"نعيش على الهامش. تقول أمي إن والدي كان يعيش على الهامش. هناك ولد وعمل ومات. أنا أيضاً ولدت على الهامش، لكنني لا أريد أن أموت فيه. شقيقي فقد روحه على هامش المستشفى وشقيقتي مريضة وتبكي دوماً. وأحياناً، تضحك على هامش البكاء. تقول أمي إن قدرنا كُتب على هامش الأقدار". هكذا يصف الشاعر الإيراني المعاصر الراحل قيصر أمين بور حال البؤساء في المجتمعات الذين يعيشون على هامش الحياة في المجتمع، ويطلق عليهم في إيران اسم "القاطنين على الهوامش"، أي في العشوائيات وأطراف المدن الإيرانية.
ومع تطور الحياة والانفجار السكاني في إيران في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، شهدت البلاد موجات واسعة من الهجرة من القرى إلى المدن في البلاد، ما أدى إلى انتشار واسع لظاهرة العيش على هوامش المدن الإيرانية، وعلى وجه التحديد المدن الكبرى، مثل العاصمة طهران. لكنّ الظاهرة، بحسب خبراء إيرانيين في علمي الاجتماع والاقتصاد، تعود بالأساس إلى توزيع غير عادل للثروة والتمييز المجتمعي والفقر وعوامل أخرى.
ولا توجد أرقام رسمية دقيقة عن سكان المناطق العشوائية أو أطراف المدن الإيرانية. إلا أن وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، عباس آخوندي، أعلن في يوليو/تموز 2017 أن عدد الإيرانيين الذين يعيشون في هذه المناطق، وما يطلق عليه أيضاً "المساكن السيئة"، يصل إلى 19 مليون شخص في ثلاثة آلاف منطقة عشوائية، بحسب وكالة "مهر" الإيرانية. إلا أن هذا الرقم شهد ارتفاعاً كبيراً خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة منذ تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصب الرئاسة واتخاذ استراتيجية "الحرب الاقتصادية" ضد إيران بحسب استراتيجية "الضغوط القصوى" وفرضه عقوبات عليها، وصفت بأنها "تاريخية وشاملة".
المستأجرون الإيرانيون كانوا من ضحايا هذه العقوبات الأميركية التي هوت بالريال الإيراني إلى مستويات قياسية، ما دفعهم إلى الانتقال من المدن إلى الأرياف والعشوائيات بسبب ارتفاع بدلات الإيجار، علماً أنها تعاني من جراء الفقر في الإمكانيات ومقومات الحياة، رغم أنها ممدودة ببعض الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء. لكن العيش فيها يبقى تحت المستوى المطلوب، خصوصاً لناحية الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية المناسبة. في هذا السياق، يقول عضو لجنة العمران في البرلمان الإيراني السابق مجيد كيان بور، لوكالة "خانه ملت" البرلمانية، في 9 فبراير/شباط 2020، إن عدد سكان المناطق العشوائية في العاصمة طهران زاد بنسبة 18 في المائة خلال العامين 2018 و2019، بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وتراجع القوة الشرائية للمواطنين.
وبموازاة لجوء مستأجرين من الطبقة المتوسطة وما دونها إلى هذه المناطق، بسبب الغلاء في المدن، لم يتمكن آخرون من مواصلة الحياة في العشوائيات، لينتقلوا إلى العيش على هامش هذه المناطق. ويتحدث مركز البحوث التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، في تقرير نشره على موقعه يوم 22 سبتمبر/أيلول 2020، عن نشوء ظاهرة "العيش على هامش العشوائيات"، مشيراً إلى أنه نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فقدت عائلات إيرانية القدرة على توفير البيوت للعيش في المناطق العشوائية، فاضطرت إلى التراجع للعيش على هامش هذه المناطق.
إلى ذلك، ارتفع عدد سكان المناطق العشوائية وأرياف المدن إلى نحو 38 مليون شخص، أي نحو 45 في المائة من سكان إيران خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بحسب عضو جمعية المسح الأرضي محمد رضا محبوبفر، عازياً السبب إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية خلال هذه الفترة. ويكشف لوكالة "برنا" التابعة لوزارة الشباب والرياضة يوم 24 مايو/أيار 2020، عن وجود ظاهرة العيش في المقابر.
كذلك، تحدثت صحيفة "أرمان ملي" الإصلاحية، في 23 يوليو/تموز الماضي، عن لجوء عائلات فقيرة إلى العيش في كانتونات وخيام بسبب عجزها عن دفع بدل إيجار البيوت المرتفع خلال العامين الأخيرين بنسبة تتجاوز 100 في المائة. ونقلت الصحيفة عن البرلماني السابق، أحمد صفري، قوله إن "بعض المواطنين اختاروا العيش في الخيام بسبب ارتفاع بدلات الإيجار"، مشيراً إلى تلقي الهلال الأحمر اتصالات من هؤلاء المواطنين للحصول على الخيام للسكن.
وبعد العقوبات، جاء دور فيروس كورونا الجديد منذ فبراير/شباط 2020، ما فاقم الوضع الاقتصادي سوءاً ليدفع الكثير من الأسر إلى الهجرة نحو المناطق العشوائية، في وقت فقد الكثير من السكان في المناطق العشوائية من العمال الموسميين والذين يعملون بأجر يومي أو بالساعة والبائعين المتجولين وعمال البناء، أعمالهم، وقد تراجع دخلهم بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة، وفق موقع صحيفة "اعتماد" الإصلاحية، في تقرير نشره يوم 22 يونيو/حزيران 2020.
الحديث هنا لا يدور فقط حول ارتفاع عدد سكان العشوائيات فحسب أو المشاكل التي أدت وتؤدي إلى ذلك، وإنما هذا الجانب الظاهري للقضية، والجانب الآخر الأكثر أهمية هو المشاكل الاجتماعية والأخلاقية والثقافية التي تنتج عن ذلك، حيث تُعد العشوائيات مساحات خصبة لانتشار الأمراض الاجتماعية وأنواع الجرائم، مثل القتل والإدمان وغيرهما، لذلك من الطبيعي أن تزداد هذه الأمراض كلما اتسعت هذه المناطق على خلفية الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الأميركية وتفشي كورونا الذي تُعد إيران من البلدان الأكثر إصابة به.
من جهتها، تُقرّ الحكومة الإيرانية بأزمة العشوائيات على خلفية أزمة السكن وبدلات الإيجار في البلاد. ويؤكد وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي الأمر، قائلاً إن الحكومة "لديها مشروعان لتنظيم المناطق العشوائية على هوامش المدن؛ المشروع الأول هو إدارة وتنظيم الهجرة، والمشروع الثاني هو تنظيم العشوائيات بشكل قانوني". وأشار إلى "توزيع الأعمال بين أجهزة الدولة بهذا الخصوص"، داعياً إلى "تسيير الأمر على مستوى وطني"، قائلاً إن "العمل ينجز بشكل جيد مقارنة بالفترة الماضية، لكن هناك بون حتى الوصول إلى ظروف مطلوبة"، بحسب ما أورده التلفزيون الإيراني يوم 13 سبتمبر/أيلول 2020.