الأمم المتحدة تعلّق مساعداتها في غزة بعد أوامر إخلاء إسرائيلية

26 اغسطس 2024
خلال توزيع مساعدات غذائية أممية في جباليا، شمالي قطاع غزة، 24 أغسطس 2024 (الأناضول)
+ الخط -

أعلن مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة أنّ المنظمة "لا يمكنها الاستمرار في عملياتها في قطاع غزة في الوقت الراهن، لأسباب أمنيّة، بما في ذلك أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي تُوجَّه إلى طواقم الأمم المتحدة في دير البلح (وسط)". لكنّ المسؤول الأممي الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته، خلال إحاطة مخصّصة للصحافيين المعتمَدين لدى مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، شدّد على أنّ هذا "ليس قراراً بوقف عملياتنا، إنّما نقول ليس في إمكننا فعلياً الاستمرار بعملياتنا، في الوقت الحالي، لأسباب خارجة عن إرادتنا"، وأشار إلى أنّه تحدّث صباح اليوم الاثنين مع "الزملاء على الأرض (في قطاع غزة) وأكّدوا أنّهم لم ينفّذوا أيّ عملية اليوم، إذ كان ذلك مستحيلاً".

وأوضح المسؤول في الأمم المتحدة أنّ "السبب وراء ذلك تلقّينا أوامر إخلاء (من جيش الاحتلال الإسرائيلي) أمس، وقد أثّرت على مركز عملياتنا في دير البلح الذي كنّا قد انتقلنا إليه بناءً على أوامر إخلاء سابقة من رفح (أقصى الجنوب)" حيث كان مركز عمليات الأمم المتحدة. لكنّه شدّد على أنّ الأمم المتحدة لن تترك قطاع غزة، مشيراً إلى اضطرار الوكالات التابعة لها وطواقمها إلى إخلاء مقارّها ومواقعها أكثر من مرّة. وبيّن المسؤول نفسه: "لدينا (في طواقم الأمم المتحدة) نحو 90 شخصاً من العاملين الدوليّين في قطاع غزة ونحو 140 من العاملين الغزيّين إلى جانب عائلاتهم، نحن مسؤولون عن أمنهم"، لافتاً إلى أنّ "لا ندري إلى أين ننقلهم".

وتحدّث المسؤول الأممي في نيويورك عن إخلاء عاملين عدداً من المخازن، في حين اضطرّ آخرون يعملون في المجال الإنساني إلى المبيت في السيارات وفي الوقت نفسه المضيّ قدماً في مهامهم. كذلك تناول المسؤول نفسه التحديات اللوجستية التي تواجه العاملين المعنيّين بالمساعدات، بما في ذلك تعرّضهم أكثر من مرّة لعمليات إطلاق نار، واضطرارهم إلى الانتظار ساعات على نقاط التفتيش، في حين قُتل وأُصيب عدد منهم واستُهدفت آليّاتهم.

وقد أتت تصريحات المسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة في اليوم الـ325 من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وذلك في وقت أُنهكت فيه طواقم وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني وغيره في القطاع المحاصر والمستهدف. فمنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما زالت تلك الطواقم تجهد لأداء مهامها والإحاطة بالفلسطينيين المنكوبين هناك، علماً أنّها تُستهدَف بدورها، إذ إنّ آلة الحرب الإسرائيلية تسعى إلى تقويض عملها، لا سيّما أنّ من شأن ذلك أن يؤدّي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية أكثر في قطاع غزة.

