اشتباكات السودان تشرد أكثر من مليوني شخص وتترك مرضى الكلى فريسة للموت

14 يونيو 2023
فرار متواصل من المعارك والقتال بحثاً عن الأمان (فرانس برس)
+ الخط -

قالت الأمم المتحدة، الأربعاء، إن الصراع في السودان تسبب في نزوح أكثر من مليوني شخص، فيما حذر مسؤول أممي من أن الهجمات المتصاعدة في مدينة دارفور قد ترقى إلى "جرائم ضد الإنسانية".

غرق السودان في حالة من الفوضى منذ منتصف إبريل/ نيسان عندما انفجرت التوترات المستمرة منذ شهور بين الجيش وخصمه، قوات الدعم السريع شبه العسكرية، في قتال مفتوح بالعاصمة الخرطوم وأماكن أخرى في الدولة الواقعة في شمال شرق أفريقيا.

فرار من المعارك

استمر القتال الأربعاء بلا هوادة في أجزاء من العاصمة وإقليم دارفور، غربي البلاد، وكلاهما شهد بعضا من أسوأ المعارك. قُتل ما لا يقل عن 959 مدنيا وأصيب نحو 4750 آخرين حتى 12 يونيو/ حزيران، وفقاً لنقابة أطباء السودان، التي تتابع الخسائر في صفوف المدنيين.

أجبرت الاشتباكات الوحشية أكثر من 1.6 مليون شخص على مغادرة منازلهم إلى مناطق أكثر أمانا داخل السودان، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة. وقالت المنظمة إن نحو 530 ألفا آخرين فروا إلى الدول المجاورة مثل مصر وجنوب السودان وتشاد وإثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا.

وقالت النقابة إن عدد القتلى قد يكون أعلى من ذلك بكثير نظرا لعدم تمكنها من إحصاء القتلى أو الجرحى في الاشتباكات الجارية في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور. وأضافت النقابة أن مستشفيات المدينة خارج الخدمة منذ اندلاع القتال هناك في إبريل/ نيسان.

شهدت جميع ولايات السودان البالغ عددها 18 ولاية نزوحا، إذ تصدرت الخرطوم القائمة بحوالي 65 بالمائة من إجمالي عدد النازحين، تليها غرب دارفور بأكثر من 17 بالمائة، وفقا لمصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة.

في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، اجتاحت قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة معها المدينة على مدار الأسبوع الماضي، ما أسفر عن مقتل وإصابة مئات الأشخاص، وفقًا لنشطاء محليين ومسؤولين في الأمم المتحدة.

مرضى الكلى فريسة للموت

ترك الصراع المحتدم في السودان المرضى الذين يحتاجون لغسل الكلى فريسة للموت، وأهملت جثث القتلى حتى تحللت في المشارح وفي شوارع المدن مع احتدام الصراع الدائر هناك على الرغم من جهود المتطوعين وعمال الإغاثة لمواصلة تقديم الخدمات الصحية الحيوية.

حياة مرضى الكلى مهددة بسبب الصراع الدائر (فرانس برس)

وكان قطاع الصحة في السودان بالفعل على حافة الانهيار بسبب نقص الموارد قبل نشوب الصراع، ثم تداعى منهارا في شهرين من القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في أنحاء البلاد.

وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من 60 مستشفى توقفت عن العمل في مناطق القتال، وهناك 29 مستشفى ما زالت تعمل مهددة بالإغلاق بسبب انقطاع التيار الكهربائي والمياه ونقص الأطقم الطبية.

وصرح باتريك يوسف، المدير الإقليمي لأفريقيا باللجنة الدولية للصليب الأحمر لـ "رويترز": "على الرغم من كل الجهود التي يبذلها الأطباء السودانيون... الذين يعملون في ظروف شديدة الصعوبة، فهذا بالتأكيد ليس وضعا قابلا للاستمرار".

وأفاد الدكتور محمد وهبي الذي يدير واحدا من أكبر مستشفيات الأطفال في السودان في أم درمان التي تمثل مع بحري والخرطوم ما يطلق عليه السكان المحليون العاصمة المثلثة، إن المستشفى يستقبل عادة نحو 300 طفل مريض يوميا.

وقال: "بداية الحرب، الدعم (السريع) وضع عرباته أمام المستشفى وقواته دخلوا المستشفى، وأصبح المكان غير آمن للمرضى، كثيرون ابتعدوا ما عدا مرض الكلى المضطرين للغسل".

وقبل أسبوعين، توقف المستشفى عن تقديم العلاج حيث تضاءلت المستلزمات الخاصة بغسل الكلى.

تضاءلت المستلزمات الخاصة بغسل الكلى (فرانس برس)

وقال بيان للجنة التمهيدية لنقابة الأطباء في السودان، إن انقطاع التيار الكهربائي المستمر لأكثر من أسبوعين عرض وحدة غسل الكلى في مدينة الأبيض لخطر الإغلاق وأدى إلى وفاة ما لا يقل عن 12 مريضا بحاجة لغسل الكلى.

