شهد المجتمع الفلسطيني في الداخل عاماً عنيفاً ودامياً وارتفاعاً في نسبة الجريمة والفقر، إذ سقط 113 ضحية، مقابل 95 في عام 2019، مع ارتفاع منسوب معدلات الفقر لهذا العام بسبب جائحة كورونا.
وارتفعت نسبة العائلات التي واجهت ضائقة اقتصادية إلى 38.6% في إسرائيل، منهم 86.6% من فلسطينيي الداخل بسبب كورونا، بينما كانت هذه النسبة 24.1% عامة في إسرائيل، منهم 63.8% بين الفلسطينيين، قبل الجائحة، وفق تقرير منظمة لاتيت الإسرائيلية الذي نُشر بالشهر الحالي.
وفي حديث عن سياسات المؤسسة الإسرائيلية في قضية الجريمة والعنف بالمجتمع الفلسطيني بالداخل، قالت الدكتورة هنيدة غانم، مديرة مركز مدار، "من الواضح تماماً أن ما يحدث هو سياسة إجرامية تجاه فلسطينيي الداخل، وناتج عن انسحاب الدولة من دورها، هذا الانسحاب له علاقة بالسياق التاريخي والاستعماري ويعكس تعامل الدولة مع فلسطينيي الداخل".
وتابعت "هذه دولة مبنية على تفوق اليهودي أصلاً، تبلورت مؤسساتها وقوانينها وممارستها من أجل اليهود ولتشكل لهم دفيئة حاضنة، العرب الفلسطينيون بنيوياً خارج مفهوم المواطنة المعياري، ولا حاجة أن تقوم الدولة بتشجيع العنف ليتوسع، إذ يكفي انسحاب الدولة من المواطنة الحقيقية للعرب، وإخراج المناطق والبلدات العربية خارج مخيالها ليتفشى العنف".
وأضافت "أرى في قضية العنف مسألة بنيوية مرتبطة بشكل أساسي بالعلاقة بين الدولة وفلسطينيي 48، وبوضعهم في خارج المواطنة بل في عتمها. ولا يمكن أن تفهم العنف وهو كارثة اجتماعية خارج العلاقة الاستعمارية ودون وضعها في سياق موضعة الفلسطيني في خارج المواطنة المعيارية".
وعن ثقافة العنف في المجتمع، قالت غانم "لا يمكن أن يفسر العنف بمفاهيم الثقافة كما يروج البعض، في أي مكان في العالم عند انسحاب الدولة من دورها كحافظة للأمن والقانون، تدخل مكانها تنظيمات وتشكلات بديلة تسعى إلى بسط سيطرتها بالعنف وقوة الذراع، وهو ما يقابله أيضاً انسحاب الفرد إلى دائرته الضيقة العائلية أو الأكبر الحمائلية أو الاحتماء بالعصابات المسلحة، التي تلعب دور الدولة البديلة، ليزداد شعور الاغتراب أكثر عند الأفراد، وتتغذى العصابات وتزدهر في حالة الداخل بسبب تقاطع عاملين: أولاً، نكوص الهوية الجماعية وفقدان مشروع جامع له قيم ومحددات والإحباط العام والتذرر والتشظي والاستقطاب الداخلي، والأمر الثاني طبيعة الدولة كدولة يهودية تعتبر العرب خارج دائرة المواطنة المعيارية والتعامل معهم وفق مبدأ الإهمال".
وعن الخطة الاستراتيجية لمحاربة العنف والجريمة للجنة المتابعة، قال محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة لفلسطينيي الداخل، "قضية انتشار العنف والجريمة واضح أنها قضية اجتماعية، لكن الارتفاع في منسوبها بهذا الشكل الفظيع في المجتمع الفلسطيني بالداخل له أساس سياسي. واضح أن شرطة إسرائيل قادرة على تصفية العنف وعصابات الجريمة، عندها كل الأدوات والإمكانات والتكنولوجيا، لكنها لا تفعل بسبب العقل والفكر العنصريين اللذين يعششان في كل ثنايا هذه المؤسسة".
