الأحوال الشخصية... "الولاية حقي" مجرّد وسم في مصر

30 مايو 2021
الجميع تحت رحمة قانون غير عادل للأحوال الشخصية (جيف أوفرز/ Getty)
+ الخط -

 

تعاني نساء مصر وأطفالها من قوانين الأحوال الشخصية التي لا تنصفهم، بحسب ما يؤكد أهل الاختصاص والناشطون والناشطات الحقوقيون والاجتماعيون.

قبل أشهر عدّة، عطّلت الجهات التشريعية في مصر مناقشة مسوّدة قانون الأحوال الشخصية المصري الذي يتحكّم في مصير 5.6 ملايين امرأة و15 مليون طفل في البلاد، تحت ضغط مجتمعي كبير شارك فيه مواطنون إلى جانب منظمات ومؤسسات معنيّة بحقوق المرأة عبر وسم "الولاية حقي". وهكذا عادت المسوّدة إلى الأدراج وعُطّلت مناقشتها، وبقي "الولاية حقي" مجرّد وسم يجمع تدوينات نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. والتعطيل لا يعني قطّ تغيّراً في فلسفة المشرّع. وإعادة المسوّدة إلى الأدراج أو النقاش الداخلي لا يعنيان بالضرورة استجابة للمطالب. وهذا ما تتخوّف منه منظمات حقوقية نسوية رأت أنّ في اللجوء إلى تعطيل مناقشة المسوّدة "مماطلة ربّما وامتصاصاً للغضب"، وأنّ التغيير لا يأتي بردود أفعال وقتية أو بتحركات موسمية.

وكانت مسوّدة قانون الأحوال الشخصية الجديد قد واجهت رفضاً مجتمعياً واسعاً وآخر في الأوساط السياسية والحقوقية، فيما أعلنت أكثر من 300 منظمة نسوية وشخصية عامة رفضها التام لها، إذ إنّها شملت تعديلات "تمّ إعدادها في الظلام، من خلف ظهر المجتمع المدني، خصوصاً المنظمات النسوية والحقوقية". وقد أقيمت دعوى قضائية حملت رقم 19 للمطالبة بعدم دستورية نص المواد 4 و5 و6 من قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1920 والمواد 6 و7 و9 و10 و11 من القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المتاحة بالقانون رقم 100 لسنة 1985، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وحدّدت هيئة المفوضين في المحكمة الدستورية العليا المصرية جلسة 11 يوليو/ تموز المقبل للفصل في تلك الدعوى.

الصورة
امرأة وأطفال في مصر (فاسيليس أ. بولاريكاس/ Getty)
(فاسيليس أ. بولاريكاس/ Getty)

وتختصّ المواد 4 و5 و6 من قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1920 في العجز عن النفقة، فتنصّ المادة 4 على أنّه "إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته، فإن كان له مال ظاهر نُفّذ الحكم عليه بالنفقة في ماله. وإذا لم يكن لديه مال ظاهر ولم يقل إنّه معسر أو ميسر، ولكن أصر على عدم الإنفاق، طلق عليه القاضي في الحال. وإن ادعى العجز، فإن لم يثبته طلق عليه حالاً، وإن أثبته أمهله مدة لا تزيد عن شهر. فإن لم ينفق طلق عليه بعد ذلك". وتنصّ المادة 5 من القانون نفسه على أنّه "إذا كان الزوج غائباً غيبة قريبة، فإن كان له مال ظاهر نُفّذ الحكم عليه بالنفقة في ماله. وإن لم يكن له مال ظاهر أعذر إليه القاضي بالطرق المعروفة وضرب له أجلاً. فإن لم يرسل ما تنفق منه زوجته على نفسها أو لم يحضر للإنفاق عليها، طلق عليه القاضي بعد مضي الأجل. وإن كان بعيد الغيبة لا يسهل الوصول إليه أو كان مجهول المحل أو كان مفقوداً وثبت أنّ لا مال له تنفق منه الزوجة، طلق عليه القاضي. وتسري أحكام هذه المادة على المسجون الذي يعسر بالنفقة". أمّا المادة 6 فتنصّ على "تطليق القاضي لعدم الإنفاق يقع رجعياً، وللزوج أن يراجع زوجته إذا ثبت إيساره واستعد للإنفاق في أثناء العدّة. فإن لم يثبت إيساره ولم يستعد للإنفاق، لا تصح الرجعة".