ويقول سكان إن الطرق المؤدية إلى المدينة ذات الموقع الاستراتيجي تخضع للحصار كما انقطت عتها إمدادات الغذاء والدواء. وأكدت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء أن المهندسين حاولوا الوصول إلى محطة كهرباء محلية لإعادة التيار لكنهم تعرضوا للاعتداء قبل أن يتمكنوا من الوصول.

مرضى الكلى يمثلون مشكلة صحية مهمة في السودان حيث العلاج محدود ومكلف. ويعتمد ما يقدر بنحو ثمانية آلاف شخص في السودان على غسل الكلى كي تستمر حياتهم

ووفقاً للجمعية الدولية لأمراض الكلى، فإن مرضى الكلى يمثلون مشكلة صحية مهمة في السودان حيث العلاج محدود ومكلف. ويعتمد ما يقدر بنحو ثمانية آلاف شخص في السودان على غسل الكلى كي تستمر حياتهم.

وأوضح علاء الدين إبراهيم علي المدير العام للمستشفى الرئيسي في أمبدة بضواحي أم درمان، أن المستشفى اضطر إلى خفض عدد زيارات المرضى إلى النصف وإغلاق غرف العمليات بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود الذي يشغل مولد الكهرباء.

انهيار المشرحة

وغير بعيد عن هذا المستشفى، لم تتمكن إحدى المشارح من استمرار عمل نظام التبريد وبدأت 450 جثة في التحلل وتسربت الدماء على الأرض.

واتهم الجيش قوات الدعم السريع بإخلاء المستشفيات الرئيسية والسيطرة عليها بالقوة. وقالت قوات الدعم السريع في بيان في وقت سابق هذا الأسبوع، إن المراقبين لاحظوا خلو كثير من تلك المستشفيات وكذلك محطات الكهرباء والمياه من المقاتلين.

وفي الوقت الذي تجد فيه الوكالات الإنسانية الدولية صعوبة في توسيع نطاق وصول المساعدات بسبب انتشار العنف، حاولت إحدى لجان المتطوعين المحلية. وتحاول العديد من هذه اللجان الحفاظ على استمرار تقديم الخدمات الصحية الأساسية.

وقال موسى حسن أحد أعضاء اللجنة إنهم واجهوا مشكلات لشراء معدات ووقود لإبقاء عمل أنظمة التبريد، مضيفا أن سعر غالون الوقود ارتفع إلى ما بين 58 و83 دولارا من 11 دولارا قبل الحرب.

وأضاف أن الشرطة والسلطات الأخرى اختفت حين بدأ الصراع مما أعاق إجراءات الدفن.

وتابع: "لم ندفن أي جثة حتى الآن بسبب الاشتباكات من حولنا وغياب الأمن. حتى نتمكن من دفن الجثث لا بد من تصريح من النائب العام... وصدور قرار بدفن الجثث".

والوضع في دارفور بغرب السودان أكثر بؤسا. وشهدت الجنينة، المدينة الأكثر تضررا في المنطقة، موجات من الهجمات شنتها مليشيات عربية مدعومة من قوات الدعم السريع بينما كانت معزولة عن شبكات الإغاثة الإنسانية والهاتف.

وقال ياسر الأمين رئيس جمعية الأطباء السودانيين الأميركيين إن "الخدمات الصحية لم تعد موجودة عمليا بالمرة. إنها مدينة الموت".

واضطر مستشفى الجنينة التعليمي الذي يرتاده أكبر عدد من المرضى في ولاية غرب دارفور إلى إغلاق أبوابه في أواخر إبريل/ نيسان، وجرى إجلاء المرضى والأطباء.

وقال هشام جمعة، وهو معلم في مدرسة ثانوية في المدينة، إنه رأى مقاتلين يستولون على المستشفى قبل أن يفر إلى تشاد المجاورة في وقت سابق من هذا الشهر.

وأضاف لـ "رويترز" عبر الهاتف من تشاد: "مرضى كثيرون توفوا منهم جارتي. كانت تحتاج غسل كلى كل ثلاثة أيام ولم تجد طريقة تصل بها للمستشفى".

ولم تتمكن "رويترز" من التحقق من روايته أو التأكد من عدد المرضى الذين لقوا حتفهم.

وأفاد موسى إبراهيم، وهو مشرف إمدادات في الجنينة يعمل لحساب منظمة "أطباء بلا حدود" التي دعمت المستشفى، إن القتال في المدينة جعل جلب الضروريات الأساسية أو انتشال الجثث من الشوارع أمرا خطيرا.

وقال في بيان: "تمكنا أخيرا من الوصول لكن الجثث كانت قد تحللت لدرجة تعذرت فيها إزالتها وأقصى ما نستطيع فعله الآن هو جمع الجثث في مكان واحد".

 

(أسوشييتد برس، رويترز)

المساهمون