استمع إلى الملخص
- **التحديات الاقتصادية والتعليمية**: نسبة البطالة بين الشباب الأردني بلغت 43% نتيجة السياسات غير الفعالة، والتوسع في التعليم الجامعي على حساب التعليم التقني والمهني.
- **الحلول المقترحة**: يدعو الخبراء إلى دراسات متخصصة حول الوظائف المطلوبة، برامج تأهيل الطلبة، تشبيك الجامعات مع القطاع الخاص، وإنشاء جهة رقابة على التخصصات ورسومها.
تتسع دائرة البطالة بين خريجي الجامعات الأردنية بسبب عدم القدرة على خلق فرص عمل جديدة، ما يترك خريجي الثانوية العامة (التوجيهي)، في حيرة لاختيار التخصص الجامعي.
يؤدي عدم المواءمة بين اختصاصات التعليم ومتطلبات سوق العمل إلى انضمام آلاف الخريجين الأردنيين سنوياً إلى طابور البطالة مع وجود عشرات التخصصات الراكدة والمشبعة في سوق العمل الأردني.
وحسب آخر الإحصاءات الحكومية، فإن عدد طلبات التوظيف التراكمية لعام 2023 بلغ 486 ألفاً، ما يعني أن الرقم يتجاوز نصف مليون في عام 2024، مع وجود عشرات الآلاف من الطلاب على مقاعد الدراسة في عشر جامعات حكومية و18 جامعة خاصة، إضافة إلى الطلاب الدارسين في الخارج.
وعمت البطالة التخصصات كافة. فعلى سبيل المثال، قالت نقابة المهندسين الأردنيين في بيان لها، إن هناك ركوداً تاماً في كافة تخصصات الهندسة، مستثنية من ذلك تخصصات الذكاء الاصطناعي والأنظمة الذكية والطاقة المتجددة والمستدامة. والأمر نفسه ينطبق على نقابات الصيدلة والطب وغيرها.
يقول الطالب أحمد علي، وهو خريج توجيهي، لـ"العربي الجديد": "لا نعرف أي تخصص نختار، فأغلب خريجي الجامعات خلال السنوت الأخيرة يعانون من البطالة. سأحاول دراسة الهندسة، فأغلب المهندسين العاملين أوضاعهم المادية جيدة، ولا أحد يعلم ماذا سيحدث بعد سنوات. لا حلول أمامي سوى السير في هذا الطريق".
أما أحمد العبادي، وهو والد أحد خريجي التوجيهي، فيقول لـ"العربي الجديد": "المستقبل غامض، ولا يوجد ما يدعو للتفاؤل، فالدولة تتبنى التعليم التقني نظرياً، لكن عملياً لا يوجد دعم، والتخصصات الجامعية باتت مثل الفخاخ، ولا أحد يضمن فرص عمل حقيقية. لا يملك الآباء خياراً سوى تدريس أبنائهم للحصول على شهادة جامعية، وأي خيار آخر مرفوض اجتماعياً ومنطقياً، حتى وإن كان التخصص مشبعاً أو راكداً، فالشهادة سلاح، ونأمل بأن تتحسن الأوضاع في المستقبل".
وحسب المرصد العمالي الأردني، فإن شباب الأردن يواجهون تحديات كبيرة تعوق اندماجهم في سوق العمل، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بينهم إلى مستويات غير مسبوقة. ويشير المرصد في بيان، إلى أن "نسبة البطالة بين شباب الأردن بلغت نحو 43% بسبب السياسات الاقتصادية والتعليمية وسياسات التشغيل غير الفعالة التي جرى تطبيقها على مدار عقود، واستمرار التوسع في التعليم الجامعي على حساب التعليم التقني والمهني، ما أدى إلى تشوهات هيكلية في سوق العمل، وزيادة معدلات البطالة".