وفي ردّ على أسئلة مراسلة "العربي الجديد" في نيويورك بشأن المعدّات والأجهزة الأساسية التي لا تسمح إسرائيل بإدخال معظمها، أو الكميّة الكافية التي تحتاج إليها الأمم المتحدة في قطاع غزة حتى الآن، والتي من المفترض أن تساعد في تأمين عمليات تقديم المساعدات والتي تُستخدَم في كلّ الصراعات، قال المسؤول الأممي: "عندما نتحدّث عن معدّات، فإنّ ذلك يشمل السيارات المصفّحة التي في إمكانها حماية العاملين ضدّ عمليات إطلاق نار أو انفجار الألغام (...) صحيح أنّها لن تحميهم من الصواريخ، إنّما هي تمنح نوعاً من الحماية يسمح لنا بالتحرّك بطريقة فضلى". أضاف المسؤول الأممي: "بخصوص أجهزة الاتصال، نحن في حاجة إلى البقاء على تواصل دائم مع فرق المساعدات ومعرفة مواقع تحرّكاتها والتواصل معها في حال تعرّضت لخطر حتى نتمكّن من الوصول إليها. وهذا ما نقوم به في أيّ عملية إنسانية في مناطق الصراعات (...) ولا يمكن لأيّ عملية، حتى العمليات العسكرية، أن تُجرى من دون طرق للتواصل مع الطواقم على الأرض". وأشار إلى أنّ "الآليات التي لا تسمح إسرائيل بإدخال ما يكفي منها (إلى قطاع غزة) تشمل أيضاً سترات واقية للعاملين في المجال الإنساني".

وفي الإطار نفسه، لم يخفِ المسؤول في الأمم المتحدة أنّ ثمّة محادثات مع الجانب الإسرائيلي منذ بدء الحرب لإيجاد حلول بشأن إدخال هذه المعدّات والأجهزة الأساسية، "لكنّ الحلول لا تأتي بالسرعة اللازمة". و كشف أنّ الجانب الإسرائيلي لا يمنح الأمم المتحدة، أحياناً، إلا ساعات معدودة حتى تنقل معدّاتها وتتحرّك من موقعها وتحاول إيجاد موقع آخر يصلح ليكون مركزاً لعملياتها. ولفت المسؤول الأممي الانتباه إلى التحديات في داخل قطاع غزة، وكثير منها خارج عن إرادة الأمم المتحدة ويرتبط بموافقة الإسرائيليين. وشرح أنّ ما تحتاجه المنظمة الأممية من الجانب الإسرائيلي هو أن "يُصار إلى احترام مواقع الأمم المتحدة وألا تُستهدَف بالعمليات العسكرية (...) كذلك نحتاج إلى الاستمرار في المحادثات حول مناطق تخفيض التصعيد والسماح بإدخال مزيد من المعدّات الأساسية". وشدّد على أنّ "من غير المقبول أن تستمرّ المباحثات (بشأن تلك المعدّات والخطوات) وسط هذه الظروف ولمدّة أشهر".

وفي إجابة عن سؤال صحافي بشأن الشرطة الفلسطينية التي كانت في قطاع غزة والتي كانت تؤمّن تلك المساعدات في الماضي، أقرّ المسؤول نفسه الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته بأنّها "صارت مستهدفة من قبل الجيش الإسرائيلي لأنّه يرى أنّها جزء من (حركة) حماس".

من جهة أخرى، طرح "العربي الجديد" سؤالاً بشأن حملة التحصين ضدّ شلل الأطفال والتصريحات الأممية التي تشدّد على وجوب إطلاقها في نهاية الأسبوع، وبشأن الظروف الواجب توفّرها من أجل إطلاقها، فأجاب المسؤول الأممي: "حتى في حال عدم التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، يتوجّب علينا القيام بذلك (إطلاق حملة التحصين) إذ لا خيار آخر بالنسبة إلينا"، محذّراً من أزمة كبرى في قطاع غزة في حال عدم تنفيذ الحملة. وتابع أنّ "السؤال بالنسبة إلينا هو كيف يمكننا إيجاد طرق لتزويد الأطفال باللقاح (المضاد لشلل الأطفال) من أجل منع انتشاره (الفيروس) بصورة واسعة"، مؤكداً أنّه "في الوقت الراهن، نجري محادثات مع الجيش الإسرائيلي كي يسمح لنا بتنفيذ ذلك بطريقة آمنة (...) وما زالت المحادثات جارية".

وأقرّ المسؤول في الأمم المتحدة في نيويورك، خلال الإحاطة الصحافية نفسها، بأنّ الوضع الإنساني في قطاع غزة بلغ مستويات جعلت الأمم المتحدة مضطرة إلى المخاطرة في تقديم مساعداتها وعدم الالتزام بكلّ البروتوكولات المتّبعة في صراعات أخرى، وذلك من أجل الحفاظ على أمن الطواقم الإنسانية التي توفّر المساعدات الإنسانية لمن يحتاجها.

المساهمون