الأسير المحرّر ضرغام الأعرج "مدرّس غير عادي"

30 مارس 2022
ضرغام الأعرج مُدرّس غير عادي في جامعة القدس (فيسبوك)
+ الخط -

لم يخطر في بال ضرغام الأعرج أن يتحوّل من مقاعد الدراسة الجامعية في سنته الأولى بتخصص علم الكومبيوتر في جامعة القدس ببلدة أبو ديس شرق مدينة القدس المحتلة المجاورة لبلدته السواحرة الشرقية عام 2000، إلى مقاعد "البوسطة" (حافلة نقل الأسرى)، والبُرش (السرير) في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام المذكور، ويبقى هناك 19 عاماً ويتخرج كأسير مُحرر، ثم يعيّن محاضراَ في الجامعة التي اعتقل منها طالباً لتدريس مادة ترتبط مباشرة بتجربة الأسر في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
خلال اعتقاله، حوّل الأعرج تخصصه من علم الكومبيوتر في البكالوريوس إلى تخصصي العلوم السياسية والدراسات الإسرائيلية في الماجستير، ويقول لـ"العربي الجديد": يحاول الأسرى الافتراض داخل السجون أن حياتهم طبيعية، ويكملون مشاريعهم في الحياة مثل الدراسة الجامعية، وهو ما سنحت فرصة فعله في الجامعة العبرية التي سُمح للأسرى بالدراسة عبرها، ثم أكملت الماجستير في جامعة القدس ببلدة أبو ديس".

قضايا وناس
التحديثات الحية

لا يُعتبر الأعرج (42 عاماً) الذي أطلق في نهاية عام 2019، مُدرّساً عادياً في جامعة القدس، فهو يُدرّس حالياً مادة تتعلق بتاريخ حركة الأسرى في سجون الاحتلال ضمن تخصصات مطروحة في اختصاص العلوم السياسية بالجامعة، ما يسمح له بأن يكشف تفاصيل عن تجربة اعتقاله وحركة الأسرى ينقلها من عين الواقع نفسه، ويشرح فيها مرارة المعاناة التي كابدها وعايشها مع مئات الأسرى الآخرين في مختلف السجون التي تنقل بينها خلال 19 عاماً.
يقول: "المادة التي أدرّسها للطلاب في الجامعة ليس عادية. أعرف تفاصيلها وأوضحها لهم، وأشرح عبرها قصتي وقصص آلاف الأسرى الفلسطينيين، فهي رسالة ومسؤولية أكثر من وظيفة تدريس أنفذها".

الصورة
يدرّس الأعرج مادة حركة الأسرى (فيسبوك)
يدرّس الأعرج مادة حركة الأسرى (فيسبوك)

ومن أهم الحيثيات التي يتطرق لها الأعرج، تدريس تاريخ حركة الأسرى، والانتقال من مرحلة بداية الاعتقال إلى التحقيق وصولاً إلى القضاء والنطق بالحكم الذي قد يكون إدارياً، وأساليب تصنيف الاحتلال مع الأسرى بين القدامى والأشبال الأطفال والأسيرات، إلى جانب تفاصيل سياسة العزل والإهمال الطبي والإذلال الذي يتعرض له الأسرى في معتقلات الاحتلال.
ويدرّس الأعرج حركة الأسرى في شكل مختلف لتتلاءم مع هدفه الخاص بتسهيل إيصال المعلومات للطلاب، ودفع مخيلة الصور الذهنية التي يملكونها عن قصص الأسرى إلى التشكل بطريقة تجعلهم يعيشون التجربة في خيالهم ومشاعرهم. ويوضح: "أشرح للطلاب كيف يحاول الأسير أن يقاوم سياسة الاعتقال بالإضراب والمساهمات الثقافية والتعلم والتعليم، وأنقل لهم محاولتي مع زملائي الأسرى في سجن الدامون عام 2019، مساعدة أسيرات فصل بيننا وبين سجنهن بوابة وجدار يبعدان أمتاراً قليلة، والسعي إلى مساعدتهن في معالجة تحديات الاعتقال، خصوصاً أن فترات اعتقالهن أقصر من فترات اعتقال الأسرى، ما يجعل خبرتهن في الاعتقال متقطعة".

الصورة
أمضى 19 عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي (فيسبوك)
أمضى 19 عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي (فيسبوك)

ويشير الأعرج إلى أنه "أفرج عن جميع الأسيرات بعد توقيع اتفاق أوسلو، كما أطلق سراح معظمهن باستثناء لينا الجلبوني في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، قبل أن تتحرر بدورها بعد سنوات قليلة، في وقت اعتقلت أخريات، ما حرم الحركة النسوية في المعتقلات امتلاك تجارب اعتقال متراكمة".
يضيف: "كنا نلتقي أسيرات كل أسبوع تقريباً، ونحاول مساعدتهن في حل مشاكلهن. وعندما يمنع الاحتلال هذه اللقاءات كنا نتحدث إليهن من خلف البوابة التي تفصل بيننا، أو عبر الزيارات المتبادلة للمحامين. وهذه التفاصيل لا يعرفها الطلاب، وأصرّ على نقلها إليهم لتغيير الصورة النمطية عن الأسير لدى الناس في الخارج، فهناك تفاصيل إنسانية مغيّبة أحاول أن أوضحّها عبر تدريسي هذه المادة".

ويؤكد الأعرج أن عدد الطلاب المسجلين في المادة التي يدمغها بتجربته في الأسر يزداد في كل فصل دراسي. و"رغم أنها مادة اختيارية لكنها شهدت إقبالاً من مختلف طلاب الكليات والأقسام. ما أحكيه في المادة يسمعه بعض الطلاب من بعيد أو يعيشه بعضهم. وأخبرت الطلاب أنه ليس ضرورياً أن يمارسوا عملاً مقاوماً مباشراً كي يعتقلهم الاحتلال، فيكفي أن يكونوا فلسطينيين ليحصل ذلك".
ويحضّر الأعرج حالياً رسالة دكتوراه في تخصص الإدارة التربوية بجامعة القدس، ولاقى تدريسه مادة حركة الأسرى التفاتة أكاديمية وإعلامية.

المساهمون