وأضاف "نحن قمنا في لجنة المتابعة بوضع خطة عمل عليها 153 شخصاً، أصحاب اختصاص في أربعة عشر موضوعاً، وقدموا مشروعاً استراتيجياً لمكافحة العنف. بالأساس ماذا نطلب من أنفسنا كعائلات كأهل في البيت وجهاز تعليم وأحزاب سياسية ورجال دين وإعلام، وأطلقت المشروع قبل عام اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، وقد أخذت هذا المشروع وكلفت شخصاً مختصاً بأن يقوم بتحويله. وهي برامج عمل تقوم بتنفيذها السطات المحلية وهذا ما يجري في هذه الأيام".
وعن دور المؤسسة الإسرائيلية في موضوع الفقر، يقول بركة "الفقر والعنف وكل الآفات الاجتماعية من إنتاج المؤسسة كدولة تعتمد الليبيرالية المتطرفة في الاقتصاد، وفي حالة إسرائيل، إلى جانب المصالح الرأسمالية الكبيرة بوجود هذه الجيوب، هناك مصلحة سياسية بإلزام المواطن العربي أن يكون في لهاث دائم وراء رغيف الخبز، خاصة في ظل مجتمع استهلاكي متطرف يفرض أنماطاً غير معقولة على المواطن البسيط لكي يجاري عصره، فحوالي نصف الفقراء في البلاد من العرب، و63% من الأطفال يعيشون تحت خط الفقر من العرب، بينما نسبة الفقر العامة هي 23% في إسرائيل، ولذلك واضح أنه يوجد نظاميان اقتصادياً في البلد؛ هناك دولة الفقراء ودولة الأغنياء، دولة الفقراء مشكلة من المواطنين العرب وهذا قرار وفعل سياسي".
وفي حديث عن حالة انتشار الجريمة والعنف، قال رضا جابر، مدير مركز أمان لمكافحة العنف، "إن مسؤولية الدولة واضحة ومسؤولية الشرطة واضحة ولكنها تتعامل مع الموضوع من منطق المسؤولية الثانوية، أي أنها مستعدة لتقديم "المساعدة" للمجتمع باعتبار أن الجريمة مشكلة عربية داخلية وليست مشكلة هي المسؤولة عن حلها. بجانب كل هذا فإن الأسباب التي تجعل الجريمة تزداد وبهذه الشراسة تزداد تعمقاً ولا أحد يعالجها أو حتى يطرح مشروعاً لحلها".
وأضاف "إننا نتحدث عن مجتمع مقسم إلى قسمين: غالبية الناس المعيارية والتي تتصرف وفقاً للقانون الاجتماعي والنظامي، وقسم آخر يعتاش على الجريمة بدأ يستعمل نفوذه المتعاظم للسيطرة على القسم الأول، إن استغلال ظروف الناس الاقتصادية والاجتماعية والخلافات بينهم هو شريان حياة الإجرام، ولا يوجد أي تحرك لإغلاق هذا الشريان، فظروف الناس تزداد سوءاً من عام إلى عام، الفجوات تتسع، والخلافات تتعاظم ولا يوجد تحرك لمعالجة كل هذه".
وعن كيفية علاج هذه الظاهرة يضيف جابر "إعادة تنظيم مجتمعنا من جديد بشكل كلي، التحرك لبناء شبكات وتنظيمات اجتماعية تأخذ مسؤولية حل مشاكل الناس وتقديم المساندة لهم، شبكات تستقطب الشباب والشابات وتنقذهم من أيدي المجرمين وتقدم شكلاً مبتكراً من إحياء الأحياء وحضور الفعاليات الثقافية والتربوية فيها، وخلق جو عام من إعادة سيطرة الناس على حياتهم. إن هذا الشكل من التنظيم الذي تنخرط فيه أيضاً الأحزاب والقوى المدنية بشكل فاعل، هو الذي سيغير تصرف الدولة لأنها ستكتشف أنها أمام مجتمع قوي، فالإجرام لن ينسحب إلا أمام مجتمع قوي".