهيئة تطوير الإسكان ستشيّد 30 ألف مبنى ضمن المرحلة الأولى من خطة إعادة الإعمار، وبحلول يونيو/ حزيران المقبل سيبلغ هذا العدد 100 ألف".

سارقو الأنقاض
وكانت صحف تركية نشرت معلومات عن توقيف 48 شخصاً حاولوا استغلال مأساة الزلزال وسرقة ممتلكات لمتوفين يغلب عليها الذهب، فيما تحدثت مصادر لـ"العربي الجديد" عن أن الأتراك اتجهوا منذ خمس سنوات إلى شراء ليرات ذهبية وسبائك لمحاولة الهرب من التضخم النقدي الذي أفقد عملتهم قيمتها أمام الدولار، والتي تراجعت من 3 ليرات قبل خمس سنوات إلى نحو 19 ليرة اليوم.
ولم يقتصر استغلال البعض لمآسي الزلزال على البحث في الأنقاض وسرقة ممتلكات المتوفين، إذ استفاد بعضهم من عرض المنكوبين آليات للبيع لمحاولة إطلاق الحياة مجدداً وتلبية احتياجاتهم السريعة للمال في شكل عاجل.
ونقل موقع "سي أن أن" التركي عن رئيس جمعية تجار السيارات في إسطنبول عضو جمعية غرفة التجارة في إسطنبول خرتين إرتيميل قوله إن "عدد المركبات المتضررة بلغ مليونا، 25 في المائة منها غير صالحة للاستخدام".
ويكشف أن "البعض يُعيدون نسخ أرقام المحركات والهياكل (الشاسيه) ويضعونها على سيارات آليات من نفس الطراز واللون ويبيعونها. والمديرية العامة للأمن تعمل لمنع ذلك، لكن ضحايا كثيرين يبيعون سياراتهم مباشرة على مواقع الإعلانات، وهو ما يجب منعه".
 

المساهمون