بدوره، يقول منسق الحملة الوطنية لحقوق الطلاب (ذبحتونا)، فاخر دعاس، لـ"العربي الجديد"، إن "إشكالية التخصصات المشبعة ليس لها علاقة بالتخصص بقدر علاقتها بعدم القدرة على خلق فرص عمل كافية، فمهن مثل المحاسبة والطب والهندسة لن تنتهي، لكن المشكلة تمكن في الوضع الاقتصادي المتردي، فالركود الاقتصادي يضعف الطلب على جميع المهن. مع التطور التكنولوجي ظهرت تخصصات جديدة، لكن جامعاتنا الرسمية والخاصة لا تملك ضوابط تجعل هذه التخصصات مطلوبة في سوق العمل بسبب ضعف المناهج التي لا تلبي الحاجة لتخريج شاب متميز في هذه التخصصات الجديدة".
يضيف دعاس: "بعض الجامعات الحكومية رأت في هذه التخصصات وسيلة لرفع الرسوم، ووصلت رسوم الساعة للفصل الدراسي إلى نحو 100 دولار للبرنامج العادي و150 دولاراً للنظام الموازي، وهذا وضع تجاري أكثر منه أكاديمي. هناك سباق محموم على فتح تخصصات جديدة، والكثير من هذه التخصصات هدفها جذب الطلاب، لكن لا توجد أرضية صلبة لها، خاصة من ناحية التجهيزات والمختبرات ووجود أكاديميين يحملون الخبرة فيها. ينبغي إيجاد جهة رقابة على التخصصات التي تفتحها الجامعات، والحكومة التي تدفع باتجاه هذه التخصصات عليها أن تراقب الرسوم، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية".
في السياق، يقول رئيس المركز الأردني لحقوق العمل، وكيل وزارة العمل السابق حمادة أبو نجمة، لـ"العربي الجديد"، إن "الأرقام والتخصصات التي تعلن الحكومة أنها مشبعة لا تعتبر مؤشراً دقيقاً، فبعض التخصصات غير مطلوبة في القطاع الحكومي، لكنها مطلوبة في القطاع الخاص. هناك مشكلة في مخرجات التعليم، لكن لا توجد دراسات واضحة، فاحتياجات الوظائف الحكومية مكتبية في الغالب، وهذا يختلف عن القطاع الخاص، مع أهمية وجود برامج لتأهيل الطلبة، وتصويب سياسات التعليم العالي".
ويوضح قائلاً: "كانت هناك محاولات من المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية لإعداد دراسات متخصصة حول الوظائف المطلوبة، وهيئة تنمية وتطوير المهارات المهنية والتقنية قادرة على القيام بهذا الدور حالياً لإرشاد الطلبة وأهاليهم إلى التخصصات المطلوبة، وهناك ضرورة لوجود قاعدة بيانات للخريجين والوظائف المطلوبة، خاصة بعد إلغاء ديوان الخدمة المدنية، للتشبيك بين الباحثين عن عمل وأصحاب العمل. في بعض الدول تضم كل منطقة جغرافية مكتباً للتشغيل تتولى أيضاً تدريب الباحثين عن عمل على مهارات تغطي فرص العمل الموجودة، إذ يجب أن لا تكون الشهادة الجامعية هي المدخل الوحيد للعمل، فالأمر يتطلب أحياناً دورات تدريبية، والشهادة الجامعية من دون مهارات بلا أهمية".
وحول حديث الحكومة عن توفير 95 ألف فرصة عمل، يؤكد أبو نجمة أن "فرص العمل ينبغي أن تكون جديدة، وليس فرصاً تتوفر بتقاعد موظفين أو إنهاء عقود أخرين أو استقالتهم، ولو كان استحداث هذه الفرص حقيقياً لانعكس على أرقام النمو الاقتصادي. رفع مستوى التعليم وزيادة أعداد الجامعات مهم، لكن يجب أن لا تكون الشهادة هي الرافعة الوحيدة للعمل، فأحياناً يتقدم خريجون جامعيون لوظائف ويرفضهم صاحب العمل لعدم وجود مهارات لديهم، فصاحب العمل لا يبحث عن المتفوق بل عن الموظف المنتج، لذا تبرز أهمية تشبيك الجامعات مع القطاع الخاص، وإعطائه دوراً في اختيار المناهج".