اكتظاظ اللاجئين... ألمانيا تعاني أزمة مساكن وخدمات

06 ديسمبر 2022
يجب تخصيص أماكن سكن كبيرة لحماية العدد المرتفع من اللاجئين (آدم بيري/ Getty)
+ الخط -

منذ أن بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا طلب حوالي مليون من أبناء هذا البلد حماية في ألمانيا. ومع ارتفاع عددهم في ولايات ألمانيا الـ16، دعا وزراء داخلية هذه الولايات الحكومة الاتحادية لتوفير المساندة المطلوبة لتحسين مستوى الجاهزية لاستقبال المزيد من اللاجئين خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، بالتزامن مع احتمال تفاقم الوضع في أوكرانيا، والذي لا يسمح بعودتهم. كما تضاعف عدد المهاجرين القادمين من اليونان ودول البلقان، في وقت تعاني فيه ولايات ألمانيا أساساً من نقص في أماكن السكن وشقق الإيجار، ولا يريد مسؤولوها استخدام الصالات الرياضية ملاجئ للاجئين.
ووفقاً لمسح أجرته خدمة الصحافة الإنجيلية في ألمانيا، أقدمت ولايات عدة على نصب خيم للسكن، ليس فقط للهاربين من الحرب في أوكرانيا، لأن الأماكن الموجودة يشغلها بشكل رئيسي، منذ فترة طويلة نسبياً، عدد كبير من اللاجئين القادمين من بلدان أخرى، بينها سورية وأفغانستان. وتهدف الولايات بالدرجة الأولى إلى تخفيف حدة الاكتظاظ في المدن. 

وكان مسؤولو ولاية سكسونيا قد اتهموا الحكومة الفيدرالية بعدم تقديم توقعات موثوقة حول عدد الواصلين من اللاجئين الباحثين عن حماية، في حين وصلت القدرة الاستيعابية في ولاية شمال الراين فستفاليا الى نقطة لم تعد تسمح لها إلا باستقبال وافدين في أماكن الطوارئ. اما ولاية هامبورغ فاشتكت من أن أكثر من نسبة 99 في المائة من أماكن مدينة هاينز مشغولة تماماً، وأعلنت أنها ستلجأ فعلياً الى صالات وخيم. 
وفي ولايات سكسونيا السفلى ومكلنبورغ فوربومرن وبراندنبورغ، وصل معدل إشغال المساكن إلى 80 في المائة، بينما امتلأت أماكن الاستقبال الأولى المخصصة للاجئين الأوكرانيين في برلين، وتستخدم فقط خيمتان تتسعان لحوالى 400 شخص موجودتان في منطقة تيغيل، ما حتم إعادة العمل بالعديد من أماكن إقامة الحاويات المغلقة، في انتظار إنشاء وفتح مزيد من نقاط استقبال الطوارئ كإجراء احترازي في فصل الشتاء. 
وذكرت وكالة الأنباء الألمانية "دي بي أ" أن برلين تضم حالياً 27.850 مكاناً في مرافق الاستقبال الخاصة باللاجئين، وهي ممتلئة تقريباً، ما يؤكد الحاجة الملحة والسريعة إلى أماكن جديدة كحلول مؤقتة.
وفي السياق، قال رئيس الاتحاد الألماني للمدن والبلديات رالف شبيغلر لشبكة "إيه آر دي" الإخبارية أخيراً، إنه "إضافة إلى النقص في أماكن السكن والسعي إلى تأمين مساكن طوارئ بديلة، تواجه الولايات نقصاً في عدد الموظفين والمتعاونين في مراكز الاندماج والرعاية النهارية. وهذه المشكلة تمثل إشكالية كبيرة للغاية".
وأوردت صحيفة "فرانكفورتر إلغماينه تسايتونغ" أخيراً، أنه بحلول أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أحصى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين حوالى 160 ألف طلب لجوء أولي في ألمانيا، بزيادة نحو 40 في المائة عن العام السابق. وجاء معظم المتقدمين من سورية، وبعدهم من أفغانستان وتركيا، أما العدد الأكبر فوصل من أوكرانيا، لكن الفئة الأخيرة لا تخضع لإجراءات اللجوء، ويأوي متطوعون أو معارف أفرادها بشكل مؤقت، ولا يسجلون".

مساكن اللاجئين مشكلة قديمة في ألمانيا (توبياس شوارتز/ فرانس برس))
مساكن اللاجئين مشكلة قديمة في ألمانيا (توبياس شوارتز/ فرانس برس)

الحال في برلين
ومع توقع الباحث في شؤون الهجرة غيرالد كناوس، في حديثه لصحيفة "بيلد"، وصول حوالي نصف مليون لاجئ أوكراني جديد لن يتحملوا انقطاع الكهرباء، وسيهربون من مخاطر احتمال تجمّدهم من البرد بعد قصف الجيش الروسي محطات الطاقة، تخطط برلين لإنشاء 10 آلاف مكان جديد للاجئين بحلول نهاية العام الحالي. 
وقالت السيناتورة عن ولاية برلين المنتمية الى حزب اليسار كاتيا كيبينغ إن "حماية هذا العدد المرتفع نسبياً من اللاجئين تتطلب تخصيص أماكن سكن كبيرة واستخدام خيم. وهناك مبدئياً موقعان أو ثلاثة، بينها منشآت المطار السابق في تيغيل، حيث يتم حالياً التثبت من البنية التحتية اللازمة للكهرباء وإمدادات المياه وغيرها، علماً أن برلين استقبلت ما معدله 158 لاجئاً يومياً بين 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي و7 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي". 
إلى ذلك، أوضحت كيبينغ أن مجلس الشيوخ ينسق مع الإدارات المعنية لتعيين مزيد من الموظفين، بهدف تسريع تدابير توسيع أماكن الإقامة، والحيلولة دون أن يصبح اللاجئون بلا مأوى.
وأفاد المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بأن برلين استقبلت منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 97 ألف لاجئ، بينهم حوالي 85 الفاً هربوا من الحرب في أوكرانيا، و10.700 من بلدان أخرى، إضافة إلى 800 وافد جديد من برامج الاستقبال الخاصة، وهذا العدد يتجاوز بكثير الواصلين في الفترة بين عامي 2015 و2016. 