وفي ما يخصّ المادة 6 من القانون رقم 25 لسنة 1929 المتعلقة بالشقاق بين الزوجَين والتطليق للضرر، فإنّها تنصّ على أنّه "إذا ادّعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يُستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها، يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما. وإذا رفض الطلب ثمّ تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر، بعث القاضي حَكمَين وقضى على الوجه المبين بالمواد 7 و8 و9 و10 و11". والمادة 7 من القانون تنصّ على أنّه "يشترط في الحَكمَين أن يكونا عدلَين من أهل الزوجَين إن أمكن وإلا فمن غيرهم ممّن لهم خبرة بحالهما وقدرة على الإصلاح بينهما". أمّا المادة 9 فتنصّ على أنّه "لا يؤثر في سير الحَكمَين امتناع أحد الزوجَين عن حضور مجلس التحكيم متى تمّ إخطاره. وعلى الحَكمَين أن يعرفا أسباب الشقاق بين الزوجَين ويبذلا جهدهما في الإصلاح بينهما على أيّ طريقة ممكنة". وفي المادة 10 من القانون نفسه: "إذا عجز الحَكمان عن الإصلاح، فإن كانت الإساءة كلها من جانب الزوج اقترح الحَكمان التطليق بطلقة بائنة دون مساس شيء من حقوق الزوجة المترتبة على الزواج والطلاق. إذا كانت الإساءة كلها من جانب الزوجة اقترح الحَكمان التطليق نظير بدل مناسب يقرّ أن تلتزم به الزوجة. وإن كانت الإساءة مشتركة اقترحا التطليق دون بدل أو ببدل يتناسب مع نسبة الإساءة. وإن جهلا الحال فلم يُعرف المسيء منهما (الزوجَين)، اقترح الحَكمان تطليقاً من دون بدل".

الصورة
أم وابنتها في مصر (فاسيليس أ. بولاريكاس/ Getty)
(فاسيليس أ. بولاريكاس/ Getty)

وفي ما يتعلق بالمادة 11 من القانون نفسه المطعون في دستوريتها، فإنّها تنصّ على أنّه "على الحَكمَين أن يرفعا تقريرهما إلى المحكمة مشتملاً على الأسباب التي بُني عليها، فإن لم يتفقا بعثتهما مع ثالث له خبرة بالحال وقدرة على الإصلاح وحلّفته اليمين المبينة في المادة 8. وإذا اختلفوا (الثلاثة) أو لم يقدّموا تقريرهم في الميعاد المحدد، سارت المحكمة في الإثبات. وإن عجزت المحكمة عن التوفيق بين الزوجَين وتبينت لها استحالة العشرة بينهما وأصرت الزوجة على الطلاق، قضت المحكمة بالتطليق بينهما بطلقة بائنة مع إسقاط حقوق الزوجة المالية كلها أو بعضها وإلزامها بالتعويض المناسب إن كان لذلك كله مقتضى".

والمواد السابقة كلها تُطبّق عملياً في محاكم الأسرة المصرية بشكل يومي، ويتم التلاعب بنصوص تلك المواد في إجبار الزوجة على الطلاق بعد التنازل عن حقوقها المادية، من خلال اختيار حكّام وشهود يميلون إلى طرف دون آخر. وتحت وسم "الولاية حقي"، نُشرت عشرات الحكايات، تحكي عن "الأب الذي يأتي بشهود زور من أجل أن يخسف بحق أولاده الأرض ويُبقي النفقة في أقل إمكانيات مادية". ويصعب في حالات كثيرة، إثبات دخل الزوج في دعاوى النفقة التي تزيد نسبتها عن 70 في المائة من إجمالي الدعاوى المقدّمة أمام محاكم الأسرة على مستوى البلاد ككل، خصوصاً إذا كان الزوج من أصحاب المهن الحرة. فثمّة رجال لا يسجّلون رواتبهم الحقيقية، وفقاً لإحصائية صادرة عن المجلس القومي للمرأة (مؤسسة حكومية مصرية).

تجدر الإشارة إلى أنّ الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، تُقدّر عدد المطلقات في مصر بأكثر من 5.6 ملايين على يد مأذون، يُعِلنَ نحو سبعة ملايين طفل، إلى جانب نحو 250 ألف حالة خلع. ويصل عدد أطفال الشقاق، المشتتين بين أسر مفككة تعاني خلافات زوجية مزمنة، إلى 15 مليون طفل تقريباً، بحسب دراسة صادرة عن المركز القومي للحقوق للبحوث الجنائية والاجتماعية المصري.

وتستقبل محاكم الأسرة في مصر، سنوياً، ما يزيد عن مليون و500 ألف دعوى تتعلق بالأحوال الشخصية، وتشمل كلّ مسائلها، طبقاً لأحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000. وذلك بحسب ما تفيد به إحصائية رسمية صادرة عن وزارة العدل المصرية في عام 2018.

المساهمون