أماكن استقبال اللاجئين ممتلئة تقريباً في ولايات عدة (شين غالوب/ Getty)
أماكن استقبال اللاجئين ممتلئة تقريباً في ولايات عدة (شين غالوب/ Getty)

أزمة بافاريا
وفي ولاية بافاريا، جرى تسجيل 175 ألف لاجئ من أوكرانيا منذ بداية الحرب، علماً أنه لا تتوفر إلا حلول مؤقتة للوافدين الجدد، ويعيش آلاف منهم في سكن جماعي مركزي أو منازل خاصة منذ حوالى 9 أشهر، علماً أن مراكز الاستقبال الأولي تستقبل اللاجئين بين يوم وثلاثة أيام قبل نقلهم إلى أماكن سكن عادية. 
وتشير تقارير إلى أن حوالي 1000 أسرة تضم أكثر من 2000 شخص مسجلة حالياً في مركز الاستشارات التابع لمنظمة "كاريتاس" للبحث عن سكن في منطقة فورتسبوغ، علماً أن مشروعاً يحمل اسم "أكومديشن أوكرانيا"، وهو منصة تنظم الإقامة مع مضيفين من القطاع الخاص، وفر حتى الآن حوالي 360 ألف سرير، ما ساهم في السيطرة جزئياً على الوضع. وهنا يطالب مضيفون بتقليل البيروقراطية كي يستطيعوا مساعدة الوكالات الحكومية بمرونة أكبر في هذه الأزمة.

"لا يعرفون ماذا يفعلون"
ومع تسجيل الشرطة الفيدرالية دخول 13.400 شخص بلا تصاريح في شهر أكتوبر/ تشرين الأول وحده، تزداد الهواجس من فقدان السيطرة على اللاجئين. وتحدث الباحث في شؤون الهجرة بجامعة هيلدسهايم هانس شامان عن كارثة إنسانية ضخمة تعيشها أوروبا، وشدد في تصريحات صحافية على القول إن "العديد من الأمور لا تسير على ما يرام، والمسؤولون يدقون ناقوس الخطر، وبينهم كُثر لا يعرفون ماذا يفعلون إذا استمرت أرقام اللاجئين الوافدين في الارتفاع". أما السياسي الليبرالي توبياس باوشكيف، فدعا إلى التوزيع العادل للاجئين داخل الاتحاد الأوروبي، لا سيما أن دولاً مثل فرنسا وإسبانيا لم تقدم حتى الآن مساعدات بقدر ألمانيا.
ومن أجل دعم أداء الولايات والبلديات مهماتها في التعامل مع الهجرة واللجوء، وافقت الحكومة الاتحادية أخيراً على تخصيص مبلغ 4.25 مليارات يورو (4.35 مليارات دولار)، بينها 1.5 مليار يورو (1.53 مليار دولار)، إضافية عن العام الحالي، علماً أنها كانت قد قدمت مبلغاً مماثلاً في إبريل/ نيسان الماضي. وبالنسبة إلى عام 2023، ستمنح الولايات مبلغ 1.5 مليار يورو لتغطية نفقاتها الخاصة باستقبال اللاجئين من أوكرانيا، و1.25 مليار يورو (1.28 مليار)، لاستقبال لاجئين من دول أخرى، قبل تقييم الوضع مجدداً خلال فترة عيد الفصح المقبل من أجل الوقوف على آخر تطورات الأزمة، علماً أنه سمح في وقت سابق للاجئي الحرب القادمين من أوكرانيا بالتقدم للحصول على ميزات إضافية تشمل دفع الايجار والتكاليف المعيشية.

من جهة أخرى، تدعم العديد من المنظمات اللاجئين الذين يواجهون عوائق كثيرة أهمها حاجز اللغة، وعدم فهم القواعد المطبقة في سوق السكن الألماني عند توقيع عقود أو التقدم بطلبات للحصول على إعانات اجتماعية. وبين المشاكل أيضاً عدم سماح القانون الألماني بتلقي طالبي اللجوء مساعدات طبية إلا في حالات المرض الشديد، وهو يمنع حصولهم على ميزات خاصة بالتأمين الصحي إلا بعد تغيير وضعهم القانوني. وهنا تساهم جمعيات الرعاية الطبية في مراكز الاستقبال الأولي في معالجة هذه الثغرات، لكنها تواجه عقبات ندرة الأطباء والممرضين، كما تبذل قصارى جهدها لدعم الأطفال والشبان الذين يحتاجون إلى علاج نفسي، علماً أن أكثرهم يعانون من الخوف والاكتئاب. 
وتفيد إدارات مراكز اللجوء بأن الكثير من اللاجئين، بينهم نساء وأطفال حديثو الولادة وأشخاص ذوو أمراض مزمنة، يضطرون إلى انتظار مواعيد طويلة لتلقي المعاينة.

المساهمون